مقالات

قمة البيت الأبيض وأوراق التفاوض الاقتصادية

بقلم – ليما راشد الملا

 

لم تكن القمة الأخيرة في واشنطن، التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين، مجرد لقاء سياسي لرسم ملامح “سلام هش” بين كييف وموسكو ، لكن خلف الكواليس، كان يكمن البعد الاقتصادي الذي يمثل الحاضر الأكبر، وكأنه الوجه الآخر للصراع الروسي–الأوكراني.

 

الاقتصاد ورقة التفاوض الكبرى

بينما شدّد الأوروبيون على أهمية وقف إطلاق النار، كان ترامب أكثر وضوحاً في رؤيته: “لا سلام مجاني من دون ثمن”. الثمن هنا ليس فقط أرضاً تتنازل عنها أوكرانيا، بل أيضاً التزامات اقتصادية وتجارية تضع واشنطن في موقع اللاعب الأكثر أهمية.

لقد قدّم الاتحاد الأوروبي تنازلات مسبقة عبر اتفاق تجاري “سخي” لواشنطن: رسوم جمركية أعلى على الصادرات الأوروبية مقابل عدم اتخاذ بروكسل أي خطوات انتقامية. هذا وحده يكشف أن لغة الاقتصاد هي التي تضبط إيقاع الدبلوماسية اليوم.

 

أوروبا بين الدفاع والإنفاق

الرسالة الأمريكية كانت واضحة: إذا أرادت أوروبا دوراً في مستقبل أوكرانيا، فعليها دفع فاتورة أعلى. لذلك رفع الأوروبيون ميزانيات الدفاع إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، في محاولة لشراء ثقة ترامب. وبذلك تحوّلت الحرب إلى محرّك لاقتصاديات الدفاع الأوروبية، حيث ستشهد شركات السلاح والمعدات العسكرية نمواً ضخماً مدعوماً بالإنفاق الحكومي.

 

أوكرانيا…اقتصاد على حافة الانهيار

زيلينسكي، الذي دخل القمة ببدلة رسمية أنيقة بدلاً من الزي العسكري، كان يعرف أن “الصورة” جزء من الرسالة. لكنه أيضاً كان يدرك أن بلاده لا يمكنها الاعتماد على المجاملات وحدها. الاقتصاد الأوكراني يحتاج إلى تدفق نقدي عاجل، سواء عبر مساعدات مباشرة أو استثمارات غربية طويلة الأمد. ولذلك، فإن أي ضمانات أمنية غامضة لن تكون كافية ما لم تُترجم إلى دعم مالي ضخم يوقف نزيف العملة ويعيد الثقة للمستثمرين.

 

أمريكا… التاجر قبل الوسيط

مقاربة ترامب، كما يراها الأوروبيون، لم تبتعد عن شخصيته كرجل أعمال ماهر قناص للفرص أكثر منها كسياسي. فهو يعرض “ضمانات أمنية” مشروطة، لكنه في المقابل يبيع السلاح ويزيد من نفوذ شركات الطاقة الأمريكية التي تملأ فراغ الغاز الروسي في السوق الأوروبية. الحرب هنا ليست فقط جيوسياسية، بل أيضاً فرصة ذهبية لإعادة رسم خريطة الطاقة والتجارة العالمية.

وفي المحصلة، لم تمنح قمة واشنطن إجابة واضحة عن موعد السلام، لكنها طرحت سؤالاً أعمق: من سيدفع فاتورة الحرب الاقتصادية، ومن سيحصد عوائدها؟

أوكرانيا لا يمكنها الصمود أكثر من ذلك من دون جيش متماسك واقتصاد قوي، وأوروبا تجد نفسها أمام التزام ثقيل بتمويل كليهما، بينما تواصل الولايات المتحدة اللعب على حبلين: وسيطٌ سياسي وتاجرٌ اقتصادي، لا يخرج من أي صفقة إلا وقد ضمن نصيبه من المكاسب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى