مقالات

العمل الحر… عبودية أيضًا!

بقلم المهندس مشعل الملحم

أكاد أظن أن الوظائف هي عبودية العصر الحديث، نوعٌ حديث من الرقّ البشري، يتخفّى تحت لافتة “الاستقرار”، ويتم فيه مساومة الإنسان على حاجاته الأساسية، نظير عمره وأوقاته. لكنني على يقين أعمق أن الهروب من الوظيفة إلى العمل الحر، لن يكفل الحرية، بل قد يكون انتقالًا من زنزانة إلى زنزانة، ومن عبوديةٍ جماعية إلى رقٍّ فردي. فكلا الطريقين يمران عبر بوابة الحاجات والرغبات، والإنسان في الحالتين عبدٌ لما يريد، لا لما يملك. إننا نخلط كثيرًا بين الحرية والاختيار، بينما قد يكون ما نظنه “اختيارًا” ليس إلا قفصًا بلون مختلف. فكم من “حر” يعمل حُرًّا، لكنه غارقٌ في الخوف، مشلولٌ بهاجس الخسارة، مرتهنٌ لرغيف الغد! يا سيدي لا يوجد عمل حر، بل أنت مكبل باحتياجاتك.

وأذكر أنني حين تحررت من الوظيفة الحكومية في بداياتي، لم أسع إلى أفكّ رقبتي منها طمعًا في مال، أو لهثًا خلف أُسطورة الثراء، بل لأني خفتُ على عقلي من التآكل، وعلى روحي من التآلف مع القبح. خرجتُ لا لأربح، بل لأهرب من الخسارة الحقيقية، أن أكون نسخة باهتة من ذاتي. خرجتُ هربًا من منظومةٍ تكافئ المنافق، وتُقصي المبدع، وتكتم الحالم. هربتُ من مكانٍ صار فيه الصعود لا يحتاج عقلًا، بل وجوهًا متعددة، ولسانًا مزدوجًا. فررتُ خشية أن يتسرّب السكون إلى قلبي، فيُقنعني أن الركود أمان. إن الإنسان حين يخسر قدرته على الحلم، لا يبقى فيه شيء يستحق الحياة.

الخاتمة:

أقرّ بأن العمل الحر مجازفة جسيمة على الأموال، إلا أن الوظيفة مخاطرة وخيمة على العقل، وعلى الإنسان أن يقرر: أيهما أثمن لديه؟ المال أم العقل؟

***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى