القيم الأخلاقية بالعلاقات العامة ونمو المؤسسات

الكاتب: عبدالله عنايت
W7Worldwide للاستشارات الإستراتيجية والإعلامية
في خضم التحولات الرقمية، وعصر السرعة الذي نعيشه، حيث تتسارع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تبرز أهمية القيم في صناعة العلاقات العامة، وأن يلتزم متخصصو العلاقات العامة بأخلاقيات المهنة، لحماية مصالح الجمهور والعملاء، وضمان نجاح طويل المدى للمؤسسات، فهم يشاركون المعلومات مع الجمهور، ويديرون صورة العلامة التجارية لعملائهم.
ومهنة العلاقات العامة كغيرها من المهن الأخرى يحكمها إطار أخلاقي، وتتعاظم أهمية الدور الأخلاقي لأن المؤسسات لا تركز فقط على الربح المادي، بل لأنها تضع حماية البيئة وحقوق الإنسان في صميم عملها، بهدف ترك أثر مستدام في حياة الناس وفي بيئتها، وهنا تصبح العلاقات العامة أداة لصياغة علاقة المؤسسة بالجمهور على معايير أخلاقية تقوم على الشفافية والصدق والثقة والاحترام المتبادل.
ونتيجة لتنامي وعي الجمهور بقضايا مجتمعه، وأهمية أن تقوم المؤسسات بدور حقيقي تجاه هذه القضايا، نشأ مفهوم العلاقات العامة القائمة على القيم، الذي يُعد أحد أبرز توجهات الاتصال المؤسسي الحديث، لأنه يعكس المسؤولية الاجتماعية وقيم المؤسسات ودورها تجاه القضايا المجتمعية مثل تغيّر المناخ، والتنمية المستدامة، وغيرها، ما يجعل تبني تلك القضايا والقيم وتطبيقها ضرورة.
ومع التغير الحاصل، أصبحت المسؤولية الاجتماعية تحتل مكانة مهمة، ويجب أن تعمل العلاقات العامة على تحقيق المصلحة العامة والمساهمة في تطوير المجتمع، ونتيجة لذلك تطور مفهوم القيم والأخلاقيات المهنية، وباتت الشركات والمؤسسات بكافة مستوياتها تهتم بإصدار مدونات أخلاقية تكون موجهًا لصناع القرارات بكافة المستويات التنظيمية.
وبسبب تنامي وعي واهتمام الجمهور بالقضايا المجتمعية، فإنه لم يعد ينخدع بالشعارات البراقة، والحملات الإعلانية، بل يحتاج إلى أن يرى قيم وأخلاقيات المؤسسة في رسائلها وجوانب عملها من الإدارة العليا، والموظفين، وتصميم المنتجات، والتفاعل مع الجمهور، والقرارات التي تتخذها، ما يجعل العلاقات العامة القائمة على القيم أداة جوهرية لسرد قصص حقيقية وأصيلة تعبّر عن التزام المؤسسات بقيمها المُعلنة.
وهنا تأتي أهمية العمل مع وكالات علاقات عامة تقوم على القيم، حيث يعمل متخصصوها على توثيق قيم العلامة التجارية في إطار رؤيتها ورسالتها، ومواءمة تلك القيم مع المبادرات الفعلية، والرسائل القيمية في جميع مراحل الاتصال، وتعزيزها من خلال شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني.
إن بناء علامة تجارية قائمة على القيم، يتطلب في البداية تحديد القيم الأساسية بدقة، لأنها تُشكّل هوية العلامة، وتؤثر في قراراتها وتفاعلها مع المجتمع وأصحاب المصلحة، ثم ممارسة تلك القيم في داخل المؤسسة ومع جميع الموظفين.
كما من المهم دمج القيم في الحملات الإعلانية والمبادرات المجتمعية للمؤسسة، وانعكاسها في الممارسات اليومية، فالجمهور يبحث عن الأفعال لا الشعارات، ويفضل التفاعل والمشاركة، فالمصداقية والأفعال تصنعان الثقة، وتؤسسان لولاء طويل الأمد.
إن دور وأهمية العلاقات العامة يختلف من مجتمع إلى آخر، بسبب اختلاف ثقافات المجتمعات والقيم الأخلاقية المعمول بها، وقد خطت العلاقات العامة بالسعودية خطوات كبيرة في إطار الالتزام بالقيم والمعايير الأخلاقية، وأرست نهجًا يقوم على القيم للعديد من العلامات التجارية، عبر إطلاق مبادرات وبرامج تعكس وجهها نحو قضايا عدة، مثل تغيّر المناخ، وحماية البيئة، والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة، والمشاركة المجتمعية، والاهتمام بالتعليم، والصحة، والثقافة، والبنية التحتية، ونشر ثقافة أنماط الحياة الصحية، وغيرها.
وختامًا، لم تعد العلاقات العامة القائمة على القيم رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة، خصوصًا مع تزايد اهتمام الجمهور بقضايا المجتمع، وضرورة تبني العلامات التجارية المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمعات التي تعمل فيها، فتبني السلوك الأخلاقي في العلاقات العامة يُعزز بناء علاقات إيجابية مع العملاء ووسائل الإعلام وأصحاب المصلحة، ويبني الثقة والمصداقية لدى الجمهور بعلامته التجارية.