المالية والمحاسبة: ليس فقط تسجيل أرقام… بل حماية أصول الشركة
بقلم: محمد عثمان – مدير تدقيق داخلي
(CPA, CIA, CMA, CRMA, CISA, CRISC, CERM, CFE, PMP, PBA)
في سلسلتنا حول “التدقيق الداخلي كشريك استراتيجي”، تناولنا سابقًا كيف يضيف التدقيق قيمة لوظائف مثل التسويق، المبيعات، والمشتريات. واليوم، نصل إلى القلب المالي لأي شركة: وظيفة المالية والمحاسبة.
كثيرون يظنون أن المحاسبة تقتصر على “تسجيل الإيرادات والمصروفات” أو “إعداد القوائم المالية”. لكن الحقيقة أن وراء كل رقم قرار مالي، سياسة ضبط، ومراقبة على التدفقات النقدية، الاستثمارات، الرواتب، الضرائب، والديون.
غياب الرقابة هنا قد يؤدي إلى خسائر مالية أو أخطاء محاسبية أو حتى مخالفات قانونية. لهذا التدقيق الداخلي ليس مجرد جهة تحقق أو مراقِبة، بل هو شريك داخلي يضمن وضوح السياسات وسلامة العمليات وشفافية النتائج.
ما المخاطر الحقيقية التي تواجه وظيفة المالية؟
رغم التنظيم والدقة، تواجه هذه الإدارة مخاطر يومية، منها:
* دفع فواتير مكررة أو غير مستحقة بسبب ضعف ربط أوامر الشراء بفواتير الموردين.
* تأخير تحصيل المستحقات من العملاء، مما يؤثر على السيولة.
* أخطاء في احتساب الضرائب أو الزكاة، تؤدي إلى غرامات أو مسائلة من الجهات الرقابية.
* اختلاسات صغيرة من الصناديق الصغيرة أو نفقات الموظفين.
* استثمارات غير مبررة تهدد التدفق النقدي للشركة.
* أخطاء في إعداد الرواتب، مثل دفع رواتب لموظفين سابقين أو احتساب خاطئ للإجازات.
كل هذه المشكلات ليست نادرة. بل هي واقع تعيشه شركات كويتية—مما يجعل دور التدقيق الداخلي وقائيًّا قبل أن يكون تصحيحيًّا.
كيف يضيف التدقيق الداخلي القيمة؟
التدقيق الداخلي لا يُعدّ القوائم المالية، لكنه يتأكد من أن من يُعدها يتبع إجراءات صحيحة. ومن أبرز مهامه:
* مراجعة هياكل الحسابات وسياسات العمل المالي للتأكد من ملاءمتها للشركة.
* اختبار ضوابط الدفع للموردين والتأكد من استلام البضائع فعليًا.
* متابعة المستحقات من العملاء وضمان تحصيلها في الوقت المناسب.
* فحص دقة صرف الرواتب والتأكد من التزامها بالأنظمة.
* مراجعة إدارة التدفقات النقدية والاستثمارات وسياسات السيولة.
* التحقق من الالتزام الكامل بالأنظمة الضريبية والزكوية.
مثال من بيئة الأعمال
في إحدى الشركات، لاحظ فريق التدقيق الداخلي أن فواتير صيانة شهرية تُدفع تلقائيًّا دون وجود طلبات صيانة موثقة. عند التحقيق، تبيّن أن الموظف المعني كان يتعاون مع مورّد لرفع فواتير وهمية.
بفضل المراجعة الدورية، تم اكتشاف الثغرة قبل أن تتفاقم، وتم تعديل الإجراءات لربط كل فاتورة بطلب عمل معتمد—ما وفر للشركة الاف الدنانير سنويًّا.
وظيفة المالية والمحاسبة ليست “رقمًا في نهاية الشهر”… بل “ضمانة للاستمرارية“
وظيفة المالية والمحاسبة ليست خلف الكواليس كما يعتقد البعض، بل هي أساس الثقة في الشركة. التدقيق الداخلي يبني نظام حماية يمنع الهدر والأخطاء والتلاعب، ويؤمن الالتزام بالأنظمة ويعزز ثقة الإدارة، المستثمرين، والجهات الرقابية مثل وزارة التجارة، هيئة أسواق المال، ومدققي الزكاة.
خاتمة:
دقة المحاسبة ووضوح العمليات عاملان أساسيان لاستدامة أي عمل. في عصر الشفافية والامتثال، الشركات بحاجة لأن تكون موثوقة لا “مربحة” فقط. التدقيق الداخلي هنا ليس مراقبًا خفيًا، بل مهندسًا للثقة يؤكد أن كل دينار يدخل أو يخرج يمر عبر بوابة شفافة وآمنة ومسؤولة.
المقال جزء من سلسلة “التدقيق الداخلي كشريك استراتيجي”، التي تستعرض دور التدقيق عبر الوظائف الأساسية في الشركة، بغض النظر عن القطاع.




