الخطط الاقتصادية للفرد والدولة

إن المتتبع لحياتنا في الكويت يرى أننا نعيش في حلم الرفاهية، فالجميع يتناغمون في لعبة الصرف غير العادي على المستقبل الاقتصادي للدولة، لكن المزايدات في الصرف على الحياة غير الاقتصادية لا تحقق مستقبل البلد واستقراره. إن الدعم الدائم لكثير من السلع مثل البنزين والتعليم والصحة والزراعة والثروة الحيوانية بدون جدوى اقتصادية يخلق اتكالية عند الفرد، فلا يفكر في وضع ميزانية خاصة به وبعائلته، لأنه تعود على صرف ما في الجيب يأتيه ما في الغيب، لكن هذه سياسة خطرة تجعل الفرد يهتز في أي لحظة قصور في موارده المالية، فيتجه إلى أي اتجاه، وأحياناً غير قانوني، لتعويض ذلك.
لذلك يجب أن يكون هناك وقفة من النخبة والحكماء في الكويت لتعديل المسار الاقتصادي والتفكير في حياة الفرد والدولة، وإبعاد المصالح الضيقة والشخصية والتركيز على التخطيط لحياة ومستقبل البلد الاقتصادي ذي التنمية المستدامة الحقيقية.
إن الكويت تمر في مرحلة مهمة جداً في تحقيق المسار الاقتصادي الحقيقي والطريق فيه منافسة شديدة ولم يعد يسمح بأي تأخير.
إن الطريق الصحيح ليس فقط بناء مستشفيات أو مدارس أو مدن، فهذه كلها أمور مادية بحتة وليس لها مفعول من دون أن يقابلها بنية تربوية وتعليمية حقيقية ووضع أسس سليمة للانطلاق للمستقبل، فالتربية والتعليم هما أساس تكوين المجتمع في أي مرحلة من مراحل الحياة في الدول، فقياس تقدم الدول والشعوب يكون بتقدم مناهجها التعليمية وتربية أجيالها على كثير من الأمور الثقافية والعلمية والرياضية السليمة؟
إن الدولة والفرد يجب أن يفكروا جيداً في الوضع الحالي وفي هذا المسار الخطأ الذي يخلق جو الرفاهية غير الحقيقية، ولا يوصل المجتمع إلى مستقبل اقتصادي واضح ويحقق ما نريد. فهناك دول مثل النرويج، وهي دولة نفطية واحتياطاتها المالية تفوق احتياطيات الكويت، لكنها لم تستعمل مداخيل النفط لرفاهية الحياة للشعب النرويجي، إنما تركته بالكامل للاستثمار لمستقبل الأجيال القادمة، وعاش الشعب النرويجي حياة اقتصادية عادية يعتمد على النظام الضريبي، ولم تغير مداخيل النفط العالية مفاهيمهم أو تجعل حياة شعوبهم تعتمد على النفط، بل ساروا في الطريق الحقيقي للحياة الاقتصادية والاجتماعية بدون أن يستعملوا موارد النفط في الرفاهية غير الحقيقية كما يحدث عندنا. أما نحن فوضعنا ليس كالوضع في النرويج، ولكن نحن استعملنا موارد النفط بكاملها لرفاهيتنا الحالية، وأن الأوان للتفكير في البدائل والحلول لاستثمار موارد النفط لأجيالنا القادمة، مع إستمرارية إعادة النظر والتقييم المستمر لأبواب الصرف لتتفق عمليات الصرف مع التخطيط الاقتصادي المستقبلي على جميع المستويات الفردية والحكومية وبطرق تحقق الجدوى الاقتصادية.
نتطلع أن نسير بقوة على طريق التخطيط الاقتصادي السليم ذو الجدوى الاقتصادية، ونجعل الاقتصاد يقود البلد إلى الرفاهية الحقيقية المستدامة .
بوادر التغيير للنهج الاقتصادي في الأفق وهي حتمية حيث ستتغير طريقنا ومسارنا إلى الطريق الاقتصادي الصحيح، الفرصة قائمة وسانحة والخطى حثيثة ولن تكون هناك عودة للوراء وإلا سينطبق علينا قول الشاعر الكويتي فهد بورسلي في الخمسينات حينما أنشد “ما نبي النفط ومعاشه صرنا للعالم طماشة” وهذه كلمات شعرية قالها في بداية خروج النفط .
وفي النهاية ليس لدينا غير القرار الصعب في توجيه الاقتصاد الكويتي وتعديل مساره في أن يكون هو السند والعضد لمستقبل هذا البلد الطيب وكلنا أمل في أن يسدد الله خطى القيادة فيما تصبوا إليه من إصلاحات ونهضة .
والله المستعان…
حامد السيف.