مقالات

“الابتكار في مواجهة الأمن: من سيهيمن على اقتصاد الغد، وادي السيليكون أم ديب سيك؟”


• ليانغ وينفنغ: العقبة أمام تحقيق مزيد من التقدم لا تكمن في جمع تمويل أكبر، بل في القيود الأميركية على الوصول إلى الرقائق الأفضل أداءً.
• إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تطوير قطاع التجارة الكمية، فلماذا لا تستطيع الصين ذلك؟
• زيادة الاستثمار لا تؤدي بالضرورة إلى مزيد من الابتكار.
• الصراع بين OpenAI و DeepSeek أكثر من مجرد منافسة بين شركتين.
• الجمع بين قوة الاثنين يمكن أن يؤدي إلى تحولات كبرى تعود بالنفع على البشرية جمعاء.
• نجاح “ديب سيك” قد يدفع “أوبن إيه آي” إلى خفض الأسعار للحفاظ على تفوقهم الحالي.
• مارك أندريسين: “ديب سيك” DeepSeek هو “لحظة سبوتنيك “Sputnik moment” في الذكاء الاصطناعي”
• التطور العلمي والتكنولوجي الأميركي نتاج عملية ضخمة ومعقدة تساهم فيها شبكات عديدة من المؤسسات والأفراد.
• اجتماعات ترامب مع قادة الشركات العملاقة جزء لا يتجزأ من صنع السياسات في الولايات المتحدة.
• تعهد “ميتا” و”مايكروسوفت” بإنفاق رأسمالي يبلغ 65 مليار دولار سيثير الشك إذا كانت النماذج الأكثر كفاءة بمقدورها المنافسة باستثمارات أقل بكثير.
• لا وجود للفائز الواحد، فالمنافسة مستمرة بين وادي السيليكون وديب سيك، واحتمال ظهور قوى جديدة من أوروبا أو الهند.

ديب سيك: العملاق الصاعد والمعركة الاقتصادية المحتملة
تأسست DeepSeek في ديسمبر 2023 على يد الصيني ليانج وينفينج، وأصدرت أول نموذج لغة كبيرة للذكاء الاصطناعي في العام التالي. فمع دخول العالم في عصر الذكاء الاصطناعي، يشهد قطاع التكنولوجيا أكبر صراع غير مسبوق جيوسياسيا في تاريخ البشرية كالحربً الباردة ولكن رقميا. هذت الصراع بين عملاقين في هذا المجالOpenAIL: و .DeepSeek الطرف الأمريكي، OpenAI O1 المدعومة بمليارات الدولارات ومخازن البيانات الضخمة وخبرات وادي السيليكون. والطرف الصيني، Deep Seek R1 الذي أذهل الجميع بتكلفته الرخيصة للغاية ويتبنى استراتيجية “المصدر المفتوح” وهي أشبه بحصان طروادة رقمي يتسلل إلى كل حاسوب في العالم. إنها حرب النجوم الجديدة لهذا القرن .هذه المنافسة ليست مجرد مواجهة تقنية، بل تعكس توازنات القوى الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، حيث تسعى كل جهة لتعزيز نفوذها وتأثيرها على الساحة الدولية.
من هو ليانغ وينفنغ؟
• وُلد ليانغ في الصين في مدينةZhanjiang, Guangdong في عام 1985(40 عاماً )، وحصل على شهادتي البكالوريوس (2007) والماجستير من جامعة تشيجيانغ (2010) Zhejiang .
• المحطات المهنية:
• تطوير خوارزمية تتبع الأهداف باستخدام كاميرات PTZ منخفضة التكلفة أثناء إدارة أبحاثه.
• تأسيس شركة Hangzhou Yakebi للاستثمار (2013)
• تأسيس شركة Zhejiang Jiuzhang لإدارة الأصول (2015)
• إطلاق “هاي فلاير AI” (2019)
• تأسيس “ديب سيك” (2023) – تركز على تطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI)
لا يُعرف الكثير عن ليانج، الذي تخرج من جامعة تشجيانغ في هندسة المعلومات الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر. لكنه الآن يجد نفسه في دائرة الأضواء الدولية. شوهد مؤخرًا في اجتماع استضافه رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج، مما يعكس بروز DeepSeek المتزايد في صناعة الذكاء الاصطناعي. على عكس العديد من رواد الأعمال الأمريكيين في مجال الذكاء الاصطناعي الذين ينتمون إلى وادي السيليكون، يتمتع السيد ليانج أيضًا بخلفية في مجال التمويل.
إنه الرئيس التنفيذي لصندوق تحوط يسمى “هاي فلاير” High-Flyer، والذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المالية لاتخاذ قرارات الاستثمار – ما يسمى بالتداول الكمي. في عام 2019، أصبح High-Flyer أول صندوق تحوط كمي في الصين يجمع أكثر من 100 مليار يوان (13 مليون دولار). من خلال “هاي فلاير”، استخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات تداول تهدف إلى التنبؤ باتجاهات السوق والمساعدة في اتخاذ القرارات الاستثمارية ويركز صندوق التحوط الخاص به، على أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، مما ساعد في دفع “ديب سيك” نحو النجاح السريع. وسرعان ما أصبح ليانغ شخصية بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث قارنه البعض بسام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة .OpenAI
وقد قال ليانغ في مقابلة مع موقع “36 كيه آر” الصيني إن العقبة أمام تحقيق مزيد من التقدم لا تكمن في جمع تمويل أكبر، بل في القيود الأميركية على الوصول إلى الرقائق الأفضل أداءً، وأشار إلى أن معظم كبار الباحثين في الشركة كانوا حديثي التخرج من أكبر الجامعات الصينية. كما أكد على حاجة الصين إلى تطوير منظومة محلية شاملة، تشبه المحيطة بـ”إنفيديا” ورقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها. وأضاف: “زيادة الاستثمار لا تؤدي بالضرورة إلى مزيد من الابتكار، وإلا استأثرت الشركات الكبرى بكل الابتكارات”.
وفي مقابلة نادرة العام الماضي، قال إن قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين “لا يمكن أن يظل تابعًا إلى الأبد”. وتابع: “غالبًا ما نقول إن هناك فجوة لمدة عام أو عامين بين الذكاء الاصطناعي الصيني والأمريكي، لكن الفجوة الحقيقية هي بين الأصالة والتقليد. وإذا لم يتغير هذا، فستظل الصين دائمًا تابعة”.
وعندما سُئل عن سبب مفاجأة نموذج DeepSeek للكثيرين في وادي السيليكون، قال: “تنبع مفاجأتهم من رؤية شركة صينية تنضم إلى لعبتهم كمبتكر، وليس مجرد تابع – وهو ما اعتادت عليه معظم الشركات الصينية. “”DeepSeek “ديب سيك” لم يعد فقط رسم دور الصين في المعترك التكنولوجي، بل تحدى النظرة العالمية، وأظهر وأثبت مدى قدرة الصين علي الابتكار والإبداع والتفوق على البراعة التكنولوجية المتنامية للبلاد والاعتماد على النفس.
وفي خطاب ألقاه في ذلك العام، قال ليانغ: “إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تطوير قطاع التجارة الكمية، فلماذا لا تستطيع الصين ذلك؟”.
في الصين، يتم الاحتفال بتقدمDeepSeek
ما هو” ديب سيك” DeepSeek؟

“ديب سيك” DeepSeek هو اسم برنامج دردشة مجاني يعمل بالذكاء الاصطناعي، والذي يبدو ويشعر ويعمل كثيرًا مثل .ChatGPT. هذا يعني أنه يستخدم للعديد من نفس المهام، على الرغم من أن مدى نجاحه مقارنة بمنافسيه أمر قابل للنقاش. يقال إن نموذج الذكاء الاصطناعي الذي يعمل على تشغيل DeepSeek – المعروف باسم R1 – قوي مثل نموذج OpenAI o1 وراء ChatGPT عند أداء مهام مثل الرياضيات والترميز. مثل العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى – Ernie من Baidu أو Doubao من ByteDance – يتم تدريب DeepSeek لتجنب الأسئلة الحساسة سياسياً.
يعتبر ظهور DeepSeek قفزة كبيرة للحكومة الصينية، التي تسعى إلى بناء تكنولوجيا مستقلة عن الغرب. وبينما لم يعلق الحزب الشيوعي بعد، كانت وسائل الإعلام الحكومية الصينية حريصة على الإشارة إلى أن عمالقة وادي السيليكون وول ستريت “فقدوا النوم” بسبب DeepSeek ، الذي كان “يقلب” سوق الأسهم الأمريكية.
وأحدث الروبوت الذكي الصيني “ديب سيك” ضجة كبيرة في وادي السيليكون، مدهشًا المستثمرين والخبراء في هذا المجال بقدرته على منافسة نظرائه الغربيين بكفاءة عالية وبتكلفة أقل بكثير وبثمن بخس على الرغم من أن تكلفة التطوير خارج تدريب النموذج غير معروفة. ولا يزال من غير الواضح كيف فعلوا ذلك بالضبط. وبحسب ما ورد، قام مؤسس DeepSeek ببناء مخزن لشرائحNvidia A100 ، والتي تم حظر تصديرها إلى الصين منذ سبتمبر 2022. ويعتقد الخبراء أن هذه المجموعة – التي يقدرها البعض بنحو 50 ألفًا – دفعته إلى بناء مثل هذا النموذج القوي للذكاء الاصطناعي، من خلال إقران هذه الشرائح بشرائح أرخص وأقل تطورًا. وأسس “ديب سيك” برأس مال مُرخص يبلغ 10 ملايين يوان فقط (1.4 مليون دولار)، بحسب قاعدة بيانات الشركات “تيانيانشا” (Tianya Cha).
تتميز “ديب سيك” باستراتيجية المصادر المفتوحة، التي تهدف إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستخدمين بشكل سريع قبل وضع استراتيجيات لتحقيق الأرباح فضلاً عن العدد الكبير من المستخدمين.
نظراً لأن نماذج “ديب سيك” أقل تكلفة بكثير، فقد أدت دوراً في المساعدة على خفض التكاليف على مطوري الذكاء الاصطناعي في الصين. وفقًا لمجلة “فورتشن”، فإن مؤسس “ديب سيك”، لا يتناسب مع الصورة النمطية السائدة لمبتكري الذكاء الاصطناعي، فعلى عكس ألتمان، لم يكن ليانغ رائد أعمال تقليديًا في وادي السيليكون، فقد أتى من عالم المال.
على الرغم من أن DeepSeek تأسست في أواخر عام 2023 وكان يُنظر إليها في البداية كمشروع جانبي، إلا أن ليانغ كان شخصياً مشاركاً في الشركة وأبحاثها. كما يخطط ليانغ لتحويل DeepSeek إلى شركة رائدة محلياً في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تجنيد أفضل المواهب من الجامعات الصينية ودفع رواتب لهم على نطاق مشابه لما تقدمه شركة بايت دانس، المالكة لمنصة تيك توك، من رواتب مغرية. هذه الاستراتيجية تتماشى مع رؤية الحكومة الصينية لتعزيز الأمن القومي والتفوق التكنولوجي، حيث تسعى الصين إلى تطوير تقنياتها الخاصة وتقليل الاعتماد على الشركات الغربية. بفضل الدعم الحكومي القوي والاستراتيجية الوطنية الواضحة، تتمتع DeepSeek بقدرة كبيرة على التكيف والاستجابة للتحديات الدولية، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والحواجز التجارية.
وأحدث الروبوت الذكي الصيني “ديب سيك” ضجة كبيرة في وادي السيليكون، مدهشًا المستثمرين والخبراء في هذا المجال بقدرته على منافسة نظرائه الغربيين بكفاءة عالية و اعتباره بديلاً أقل تكلفة بكثير لنموذج “أوبن إيه آي”، فيما وصفه المستثمر مارك أندريسين بأنه “لحظة سبوتنيك “Sputnik moment” في الذكاء الاصطناعي” (أي الإدراك المفاجئ لتفوق المنافس في التكنولوجيا مثلما حدث مع إطلاق روسيا أول قمر صناعي قبل الولايات المتحدة في الخمسينيات).
ويتفوق هذا النموذج الثوري للذكاء الاصطناعي على لاعبين بارزين مثل ChatGPT وGemini وClaude AI، وقد تصدر التطبيق قائمة متجر آبل وتجاوز شعبية ChatGPT، ما أثار اضطرابًا في سوق الأسهم الأميركية وجذب ذلك اهتمامًا كبيرًا في عالم التكنولوجيا، خاصة بعد أن كشفت الشركة عن تكاليف التشغيل المنخفضة بشكل صادم.
ما التأثيرات على سوق الذكاء الاصطناعي العالمية؟
نجاح “ديب سيك” قد يدفع “أوبن إيه آي” ومقدمي الخدمة الآخرين في الولايات المتحدة إلى خفض الأسعار للحفاظ على تفوقهم الحالي، كما سيثير الشك حول الإنفاق الكبير لشركات مثل “ميتا” و”مايكروسوفت”، إذا كانت النماذج الأكثر كفاءة بمقدورها المنافسة باستثمارات أقل بكثير، إذ تعهد كل من الشركتين الأميركيتين بإنفاق رأسمالي يبلغ 65 مليار دولار أو أكثر هذا العام على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي. حاليا، تواجه OpenAI، التي تقدر قيمتها بنحو 157 مليار دولار، التدقيق بشأن قدرتها على الحفاظ على ميزة مهيمنة في الابتكار أو تبرير تقييمها ونفقاتها الضخمة دون تحقيق عوائد كبيرة. حيث أثارت تكاليف الشركة المنخفضة المحتملة اضطراب الأسواق المالية في 27 يناير، مما أدى إلى انخفاض مؤشر ناسداك الذي يعتمد على التكنولوجيا بنسبة تزيد عن 3٪ في موجة بيع واسعة النطاق شملت شركات تصنيع الرقائق ومراكز البيانات في جميع أنحاء العالم. يقول وي صن، كبير محللي الذكاء الاصطناعي في Counterpoint Research، “لقد أثبتت DeepSeek أنه يمكن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة بموارد حوسبة محدودة”. أدى هذا إلى هزة في أسواق الأسهم الآسيوية، إذ سعى المستثمرون وراء شركات صينية مرتبطة بـ”ديب سيك”، مثل “إيفليتك”، وابتعدوا عن شركات سلسلة توريد صنع الرقائق مثل “أدفانتست”، التي قد تتعرض لأي تراجع في الطلب المتوقع على أشباه الموصلات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. ويبدو أن شركة إنفيديا كانت الأكثر تضررا حيث انخفض سعر سهمها بنسبة 17% على مدار اليوم
وادي السيليكون أم ديب سيك
من سيكون الفائز ومن سيرسم ملامح الهيمنة الاقتصادية المستقبلية؟

مع بزوغ فجر التكنولوجيا المتقدمة وازدهار الاقتصاد الرقمي، تتجه الأنظار نحو اثنين من أكثر المراكز تأثيرًا في الساحة الاقتصادية العالمية. وادي السيليكون (Silicon Valley) وديب سيك DeepSeek. في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات جذرية، تتصارع هذه القوى الكبرى لتحديد من سيتربع على عرش الهيمنة الاقتصادية في العقود القادمة. لا يمكن التنبؤ بمن سيكون الفائز في هذا الصراع، حيث يعتمد ذلك على عدة عوامل تشمل الابتكار، الدعم المالي، السياسات الحكومية، والاستجابة للسوق العالمية. ومع ذلك، يمكن القول بأن المنافسة بين OpenAI و DeepSeek ستدفع كلا الجانبين إلى تحقيق إنجازات جديدة وتعزيز التطور التكنولوجي.
الاهتمام الأميركي منذ التاسيس بإشراك السياسة بالعلم والعلوم والتكنولوجيا
لقد أولى الدستور الأميركي (1787) اهتماماً خاصاً بالعلوم والتكنولوجيا بمنح للكونغرس صلاحية دعم العلوم والفنون المفيدة، وتأمين حقوق المبتكر والمؤلف، وأعطى له سلطة إنشاء الجامعات وعقد المؤتمرات لتعزيز العلوم وتشجيع الاكتشافات الحديثة والمعارف المفيدة. وبالتالي بدأ الكونغرس في العام 1884 يبحث في كيفية تعاون الحكومة في المجالات العلمية كافة فشكّل لجنة من ثلاثة أعضاء عُرفت باسم «لجنة أليسون»، لبحث القضية. وأوصت اللجنة بحاجة الحكومة إلى التعاون مع أقسام العلوم والجامعات الوطنية، وأكدت على ضرورة التمويل الفيديرالي للعلوم. ولهذا يسأل أحدنا سؤالا وجيها: لماذا يلتقي الرؤساء الأمريكيون الجدد عادةً مع قادة الشركات التكنولوجية الكبرى مثل ماسك وزوكربيرج وبيزوس وغيرهم من كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا. هل للظهورالإعلامي أم كسب الود؟ طبعا لا. إن هذه اللقاءات مع كل رئيس أمريكي جديد وحضورهم واستجوابهم أحيانا من قبل الكونغرس حين ينحرفون عن الجادة يشير إلى تاكيد محاذاة الاستراتيجية مع إدارة البيت الابيض. حيث تستفيد كل من أعمالهم أو تواجه تحديات اعتمادًا على كيفية تطور السياسات الأمريكية المتعلقة بالتكنولوجيا والتجارة والتنظيم خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي. إن هؤلاء الأقطاب الثلاثة في مجال التكنولوجيا – ماسك وزوكربيرج وبيزوس – جمعوا ثروات هائلة ونفوذًا عالميًا من خلال شركاتهم، بثروة صافية مجتمعة تبلغ 885 مليار دولار. إن هذه الإجتماعات تعتير جزءًا لا يتجزأ من صنع السياسات في الولايات المتحدة في مجالات متعددة، تتراوح بين الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي. إنّ فهم رؤى هذه الشركات ومشاكلهم أمرٌ ضروريّ لتوجيه السياسات الحكومية بشكلٍ فعّال وتُظهر أهمية علاقاتهم بالزعماء السياسيين في مواكبة نمو شركاتهم.
وقد أصبح التركيز في السنوات الأخيرة ينصب على كيفية استخدام الساسة للعلوم، بمعنى أن التكنولوجيا والعلم هما في خدمة السياسة، ولهذا يتم طلب المشورة والنصح الفني والعلمي في هذه الإجتماعات في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي ولهذا السبب الولايات المتحدة تعتبر نموذجا قويا للأخرين في نهج الابتكار وسياسة العلم والتكنولوجيا.
ولذالك وادي السيليكون وديب سيك يمثلان نموذجين مختلفين للنظام السياسي الأمريكي والصيني في طريقة الحكم وللابتكار والتأثير الاقتصادي، ولكل منهما إمكانياته الفريدة في تشكيل المستقبل الاقتصادي.
وادي السيليكون، الذي يقع في سان فرانسيسكو الأمريكية، يُعتبر القلب النابض لصناعة التكنولوجيا العالمية منذ منتصف القرن العشرين. يعد مركزًا عالميًا للابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتكنولوجيا الحيوية، والمركبات ذاتية القيادة. هنا، ولدت شركات مثل Apple وGoogle وFacebook وTesla، التي غيرت طريقة تواصلنا، عملنا، وعيشنا التي تواصل دفع حدود الابتكار التقني وتشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء. وادي السيليكون يعتمد على نموذج قائم على التكنولوجيا الرقمية، حيث يتم تحسين المنتجات الحالية وابتكار تطبيقات جديدة تعتمد على البرمجيات والبيانات. تتواصل هذه المنطقة في ضخ التطورات التي تغير من شكل الاقتصاد العالمي وتجذب المواهب من جميع أنحاء العالم.
وادي السيليكون (Silicon Valley): محرك الابتكار والتكنولوجيا
مميزات وادي السيليكون:

  1. الريادة التكنولوجية:
  • الثورة الرقمية:يعد مركزًا عالميًا للابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتكنولوجيا الحيوية، والمركبات ذاتية القيادة وحول العالم إلى قرية صغيرة من خلال الإنترنت والشبكات الاجتماعية.
  • الابتكار السريع: يضم شركات عملاقة مثل Google وApple وMeta وTesla، والتي تسيطر على أسواق عالمية مع تقديم منتجات جديدة بسرعة قياسية، مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.
  • اقتصاد المنصات: إنشاء نماذج أعمال جديدة تعتمد على المنصات الرقمية، مثل Uber وAirbnb.
  1. البنية التحتية والاستثمار:
  • وجود نظام بيئي متطور للشركات الناشئة والمؤسسات البحثية يدعم نمو الشركات وتسريع وتيرة الابتكار.
  • يتمتع بوصول قوي لرأس المال الاستثماري، مما يدعم الشركات الناشئة ويسرع نموها.
  • يعتمد على شبكة واسعة من الخبراء والمهندسين والعلماء.
  1. التحديات:
    التحديات التنظيمية(Regulatory Challenges):الاحتكار: سيطرة عدد قليل من الشركات على السوق الرقمي والمنافسة الشديدة من مراكز تكنولوجية أخرى حول العالم. القوانين الجديدة التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي و اختلاف القوانين بين الدول والمناطق الأخري.
  • التحديات الأخلاقية (Ethical Challenges):الخصوصية: انتهاكات متكررة لخصوصية المستخدمين و القوانين الصارمة المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات قد تعيق جمع البيانات الضخمة اللازمة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
  • الاستدامة: الاعتماد الكبير على التمويل الخاص يجعل الشركات عرضة لتقلبات السوق والاستثمارات. فالتركيز كبير على الربح السريع على حساب الحلول طويلة الأمد والقضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم المساواة والأمان الوظيفي، والتفاوت الاقتصادي، مما يتطلب من الحكومات وضع سياسات وتنظيمات جديد.
    مميزات ديب سيك:
  1. التركيز على الذكاء الاصطناعي:
  • يركز ديب سيك على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في هذا المجال.
  • قد يتميز بابتكارات متخصصة في مجالات مثل التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية.
  1. المرونة والتركيز:
  • كونه كيانًا جديدًا أو متخصصًا، قد يتمتع بمرونة أكبر في التكيف مع التغيرات التكنولوجية.
  • يمكن أن يستفيد من تجارب وادي السيليكون ويتجنب أخطاءه.
  1. التحديات:
  • الخصوصية: مثال علي ذالك، أطلقت الهيئة التنظيمية الإيطالية الخميس31 يناير 2025 تحقيقا يتمحور على روبوت المحادثة الخاص بـ«ديب سيك»، والذي حظرته من معالجة بيانات المستخدمين الإيطاليين.
