التحلي بالصبر عند هبوط سوق الأسهم

بقلم: المحلل الفني حمود عايد المحيني
الصبر عند هبوط سوق الأسهم يعني التحلي بالهدوء وعدم اتخاذ قرارات متسرعة. فالأسواق بطبيعتها تشهد تقلبات صعودًا وهبوطًا، وتاريخيًا تظهر مرونة وقدرة على التعافي، مما يؤكد أن الاستثمار طويل الأمد مع نظرة بعيدة المدى يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة على الرغم من الانخفاضات المؤقتة. الصبر يجنب المستثمر بيع أسهمه بخسارة ويساعد على الاستفادة من العائد المركب للأرباح على المدى الطويل.
أهمية الصبر في سوق الأسهم
تجنب القرارات العاطفية:
عند النزول، قد يشعر المستثمر بالتوتر والرغبة في البيع بخسارة، لكن الصبر يساعد على مقاومة هذه الدوافع ويجنب بيع الأسهم في وقت غير مناسب.
الاستفادة من التعافي:
تاريخيًا، أظهرت الأسواق قدرة على التعافي من التصحيحات، فالمستثمر الصبور الذي يحتفظ باستثماراته قد يحصد مكاسب كبيرة في فترات النمو اللاحقة.
تعزيز العائد المركب:
الصبر يتيح إعادة استثمار الأرباح وتوزيعات الأرباح، مما يزيد من قوة العائد المركب ويساهم في نمو رأس المال على المدى الطويل.
تقليل المخاطر:
يعزز الصبر الانضباط في الاستثمار ويقلل من المخاطر المرتبطة بالمضاربة والتقلبات قصيرة المدى.
كيفية ممارسة الصبر في سوق الأسهم
اعتماد استراتيجية طويلة الأجل:
شراء أسهم الشركات القوية التي لديها القدرة على النمو المستمر وتوزيع الأرباح، والاحتفاظ بها لعقود، يمنح وقتًا للسوق ليحقق نتائجه.
تجنب تحديد توقيت السوق:
بدلاً من محاولة معرفة متى سيرتفع السوق أو ينخفض، ركز على تجميع الأسهم بمرور الوقت، مما يقلل من تأثير تقلبات السوق قصيرة المدى.
تنويع المحفظة الاستثمارية:
توزيع الاستثمارات على أصول مختلفة يقلل من المخاطر ويساعد في الحفاظ على المحفظة في حال تدهور أداء قطاع معين.
التركيز على النمو بدلاً من التقلب:
بدلاً من محاولة تحقيق أرباح سريعة من التقلبات، ركز على زيادة قيمة السهم على المدى الطويل من خلال نمو الشركة.
أمثلة لمتداولين معروفين
وبالطبع فإن المستثمر الأشهر في هذا الإطار هو “بافيت” نفسه، ففي عام 1988، اشترى أسهمًا في شركة كوكاكولا بقيمة 1.3 مليار دولار. لم تكن الصفقة مغرية من حيث النمو السريع، لكنها كانت مبنية على أسس قوية: علامة تجارية عالمية، أرباح مستقرة، وتوزيعات أرباح منتظمة، بعد أكثر من 35 عامًا، تجاوزت قيمة هذا الاستثمار 25 مليار دولار، دون احتساب الأرباح الموزعة.
يلاحظ هنا أن “بافت” يواصل الاحتفاظ بأسهم “كوكاكولا” بينما بدأ التخلي عن أسهم “أبل” عندما رأى أن أساسيات الشركة من ولاء عملاء وذكاء اصطناعي وغيرها تواجه تحديات، أي أن منطق “الاحتفاظ للأبد” هو رغبة أكيدة ما لم تتغير الأسس التي تم اقتناء الأسهم بناء عليها.
أما “كريس سكايلز”، فهو موظف عادي في التسعينيات، استثمر مبلغًا صغيرًا لا يتجاوز 7 آلاف دولار في شركة أمازون في بداياتها، وعلى الرغم من بدايات الشركة العادية أو حتى المحبطة، احتفظ بأسهمه فيها، حتى رغم تقلبات السوق، بما في ذلك انفجار فقاعة الإنترنت في عام 2000، بعد أكثر من 20 عامًا، أصبحت استثماراته تساوي ملايين الدولارات.
ويعد “بيل أكمان” مدير صندوق التحوط “بيرشينج سكوير” (Pershing Square)، أحد أهم المتداولين الذين يعرف عنهم الاعتماد على ما يُعرف بالأسلوب “النشط الصبور”، حيث نجح في الفترة من 2003 إلى 2021، في تحقيق عائد سنوي مركب بلغ 17.1%، متفوقًا على مؤشر “ستاندرد أند بورز” الذي حقق 10.2% فقط.
“أكمان” لا يبيع بسرعة، بل ينتظر حتى تتحقق رؤيته بالكامل، وهو ما يتطلب صبرًا استراتيجيًا، ولكن أسلوب استثماراته يتضمن شراء حصص مؤثرة في الشركات التي يستهدفها بحيث يستطيع توجيهها بالطريقة التي يراها ملائمة، وهي طريقة فعالة لكنها تستلزم رأس مال كبير وقدرة على الإقناع، فضلًا عن مخاطر المعارضة للتغيير في الشركات التي يستثمر بها.
ومن أبرز الأمثلة على استثمارات “أكمان” الناجحة قيامه في عام 2011 باستثمار 60 مليون دولار في شركة “جنرال جروث بروبيريتيز” التي كانت على وشك الإفلاس، وخرج منها بعد سنوات قليلة بعائد بلغ 1.6 مليار دولار (عائد 2567%).
الصبر “السيئ”
والشاهد أن “الصبر” في السوق يجب ألا يتحول لاستحواذ سلبي على الأسهم دون تنبه للتغيرات التي تطرأ على الشركة.
وبعيدًا عن الاحتفاظ السلبي بالأسهم والذي وضحنا كيف يختلف عن الصبر المطلوب، فإن أدق تعبير على قيمة الصبر قاله أيضًا “وارين بافيت” : “أحدهم يجلس في الظل اليوم لأن شخصًا ما زرع شجرة منذ وقت طويل”.