مقالات

الفيدرالي الأمريكي بين الترقب ومخاطر التضخم: سياسة نقدية تحت الاختبار

وسط حالة من الترقب وعدم اليقين، أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماعه في 20 مارس 2025، لكنه أشار إلى احتمال خفضها مرتين خلال العام. ويأتي هذا القرار في ظل استمرار التحديات الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع التضخم إلى 3.2%، تذبذب النمو عند 2.1%، وتأثيرات التعريفات الجمركية على الأسواق، التي بلغت قيمتها 60 مليار دولار سنويًا.
التغيرات في التوقعات الاقتصادية: الفيدرالي بين مخاطر التضخم والتباطؤ
أظهر ملخص التوقعات الاقتصادية (SEP) للفيدرالي تحولات واضحة في تقييم المخاطر الاقتصادية، حيث:

*ارتفع عدد المسؤولين الذين يرون مخاطر هبوطية للنمو من 5 في ديسمبر 2024 إلى 18 في مارس 2025.

*زاد عدد من يتوقعون ارتفاع البطالة من 8 إلى 16، مع توقع وصول معدل البطالة إلى 4.5% بنهاية 2025.

*ارتفع عدد من يتوقعون زيادة التضخم الأساسي من 15 إلى 18، مع توقعات بوصول معدل التضخم الأساسي إلى 3.4% بنهاية العام.

هذه المؤشرات تعكس حالة من الحذر، حيث يحاول الفيدرالي موازنة تأثير ارتفاع التكاليف من جهة، مع الحفاظ على استقرار النمو من جهة أخرى. ورغم عدم تأكيد حدوث ركود تضخمي، فإن البيانات الحالية تفرض تحديات جدية على صناع السياسة النقدية.


معضلة خفض الفائدة: بين دعم النمو وكبح التضخم


رغم دعوات بعض الأطراف إلى خفض الفائدة لدعم النمو، يواجه الفيدرالي معضلة معقدة:

*خفض الفائدة قد يعزز النمو الاقتصادي، لكنه قد يزيد من الضغوط التضخمية، خاصة أن الفيدرالي قام برفع توقعاته للتضخم لعام 2025 من 2.8% إلى 3.2%.

*استمرار التشديد النقدي قد يحافظ على استقرار الأسعار، لكنه قد يؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع البطالة.

ويأتي هذا الجدل في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لفرض تعريفات جمركية جديدة بقيمة 30 مليار دولار إضافية على بعض الشركاء التجاريين، مما قد يزيد من الضغوط على الأسعار وسلاسل التوريد.


التأثيرات المحتملة على الأسواق والاقتصاد


يركز الفيدرالي في قراراته على البيانات الاقتصادية الفعلية (“الهارد داتا”)، والتي لا تزال تعكس تماسك الاقتصاد الأمريكي، حيث:

* لا يزال معدل البطالة عند 4.1%، وهو أقل من توقعات الأسواق.

*يستمر النمو الاقتصادي بوتيرة معتدلة عند 2.1% للربع الأول من 2025.

*التضخم تحت السيطرة رغم بعض الضغوط المرتبطة بالتعريفات الجمركية.

لكن هناك مؤشرات تحذيرية:

*ضعف سوق الإسكان، حيث انخفضت مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 6.8% خلال الربع الأول.

*ارتفاع ديون المستهلكين، التي بلغت 17.5 تريليون دولار، مما قد يحد من الإنفاق.

*زيادة المخاوف من تباطؤ الطلب الكلي نتيجة ارتفاع الأسعار.

هذه العوامل تجعل الأسواق في حالة من الترقب، حيث يؤدي عدم وضوح السياسة النقدية إلى زيادة التقلبات في سوق الأسهم، مع تسجيل مؤشر S&P 500 انخفاضًا بنسبة 4.2% خلال مارس.


السيناريوهات المحتملة خلال 2025

استنادًا إلى المعطيات الحالية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الفيدرالي خلال العام المقبل:

1-البقاء على وضع الترقب (السيناريو المرجح حاليًا – 60% احتمال)

    *إذا استمر الأداء الاقتصادي في التحسن، فقد يواصل الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة حتى تتضح الصورة الاقتصادية بشكل أكبر.

    2-خفض الفائدة (سيناريو مدعوم بضغوط النمو – 30% احتمال)

      *في حال ظهور مؤشرات ضعف قوية في سوق العمل أو انخفاض حاد في التضخم، قد يبدأ الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة تدريجيًا لدعم الاقتصاد، مع توقعات بخفض 25 نقطة أساس بحلول الربع الثالث.

      3-رفع الفائدة (سيناريو ضعيف لكنه محتمل – 10% احتمال)

        *إذا استمر التضخم في الارتفاع بسبب اضطرابات سلاسل التوريد أو زيادة التكاليف نتيجة التعريفات الجمركية، فقد يضطر الفيدرالي إلى رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، رغم المخاطر التي قد تنجم عن ذلك.


        استقلالية الفيدرالي أمام التحديات السياسية


        أثارت دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خفض الفائدة تساؤلات حول مدى استقلالية البنك المركزي. وفي منشور على Truth Social، صرّح بأن الاحتياطي الفيدرالي سيكون في وضع أفضل لو خفّض أسعار الفائدة، خاصة مع بدء تأثير التعريفات الجمركية في الاقتصاد. ورغم ذلك، أكد رئيس الفيدرالي جيروم باول أن قرارات البنك المركزي تستند إلى البيانات الاقتصادية وليس الضغوط السياسية.


        خاتمة


        يبقى الاحتياطي الفيدرالي في موقف دقيق بين الترقب والضغوط الاقتصادية. ومع استمرار تأثير التعريفات الجمركية وتزايد المطالبات بتخفيف السياسة النقدية، قد يضطر الفيدرالي إلى إعادة تقييم قراراته لاحقًا. وفي ظل عدم وضوح الاتجاه المستقبلي للأسواق، ستظل متابعة بيانات التضخم، سوق العمل، وتطورات السياسات التجارية الأمريكية هي العوامل الحاسمة في تحديد المسار القادم للفيدرالي.

        مقالات ذات صلة

        اترك تعليقاً

        لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

        زر الذهاب إلى الأعلى