  • كذالك من الغريب أن أعلنت الهيئة التنظيمية الكورية الجنوبية المسؤولة عن حماية البيانات الشخصية الجمعة 31 يناير 2025، أنها تريد طلب توضيحات من شركة «ديب سيك» في شأن طريقة معالجتها المعلومات المقدمة من المستخدمين.
  • قد يفتقر إلى البنية التحتية الواسعة والشبكات العالمية التي يتمتع بها وادي السيليكون.
  • العوائق الثقافية واللغوية قد تصعب من اندماج الصين في المجتمع العلمي الدولي.
  • لتعزيز مكانته، ديب سيك قد يصبح منافسًا قويًا إذا تمكن من تطوير تقنيات مبتكرة وجذب الاستثمارات والمواهب العالمية.

الخلاصة:
إلى أين يتجه العالم وملامح الهيمنة المستقبلية ؟

  • التعاون: قد يكون المستقبل في التعاون بين المراكز التكنولوجية بدلًا من الصراع.
  • التخصص: قد يتخصص كل مركز في مجالات معينة، مما يعزز التكامل العالمي.
  • الابتكار المفتوح: قد تصبح الهيمنة للجهات التي تتبنى الابتكار المفتوح والتعاون الدولي.
    في النهاية، وبينما يستمر هذا الصراع والمنافسة، قد لا تكون المعركة بين وادي السيليكون وديب إسكيب صراعًا بقدر ما هي فرصة للتعاون. وادي السيليكون يمتلك الخبرة في تسويق التكنولوجيا وتحويلها إلى منتجات ناجحة. وسيظل القوة المهيمنة في المدى القريب بسبب تاريخه الطويل وموارده الهائلة. التطور العلمي والتكنولوجي الأميركي لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتاج عملية ضخمة ومعقدة تساهم فيها شبكات عديدة من الوكالات المتخصصة والأجهزة التشريعية والتنفيذية والفيديرالية وهيئات العلماء والجامعات والأفراد. عادة، تتحول الاقتصادات بفعل قوى ضخمة مثل صعود الذكاء الاصطناعي، والتجزئة الجيوسياسية، وشيخوخة المجتمعات. نرى الآن اتجاهات اقتصادية طويلة الأمد يُعاد تشكيلها بسبب هذه القوى. يمثل الصراع بين OpenAI و DeepSeek أكثر من مجرد منافسة بين شركتين. إنه يعكس التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، ويضع الأساس لمستقبل مشرق يعتمد على التكنولوجيا والابتكار. هذا الصراع قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في الهياكل الاقتصادية العالمية.
    السؤال المفتوح: من سيكون الرائد في السيطرة الاقتصادية العالمية؟
    لفهم من سيحقق السيطرة الاقتصادية، فالمستقبل فقط سيكشف عن الإجابة. يجب النظر في كيفية استجابة كل شركة لهذه التحديات واستغلال الفرص المتاحة. هذه المنافسة والجمع بين قوة الاثنين والمنافسة بينهما ستدفع الابتكار إلى مستويات جديدة مما يؤدي إلى تحولات كبرى وسيشكل مستقبل التكنولوجيا والاقتصاد العالمي. الأهم هو أن هذه المنافسة قد تؤدي إلى تطوير حلول وتقنيات تعود بالفائدة والنفع على البشرية جمعاء. ولن يوجد فائز واحد، بل ستستمر المنافسة بين وادي السيليكون وديب سيك في تشكيل ملامح الهيمنة الاقتصادية المستقبلية، مع احتمال ظهور قوى جديدة من مناطق أخرى مثل أوروبا أو الهند. في النهاية، الفائز الحقيقي سيكون من يستطيع التكيف مع التغيرات السريعة وقيادة التحولات التكنولوجية مع تحقيق تأثير اقتصادي واجتماعي إيجابي.

عدنان البدر.
باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.
ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى