مقالات

حرب تجارية جديدة: كيف تهدد الرسوم الأمريكية على السيارات الأوروبية الاقتصاد العالمي؟

تشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا توترًا غير مسبوق مع تصاعد الحرب التجارية وفرض واشنطن رسومًا جمركية ضخمة على السيارات الأوروبية.

بدأت الشركات الأوروبية تصنيع السيارات في الولايات المتحدة منذ أواخر القرن العشرين كجزء من استراتيجياتها للاندماج في السوق الأمريكية الكبيرة والاستفادة من تكاليف العمالة واللوائح المحلية.

تُقدر قيمة السيارات الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة في عام 2024 بحوالي 45.57 مليار دولار.

المصالح الاقتصادية المشتركة بين أمريكا وأوروبا أعمق من أن تُختزل في صراع رسوم جمركية.

مع اقتراب الموعد النهائي في أغسطس، تبدو الخيارات محدودة: إما التوصل لاتفاق يجنّب الجميع الخسائر، أو الدخول في دوامة من التصعيد.

السيارات المجمعة في أمريكا تعتمد على قطع غيار أوروبية وآسيوية تمر عبر الحدود عدة مرات قبل التجميع النهائي.

قد تلجأ الشركات لنقل الإنتاج إلى المكسيك أو آسيا أو حتى العودة لأوروبا، ما يغير خريطة التجارة العالمية ويضر بالموانئ الأمريكية والأوروبية.

تمثل التعريفات الأمريكية على السيارات الأوروبية نقطة تحول خطيرة في التجارة العالمية.

حرب الرسوم الجمركية بين أمريكا وأوروبا يعتبر تهديد حقيقي لسلاسل الإمداد العالمية، واستقرار الوظائف، ونمو الاقتصاد العالمي، والإنقاذ يتطلب حلولاً سياسية واقتصادية عاجلة.

يقود ترامب هذه السياسة الحمائية كجزء من استراتيجية “أمريكا أولاً”، مع دعم من الكونغرس والصناعات المحلية التي تدفع لتقليل المنافسة الأجنبية.

استمرار التصعيد قد يدفع أمريكا للانسحاب من اتفاقيات التجارة الحرة، ويهدد النظام التجاري القائم على القواعد .

تقديرات أولية تشير إلى إمكانية فقدان أكثر من 100,000 وظيفة في أمريكا وأوروبا مجتمعين خلال عام واحد.

 

حرب الرسوم الجمركية الأمريكية على صناعة السيارات الأوروبية:الأبعاد الاقتصادية والتهديدات العالمية

في الآونة الأخيرة، أثارت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على السيارات والقطع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً على العلامات التجارية الكبرى مثل بي إم دبليو، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والتجارية. مع اقتراب المهلة المحددة في أغسطس 2025 لتطبيق هذه الرسوم بشكل كامل، تبرز مخاوف حول تأثيرها الاقتصادي الهائل على صناعة السيارات الأوروبية، وفقدان الوظائف، والتجارة العالمية، وسلسلة التوريد. في هذا التقرير، نستعرض التفاصيل الأحدث حول هذه القضية، بما في ذلك الأرقام المالية، خسائر الوظائف، الولايات الأمريكية المعنية، إنتاج السيارات الأوروبية في الولايات المتحدة وتصديرها، وتاريخ دخول المصانع الأوروبية إلى السوق الأمريكية. كما نناقش الأطراف الرئيسية المسيطرة على هذه القضية والمخاطر الاقتصادية الخطيرة المرتبطة بالالتزام بالمهلة الحالية.

خلفية تاريخية: متى بدأت أوروبا تصنيع السيارات في أمريكا؟

بدأت الشركات الأوروبية تصنيع السيارات في الولايات المتحدة منذ أواخر القرن العشرين كجزء من استراتيجياتها للاندماج في السوق الأمريكية الكبيرة والاستفادة من تكاليف العمالة واللوائح المحلية. حيث أطلقت فولكسفاغن أول مصنع أوروبي في الولايات المتحدة عام 1978 في ولاية بنسلفانيا، وشهدت بعدها استثمارات كبيرة من بي إم دبليو ومرسيدس في المناطق الجنوبية الأمريكية منذ التسعينيات.  تبعتها مرسيدس بنز بفتح مصنع في توسكالوسا، ألاباما، عام 1997. منذ ذلك الحين، توسعت هذه الشركات وأضافت علامات تجارية أخرى مثل فولكس فاغن (2008 في تشاتانوغا، تينيسي) وجاكوار لاند روفر، مما عزز الاستثمارات الأوروبية في الإنتاج المحلي الأمريكي.  وشهدت بعدها استثمارات كبيرة من بي إم دبليو ومرسيدس في المناطق الجنوبية الأمريكية منذ التسعينيات.  وأسست بي إم دبليو مصنعها الرئيسي في سبارتنبرغ، ولاية ساوث كارولاينا، عام 1994، وأصبح اليوم أكبر مصانع الشركة عالميًا، بدعم استثمارات تجاوزت 14.8 مليار دولار حتى عام 2024 2025.  فجائت مرسيدس وفولكسفاغن و أنشأت مصنعها في ألاباما عام 1997، بينما تمتلك فولكسفاغن مصنعًا رئيسيًا في تينيسي منذ عام 2011  .  منذ ذلك الحين، توسعت هذه الشركات وأضافت علامات تجارية أخرى مثل جاكوار لاند روفر، مما عزز الاستثمارات الأوروبية في الإنتاج المحلي الأمريكي.

تفاصيل الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة وتأثيرها المالي

في أبريل 2025، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات والشاحنات الخفيفة المستوردة من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رسوم إضافية على قطع الغيار الرئيسية مثل المحركات وناقلات الحركة. تُقدر قيمة السيارات الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة في عام 2024 بحوالي 45.57 مليار دولار، وفقاً لبيانات رابطة السيارات الأوروبية. مع تطبيق الرسوم الجديدة، قد ترتفع تكاليف الاستيراد بنسبة تصل إلى 11.39 مليار دولار سنوياً، مما يضع ضغطاً هائلاً على الشركات الأوروبية مثل بي إم دبليو ومرسيدس بنز. هذه الزيادة في التكاليف قد تؤدي إما إلى رفع أسعار السيارات في السوق الأمريكية، مما يقلل الطلب، أو استيعابها داخلياً، مما يؤثر سلباً على هامش الربح. زيادة سعر السيارة الأوروبية المستوردة للولايات المتحدة بين 3,000 و20,000 دولار، أي ارتفاع متوسط بنحو 8% على سعر السيارة النهائية للمستهلك الأمريكي.  وسيكون هناكتأثير مزدوج حيث الرسوم لا تطال السيارات فقط، بل تشمل أيضًا أكثر من 150 نوعًا من القطع والبطاريات، ما يرفع التكاليف على السيارات المجمعة في أمريكا نفسها.

الخطر الأكبر: تداعيات عالمية على التجارة وسلاسل الإمداد

خسائر الوظائف وتأثيرها الإقليمي

1- سلاسل الإمداد العالمية تحت التهديد

* تشابك الإنتاج: السيارات المجمعة في أمريكا تعتمد على قطع غيار أوروبية وآسيوية تمر عبر الحدود عدة مرات قبل التجميع النهائي .

* كل عبور للحدود يعني رسومًا إضافية، ما يرفع التكلفة ويهدد بوقف خطوط الإنتاج أو نقلها لدول أخرى.

2- تأثير على الشحن والتجارة العالمية

* ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين: زيادة الرسوم تعني ارتفاع أقساط التأمين على الشحنات، وتباطؤ حركة الصادرات والواردات.

* تغيير مسارات التجارة: قد تلجأ الشركات لنقل الإنتاج إلى المكسيك أو آسيا أو حتى العودة لأوروبا، ما يغير خريطة التجارة العالمية ويضر بالموانئ الأمريكية والأوروبية..

3- تهديد النظام التجاري العالمي

* ضربة لمنظمة التجارة العالمية: استمرار التصعيد قد يدفع أمريكا للانسحاب من اتفاقيات التجارة الحرة، ويهدد النظام التجاري القائم على القواعد.

* خطر العدوى: دول أخرى قد ترد بفرض رسوم مضادة، ما ينذر بحرب تجارية شاملة تؤثر على سلاسل الإمداد في الإلكترونيات، الكيماويات، والمنتجات الغذائية..

وتشير التوقعات إلى أن فرض الرسوم الجمركية قد يتسبب في فقدان آلاف الوظائف، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة التي تعتمد على صناعة السيارات الأوروبية:

في أوروبا: تم فقدان 56,000 وظيفة في صناعة السيارات منذ عام 2020، مع توقعات بزيادة في إنهاء العقود في ألمانيا والنمسا والمجر والسويد.

في الولايات المتحدة: يواجه أكثر من 20,000 عامل في مصانع بي إم دبليو ومرسيدس وفولكس فاغن في ساوث كارولاينا وألاباما وتينيسي خطر الإقالة المباشر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الوظائف في سلاسل التوريد المحلية.

الولايات المتضررة: ميشيغان، إنديانا، أوهايو (مركز صناعة السيارات) ، إلى جانب المنطقة الجنوبية الشرقية (ساوث كارولاينا، ألاباما، تينيسي).

في النمسا، كشفت دراسة أجرتها مؤسسة Wifo عن تراجع إنتاج قطاع السيارات بنسبة 2.29%، مما أدى إلى خسائر مالية تقدر بـ 616 مليون يورو وأثار تهديداً لحوالي 81,700 وظيفة مباشرة. في الولايات المتحدة، تركز المخاطر على ولايات مثل كارولاينا الجنوبية، التي تستضيف مصانع بي إم دبليو، وألاباما، حيث يقع مصنع مرسيدس بنز، حيث قد ينخفض عدد الوظائف المرتبطة بسلاسل التوريد مع تقلص الإنتاج. كذلك، أعربت غرفة الاقتصاد النمساوية عن قلقها من تداعيات خطيرة قد تطال القطاعات المرتبطة، مثل صناعة المعدات، التي شهدت خسارة 400 مليون يورو نتيجة تراجع الصادرات.

إنتاج السيارات الأوروبية في الولايات المتحدة وتصديرها

تُعد الولايات المتحدة مركزاً هاماً لإنتاج السيارات الأوروبية، حيث أنتجت الشركات الألمانية مثل بي إم دبليو ومرسيدس أكثر من 844,000 سيارة في عام 2024، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني. يتم تصدير حوالي نصف هذا الإنتاج عالمياً، مما يجعل الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في شبكة الإنتاج العالمية. مصنع بي إم دبليو في سبار tanبرغ، كارولاينا الجنوبية، ينتج ما يقارب 450,000 سيارة سنوياً، بينما يصدر حوالي 70% من إنتاجه إلى أسواق أخرى. هذا الاعتماد على الإنتاج المحلي يخفف بعض الضغط عن الرسوم الجمركية، لكنه لا يلغي التأثير على قطع الغيار المستوردة.

 الأطراف الرئيسية المسيطرة

تتعدد الأطراف التي تلعب دوراً حاسماً في التحكم بهذه القضية. في الولايات المتحدة، يقود الرئيس دونالد ترامب هذه السياسة الحمائية كجزء من استراتيجية “أمريكا أولاً”، مع دعم من الكونغرس والصناعات المحلية مثل جنرال موتورز وفورد، اللواتي تدفعان لتقليل المنافسة الأجنبية. في أوروبا، تقود المفوضية الأوروبية، بقيادة أورسولا فون دير لاين، المفاوضات للتخفيف من هذه الرسوم، بالتعاون مع شركات كبرى مثل بي إم دبليو وفولكس فاغن. كما تلعب الغرف التجارية، مثل غرفة الاقتصاد النمساوية، دوراً في الضغط للحلول الاستراتيجية. هذه الديناميكية تعكس صراعاً بين المصالح الوطنية والعالمية.

المخاطر الاقتصادية  لو تم تطبيق الرسوم في أغسطس2025؟

– خسائر فادحة: تقديرات أولية تشير إلى إمكانية فقدان أكثر من 100,000 وظيفة في أمريكا وأوروبا مجتمعين خلال عام واحد .

– تراجع الاستثمارات: الشركات الأوروبية قد تجمد أو تلغي خطط التوسع في أمريكا، ما يضر بالنمو المحلي في الولايات الصناعية .

– ارتفاع الأسعار: المستهلك الأمريكي سيواجه أسعار سيارات أعلى بنحو 8% في المتوسط، ما يضغط على الطلب ويهدد بتباطؤ قطاع السيارات الأمريكي نفسه.

– تراجع الصادرات الأمريكية: الاتحاد الأوروبي قد يرد برسوم على السيارات الأمريكية، ما يهدد صادرات شركات مثل فورد وجنرال موتورز لأوروبا.

إذا تم الالتزام بالمهلة في أغسطس 2025، قد تشهد التجارة العالمية اضطرابات خطيرة. سلسلة التوريد، التي تعتمد على استيراد مكونات من أوروبا، قد تواجه انقطاعات، مما يؤدي إلى تعطيل إنتاج 20,000 سيارة يومياً في الولايات المتحدة، وفقاً لتوقعات شركة كوكس أوتوموتيف. الشحن البحري قد يشهد ارتفاعاً في التكاليف بنسبة 30% بسبب إعادة توجيه المسارات، مما يؤثر على الأسعار العالمية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الرد الأوروبي بفرض رسوم مضادة إلى حرب تجارية، مما يهدد الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بانخفاض يصل إلى 0.33% على المدى الطويل، كما توقع معهد Wifo. هذه التداعيات قد تعزز الركود الاقتصادي العالمي، خاصة مع هشاشة الاعتماد على سلاسل التوريد العابرة للقارات.

تظل قضية الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات الأوروبية نقطة تحول اقتصادية كبرى. بينما تحاول الشركات مثل بي إم دبليو التكيف من خلال زيادة الاستثمار المحلي، فإن الضغوط المالية وخسائر الوظائف تشير إلى حاجة ماسة لمفاوضات دولية. الالتزام بالمهلة في أغسطس 2025 قد يؤدي إلى نتائج كارثية على التجارة العالمية، مما يستدعي من القادة الاقتصاديين إعادة تقييم السياسات الحمائية لتجنب الأضرار المتبادلة. في ظل هذه الظروف، يبقى المشهد غامضاً، لكن الوضوح في السياسات قد يكون الخطوة الأولى نحو استقرار السوق.

الخلاصة

تمثل التعريفات الأمريكية على السيارات الأوروبية نقطة تحول خطيرة في التجارة العالمية. التدابير تمثل تصعيداً كبيراً في حرب تجارية عالمية بدأت بالفعل. مع تأثير مالي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات وتهديد مئات الآلاف من الوظائف، تحتاج الأطراف المعنية إلى العمل بسرعة لإيجاد حلول دبلوماسية قبل أن تؤدي هذه السياسات إلى ضرر دائم بالاقتصاد العالمي.  إن عدم التوصل إلى حل قريب قد يؤدي إلى إعادة هيكلة جذرية لصناعة السيارات العالمية، مما يضع المستهلكين والعمال في مواجهة تكاليف باهظة وعواقب اقتصادية وخيمة قد تستمر لسنوات قادمة.  إن حرب الرسوم الجمركية بين أمريكا وأوروبا  يعتبرتهديد حقيقي لسلاسل الإمداد العالمية، واستقرار الوظائف، ونمو الاقتصاد العالمي. مع اقتراب الموعد النهائي في أغسطس، تبدو الخيارات محدودة: إما التوصل لاتفاق يجنّب الجميع الخسائر، أو الدخول في دوامة من التصعيد قد تعيد العالم إلى أجواء الكساد التجاري..

الرسالة الأهم:
المصالح الاقتصادية المشتركة بين أمريكا وأوروبا أعمق من أن تُختزل في صراع رسوم جمركية. إنقاذ سلاسل الإمداد العالمية وحماية الوظائف يتطلبان حلولاً سياسية واقتصادية عاجلة قبل فوات الأوان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى