ماذا لو استثمرت الكويت في الذكاء الاصطناعي كما استثمرت في النفط؟!

• الذكاء الاصطناعي هو سلاح الكويت الذهبي لإنقاذ اقتصاد ما بعد النفط.
• على الكويت أن تُسرع بتبني توصيات القمة العالمية في باريس، عبر استراتيجية واضحة تجمع بين الاستثمار في البشر والتكنولوجيا.
• الذكاء الصناعي يعتبر رافدًا أساسيًا لتنويع الاقتصادات، خاصةً في الدول النفطية مثل الكويت التي تسعى لخفض الاعتماد على النفط.
• 13 تريليون دولار.. مكاسب القمة العالمية للذكاء الاصطناعي تُعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي.
• مشروع قانون «تمكين التجارة الرقمية» يهدف لتطوير بيئة تشريعية تمكينية لقطاع التجارة الرقمية.
• إدراج موضوع الذكاء الاصطناعي ضمن مواضيع الجزء الثاني من الكتاب المطور للحاسوب للصف العاشر الثانوي.
القمة العالمية للذكاء الاصطناعي: محفّـل دولي لصياغة مستقبل الاقتصاد الرقمي
في عالمٍ يتسارع نحو التحوُّل الرقمي، أصبح الذكاء الاصطناعيArtificial Intelligence (AI) محورًا استراتيجيًا لإعادة تشكيل اقتصادات الدول ودفع عجلة الابتكار. القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي انعقدت في9 فبراير 2025 في قصر «غراند باليه» في العاصمة الفرنسية باريس والتي وصفت بالأكبرعالمياً بشأن عمل الذكاء الاصطناعي، تعد منصةً حيوية لتبادل المعرفة وبناء تحالفات دولية تُعزِّز تبني هذه التكنولوجيا الواعدة. فبمشاركة ممثل سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، وزير الدولة لشؤون الاتصالات عمر العمر، من بين قرابة 100 رئيس دولة وحكومة، و1000 جهة فاعلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص وخبراء تقنيين واقتصاديين، فكانت فرصة لإقامة حوار مع عدد كبير من الدول حول الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الولايات المتحدة، والصين، والدول الناشئة، والعديد من الشركاء من جميع القارات.
وقد ترأست فرنسا القمة بشكل مشترك مع الهند التي تشارك بشكل كامل في تحضيرها كعضو في اللجنة التوجيهية، و5 مجموعات عمل، إضافة إلى ترؤسها مجموعة عمل دولية حول الحوكمة الدولية للذكاء الاصطناعي. سلطت القمة الضوء على ابتكارات الذكاء الاصطناعي وتطويرها في فرنسا وأوروبا وغيرها من البلدان المشاركة. وكان هدف القمة إلى فتح الوصول إلى الذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق للجميع، لتقليص الفجوة الرقمية، وتعزيز مبادرة واسعة للذكاء الاصطناعي.
أهمية القمة: لماذا يُهمّنا الذكاء الاصطناعي؟
1- محرّك للنمو الاقتصادي:
تشير تقديرات “شركة ماكينزي” إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يُضيف 13 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030. وهو ما يجعله رافدًا أساسيًا لتنويع الاقتصادات، خاصةً في الدول النفطية مثل الكويت التي تسعى لخفض الاعتماد على النفط.
2- تعزيز الكفاءة:
يُحسّن الذكاء الاصطناعي الإنتاجية في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، عبر تحليل البيانات الضخمة وتوقُّع الأعطال وتخصيص الموارد.
3- التنافسية العالمية:
الدول التي تستثمر مبكرًا في البنى التحتية الرقمية وتشريعات الذكاء الاصطناعي ستكون في صدارة السباق التكنولوجي، بينما قد تتخلّف تلك التي تتجاهل هذه الثورة.
ما أبرز مخرجات هذه القمة؟ ماذا تم الاتفاق عليه؟
*إطار أخلاقي دولي:
أقرّت القمة مبادئ لضمان استخدام “مسؤول” للذكاء الاصطناعي، مثل الشفافية، واحترام الخصوصية، وتجنّب التحيز الخوارزمي، وهو ما يُقلق الدول النامية التي قد تصبح سوقًا لتكنولوجيا لم تشارك في تصميمها.
*شراكات استثمارية:
أعلنت كبرى الشركات التكنولوجية (مثل “مايكروسوفت” و”غوغل”) عن استثمارات بمليارات الدولارات في مشاريع بحثية مشتركة مع دول المشاركة، خاصةً في مجالات الذكاء الاصطناعي الطبي والزراعي.
*مبادرة “القدرات الرقمية”:
تهدف إلى تدريب مليون شاب حول العالم على مهارات الذكاء الاصطناعي بحلول 2025، بدعم من منظمات دولية مثل اليونيسكو.
توصيات القمة: طريقٌ نحو التحوُّل الذكي
1- تطوير سياسات وطنية مرنة:
حثّت القمة الحكومات على تبني استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، مع تحديث التشريعات لمواكبة التحديات الأمنية والأخلاقية.
2- الاستثمار في البنية التحتية:
بناء مراكز بيانات فائقة السرعة (هايبرسكيل) وشبكات اتصالات الجيل الخامس، وهي أساسية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
3- تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص:
لتمويل المشاريع التجريبية وتسهيل نقل التكنولوجيا.
الكويت في مواجهة الفرص والتحديات
يمكن للكويت أن تستفيد من مخرجات القمة عبر:
-تحويل قطاع الطاقة:
استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة استخراج النفط، وتوقُّع أسعار الأسواق العالمية، وتطوير حلول الطاقة المتجددة. والتعاون مع النخبة من الخبراء في صناعة النفط والغاز مثل الشركات العالمية الكبرى الرائدة في تقديم خدمات مختلفة للقطاع النفطي، مثل شركة «شل»، و«بيكر هيوز»، و«أس أل بي»، و«وذرفورد» و«هاليبرتون» وشركة شلمبرجير. حيث لديهم الخبرة الفائقة في استعراض واستغلال البيانات الضخمة في الحقول النفطية الرقمية مستقبلاً لتعظيم القيمة، وانتهاج مقاربة متكاملة لاستغلال البيانات الضخمة في حفر الآبار، وتحسين الإنتاج المستمر باستخدام البيانات الضخمة، والحلول الرقمية من أجل تنفيذ عمليات أكثر ذكاء. وهذا مهم جدا لشركة نفط الكويت التي تعتبر واحدة من أهم شركات الطاقة على المستوى العالمي، وشراكتها التعاونية مع تلك الشركات للسعى لتلبية احتياجات ورؤى (نفط الكويت)، خصوصاً أن هذه العلاقة التعاونية نمت بشكل كبير لأكثر من 30 عاماً مع مواصلة كسب الثقة المتبادلة من خلال تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة في الحاضر وفي المستقبل.
– الرعاية الصحية الذكية:
تطوير أنظمة تشخيص مدعومة بالذكاء الاصطناعي، خاصةً في ظل تزايد الأمراض المزمنة. وفي الكويت، فقد تم تفعيل الخدمات الصحية الإلكترونية من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، ومن خلال موقع وزارة الصحة، مثل خدمة الاطلاع على نتائج التحاليل المخبرية والإجازات المرضية، وخدمة التقارير الطبية، وتقرير خروج المريض من المستشفى، والحصول على تقارير الأشعة، كما يمكن للمريض الاطلاع على الوصفة الطبية الإلكترونية لآخر زيارة للمنشأة الصحية، والاطلاع على الأدوية المصروفة له، وذلك من خلال تطبيق سهل وكويت صحة.
-بناء “المواطن الرقمي”:
• إدراج مناهج تعليمية حول الذكاء الاصطناعي في الجامعات، وإطلاق حاضنات أعمال داعمة لرواد الأعمال في المجال التقني. وقد تم بالفعل ذالك في الكويت حيث أعلنت وزارة التربية عن إدراج موضوع الذكاء الاصطناعي ضمن مواضيع الجزء الثاني من الكتاب المطور للحاسوب للصف العاشر الثانوي. هذه الخطوة تهدف إلى تزويد طلاب وطالبات الصف العاشر الثانوي بالمعرفة والأدوات اللازمة لفهم هذا المجال الحيوي الذي يمثل مستقبل العالم وتعتبر جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز المناهج التعليمية وتقوية المهارات لدى الطلبة.
وعلي صعيد وزارة التجارة والصناعة، فقد أعدت المسودة النهائية لمشروع قانون «تمكين التجارة الرقمية»، وذلك بعد عملية تشاورية واسعة شملت آراء مجتمع الأعمال، بهدف تطوير بيئة تشريعية تمكينية لقطاع التجارة الرقمية.
حيث بلغ عدد الردود المصنفة على المسودة الأولى من مشروع قانون تمكين التجارة الرقمية 5,602 رداً مصنّفاً، فيما بلغ عدد التعليقات 749 تعليقاً، بمشاركة 285 فرداً وشركة وجهة حكومية، مسجلين نسبة رضا بلغت 82.2%، مقابل 14.6% ردود محايدة و3.2% غير راضين.
غير أن التحديات تظل قائمة، وأبرزها:
*نقص الكوادر المؤهلة.
*محدودية البنية التحتية السحابية.
*الحاجة إلى تشريعات واضحة لتنظيم استخدام البيانات.
الدول المشاركة: ما الفرص التي تخلقها للكويت والدول المشاركة؟
دروس مُستفادة
*دول نامية (مثل رواندا):
ركّزت على استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة الذكية لزيادة الإنتاجية، وهو نموذج يمكن للكويت الاستفادة منه في تعزيز الأمن الغذائي.
*دول متقدمة (مثل سنغافورة):
عرضت تجربتها في تحويل الحكومة إلى منصة رقمية متكاملة، مما وفّر أكثر من 3 مليارات دولار سنويًا عبر خفض الروتين الحكومي.
لماذا رفض “أوبن آيه آي” عرضاً بقيمة 97.4 مليار دولار من كونسورتيوم بقيادة الملياردير إيلون ماسك؟!
أولاً، من المهم فهم أن رفض عرض بقيمة 97.4 مليار دولار ليس قراراً سهلاً، لكن هناك عدة أسباب منطقية:
1- التقييم المستقبلي:
* Open AI تعتقد أن قيمتها المستقبلية ستكون أعلى بكثيرحيث تمتلك تقنيات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تغير مستقبل الصناعة و حجم السوق المحتمل للذكاء الاصطناعي يقدر بتريليونات الدولارات.
2- الاستقلالية والرؤية:
*الشركة تريد الحفاظ على استقلاليتها في اتخاذ القرارات ولديها رؤية محددة لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومسؤول و قد تتعارض رؤية ماسك مع توجهات الشركة الحالية.
3- الشراكات الحالية:
* لدى OpenAI شراكة استراتيجية مع Microsoft وهذه الشراكة قد تكون أكثر قيمة على المدى الطويل من عرض الاستحواذ.
4- ثقافة الشركة:
*Open AI تأسست كمنظمة غير ربحية قبل تحولها لشركة ربحية و تريد أن تستمر في الحفاظ على توازن بين الأهداف التجارية والمسؤولية المجتمعية وبالتاكيد قد يؤثر الاستحواذ على هذا التوازن.
بناءً على هذه العوامل، يمكن القول أن قرار الرفض استراتيجي ويهدف للحفاظ على قيمة الشركة واستقلاليتها على المدى الطويل وعلينا أن نراقب كيف ستتطور OpenAI في السنوات القادمة لنرى إن كان هذا القرار صائباً من الناحية المالية والاستراتيجية.
تأثير هذا القرار على مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي
1- تأثير على المنافسة:
* سيؤدي هذا القرار إلى زيادة المنافسة بين الشركات الكبرى وقد يدفع ماسك لتطوير تقنيات ذكاء اصطناعي منافسة من خلال شركاته الخاصة وقد نرى موجة جديدة من الاستثمارات في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة.
2- نموذج التطوير:
* سيعزز قرار Open AI نموذج التطوير التعاوني مع الشركات الكبرى وسنرى المزيد من الشراكات الاستراتيجية بدلاً من الاستحواذات وهذا سيؤثر على كيفية تمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي مستقبلاً.
3- التأثير على السوق:
* ارتفاع محتمل في تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي لزيادة الاهتمام بالشركات التي تتبنى نموذجاً مشابهاً لـ OpenAI وتغير في استراتيجيات الاستثمار في قطاع التكنولوجيا.
4- التطور التقني:
*تسارع في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتركيز أكبر سيكون على الأمان والمسؤولية في تطوير الذكاء الاصطناعي واحتمال ظهور معايير جديدة للصناعة.
5- الأثر على المستهلكين:
*تنوع أكبر في خدمات الذكاء الاصطناعي المتاحة ومنافسة قد تؤدي لانخفاض الأسعار وتحسن في جودة المنتجات والخدمات.
باختصار:
• الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية… بل ضرورة هو الفرصة الأخيرة للدول النفطية لإنقاذ اقتصاداتها من تأثيرات انخفاض الطلب على النفط. لم تعد المنافسة في القرن الحادي والعشرين تدور حول امتلاك الموارد الطبيعية، بل حول القدرة على توظيف التكنولوجيا لتحويل هذه الموارد إلى قيمة مضافة. وعلى الكويت أن تُسرع بتبني توصيات القمة العالمية، عبر استراتيجية واضحة تجمع بين الاستثمار في البشر والتكنولوجيا، مما سيسهم في تعزيز مكانة الكويت كمركز مالي وتجاري إقليمي وبما يدعم التحول الرقمي وفق تحقيق رؤية الكويت 2035 «كويت جديدة».

عدنان البدر.
باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.
ckbafa@gmail.com