النسل أساس التنمية: دروس من الدول التي حددت النسل والآثار الاقتصادية
تكثير النسل ضرورة اقتصادية لدول الخليج

• إشراك الشباب في مراحل التخطيط والتنفيذ لمشاريع البنية التحتية يمنحهم الشعور بالانتماء لمجتمعاتهم والمساهمة في تحقيق رؤية كويت 2035.
• الكويت لديها فرص لا مثيل لها للاستفادة من قوتها العاملة الشابة والحيوية.
• نمو عدد السكان في منطقة الخليج بنسبة 30% من 2020 إلى 2030.
• خطبة الجمعة الموحدة في الإمارات تدعو مواطنيها والمصلين إلى (تعدد الزوجات) لتكثير النسل.
• السعودية ستقود التحول لاستراتيجيات التنويع الاقتصادي، والتحولات في السوق، والابتكارات التكنولوجية.
• الطلب المتزايد على الإسكان والبنية التحتية الأساسية في الخليج يتطلب أيضا استراتيجيات يقودها المجتمع لتبني نهج أكثر شمولاً.
النسل أساس التنمية:
يُعتبر النسل جزءًا محوريًا من عملية التنمية الشاملة في أي مجتمع. إذ يُساهم في تعزيز الاقتصاد، ودعم التركيبة السكانية، وتحقيق التوازن الاجتماعي. ومع ذلك، فإن بعض الدول اتبعت سياسات تحديد النسل لأسباب اجتماعية واقتصادية، مما أدى إلى دروس هامة حول العلاقة بين النسل والتنمية.
وقد أفاد «الشال» بأن النشرة الإحصائية الفصلية (يوليو – سبتمبر 2024)، الصادرة عن بنك الكويت المركزي، ذكرت أن إجمالي عدد السكان في الكويت بلغ نحو 4.946 ملايين نسمة، كما في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، وهو رقم يزيد بنحو 86 ألف نسمة عن الرقم المسجل في نهاية العام الفائت عند نحو 4.860 ملايين، ما يعني أن نمو عدد السكان بلغ نحو 1.8% خلال الفترة المذكورة، وهي نسبة ستصل إلى نحو 2.4% فيما لو حسبت على أساس سنوي. ومع توافر الشباب (أقل من 30 عامًا) يشكلون نسبة كبيرة من السكان، قد تصل هذه النسبة إلى حوالي 50% أو أكثر من إجمالي السكان في الكويت، فإن الكويت لديها فرص لا مثيل لها للاستفادة من قوتها العاملة الشابة والحيوية. ولذلك، بإشراك وتفاعل ودمج الفئات الشابة مع المواهب المحلية والتراث الثقافي وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة فإن مشاريع البنية التحتية تصبح أهم محرك للتحول الاجتماعي والاقتصادي. كما يمكن إشراك الشباب في مراحل التخطيط والتنفيذ لمشاريع البنية التحتية، مما يمنحهم الشعور بالملكية والانتماء لمجتمعاتهم والمساهمة في تحقيق رؤية كويت 2035.
تعتبر دول الخليج واحدة من أسرع المناطق نموًا سكانيًا في العالم، بفضل العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في جذب السكان وزيادة عدد المواليد. توقع تقرير (آرثر دي ليتل، وهي شركة استشارات إدارية دولية يقع مقرها الرئيسي في بوسطن، ماساتشوستس بالولايات المتحدة، تأسست عام 1886(عن نمو عدد السكان في منطقة الخليج بـ 30% من 2020 إلى 2030، وأشار إلى أن 90% منهم سيعيشون في مدن حضرية بحلول 2050، ما يزيد الطلب على الإسكان والبنية التحتية الأساسية والتنمية الشاملة، وتوفير فرص اقتصادية إقليمية بقيمة 150 مليار دولار. فعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية المترتبة على هذا النمو، إلا أن هناك تحديات تتعلق بتوفير البنية التحتية والخدمات العامة (مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان) لتلبية احتياجات السكان المتزايدين. ويتطلب هذا النمو الوعي والتخطيط من الحكومات لضمان استدامة التنمية وتلبية احتياجات المجتمع المتنامي. فلم يعد التركيز مقتصرًا على بناء المدن الحديثة فقط، بل تحول نحو توفير بيئات اقتصادية مستدامة مع التركيز على تطوير المواهب المحلية وتزويدهم بالمهارات اللازمة للمشاركة في الاقتصاد الجديد والذي يتطلب استثمارات في التعليم والتدريب. كما يجب أن يكون الاستثمار والابتكار في خدمات الذكاء الاصطناعي، للشعور بالفوائد واستغلال الفرص المتاحة في عصر الرقمنة والأتمتة والذكاء الصناعي (AI)، جزءًا أساسيًا من هذا التحول بدمج التقنيات الرقمية في جميع القطاعات لتعزيز الإنتاجية وتحقيق النمو.
أهمية النسل في التنمية:
- توفير القوى العاملة:
- يعتبر النسل أساس القوى العاملة في أي بلد. فارتفاع نسبة السكان يمكن أن يُعزز من الإنتاجية ويزيد من قدرات الاقتصاد الوطني.
- زيادة الاستهلاك:
- زيادة عدد السكان تعني زيادة الطلب على السلع والخدمات. مما يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي.
- تحقيق التوازن الاجتماعي:
- ينظر إلى النسل باعتباره مفتاح تحسين الاستقرار الاجتماعي من خلال تعزيز العلاقات الأسرية وتكوين المجتمعات القوية.
دروس من الدول التي حددت النسل والآثار الاقتصادية:
لكبْح التزايُد السريع في زيادة معدَّل المواليد قامت كل من الصين والهند وتايوان وسنغافورة ودول أخرى باتخاذ إجراءات من خلال وضْع قوانين صارمة لتنظيم نِسَب ومعدلات الزيادة السكانية منذ 20 عاما تقريبا، فاتخذت إجراءات عنيفة مثل دفْع الغرامات التعجيزية، والطرد من الوظيفة للوالدين، أو الإجهاض الإجباري، ثم عادت بعض هذه الدول – مثل الصين – وخفَّفتْ مَرَّة أخرى من الشروط التي وضَعتْها، والتزام كل أُسْرة بطفل واحد، لضمان العودة المتزنة في زيادة عدد المواليد، والسماح بطفلين لكل أُسْرة. واعتمد هذا على الدراسات التي قام بها علماء الاجتماع، وأكدوا فيها أنه بحلول العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سترتفع نِسَب الرجال عن النساء بمعدلات واسعة، حتى إنهم لن يجدوا إناث ليتزوجوهم، وهذا بسبب حالات الإجهاض الكثيرة التي تقوم بها الأُسَر عند عِلْمها بأن نوع الجنين أنثى، واصبحت ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث عند معرفة جنسها في بعض البلدان مشكلة اجتماعية خطيرة لها جذور عميقة في التفضيل الثقافي للأولاد على البنات. هذه الممارسة غير القانونية أدت إلى اختلال حاد في نسبة الجنس بين الذكور والإناث في هذه البلدان، وتسببت في العديد من الآثار السلبية على المجتمع. وأشاروا أيضا لانخفاض أعداد الأيدي العاملة، وانخفاض معدلات الإنتاج، وتقلُّص الطاقات الشابَّة، وأشاروا لزيادة نسبة السكان من الفئات العمرية كبيرة السن، وهو ما يثقل كاهل الشاب الوحيد أو الشابة في الأُسْرة بأعباء رعاية أعداد من شيوخ العائلة. فأصبح العديد من الدول (مصر- طفل كل 15 ثانية- والصين، سنغافورة، فرنسا، إيطاليا، روسيا) تواجه تحديات تتعلق بانخفاض معدلات المواليد، مما يؤدي إلى شيخوخة السكان وتأثير سلبي على النمو الاقتصادي فلجأت إلى تقديم حوافز مالية لتشجيع مواطنيها على الإنجاب.
ولذلك نحن في (دول مجلس التعاون الخليجي)، ولمواجهة الخلل الكبير في التركيبة السكانية لدول الخليج العربي وقلّة أعداد المواطنين، بحاجة إلى أسلوب تفكير مختلف في التعامل مع مشكلة الإنجاب، وعلينا أن نضع تجارُب الدول التي سبقتنا على طاولة دراسات مستفيضة، لتلافى الآثار غير الإيجابية، التي أسْفَرتْ عنها عملية تحديد النسل بطرُق متشددة. فالخطبة في يوم الجمعة في تاريخ 13 ديسمبر 2024 في مساجد الإمارات دعت إلى تكثير النسل وتعدد الزوجات مؤكدة أن الاكتفاء بولد أو ولدين بدافع الخوف من الإنفاق أو قلة الأرزاق هو عادة دخيلة ومخالفة لتعاليم الشرع الإسلامي. ولكن في الوقت الذي يشجع فيه الإسلام على الإكثار من النسل والإنجاب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “تزوجوا الولود الودود”، وقوله صلى الله عليه وسلم “إني مكاثر بكم الأمم” إلا أنه اهتم بصحة الأم والطفل وحدد رضاعة الوليد بعامين كاملين كما قال تعالى “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة”، ليس هذا فحسب، بل إنه أسقط عن الحامل والمرضع بعض الأحكام وأباح بعض الأحكام التي توضح بجلاء سماحة هذا الدين ويسره، وللأسف يوجد شركات لا تعطي هذا الحق للعاملات من الإناث. الإنسان مسؤول وفاعل في هذه القضية، والدولة مسؤولة هي الأخرى، فعلى الاثنين معًا يقع عبء إيجاد الحلول الناجعة. فدول مجلس التعاون تقدم الخدمات التي تضمن تكاليف الولادة وإيجاد المستوي الملائم لجودة معيشته وتيسيرها مثل التعليم المميَّز، الخدمات الصحية والثقافية التوعوية، وتسهيلات أخري لضمان رفْع مستوى عَيْش المواطنين وهذه البرامج ميزانيات كبيرة، وقد تكون عبئًا على الموارد المالية للدولة، ولكنها مهمة لأنها تستهدف تحقيق أهداف طويلة الأجل، مثل الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتجنب شيخوخة السكان، وقد يستغرق تحقيق هذه الأهداف سنوات عديدة. فعلي المواطن – في الوقت ذاته – الوعي بقيمة ونوعية الطفل، الذي يجيء به للحياة، وأن يكفل له كل الوسائل التي تجعله الأفضل في المستقبل. وعلى الوالدين – قبْل اتخاذ القرار وتحديد عدد محدد للإنجاب – نقاش ظروفهم المعيشية ووضْع خطط تحقِّق العيش المريح بدون آثارٍ سلبية متعددة لزيادة النسل ووفْقًا لمساحة المسكن والكيفية التي يُعَد بها الأطفال وليس لمجرد التراكم العددي لا النوعي. نحن نعترف أن الزيادة السكانية تساوى مصْدرًا كبيرًا للقوى العاملة، ونُموًّا اقتصاديًّا متسارِعًا، ودعمًا للمسنين وتقديم خِدمات جيدة لهم، لكنها بلا شك تصبح إضافة سلبية حين لا نضمن الحصول على منتج بشرى يضيف لِذَاته وأُسْرته ووطنه وللعالم. فقضية الخطاب الديني، فيما يختص بالمباهاة بكثرة النسل، والاعتماد على التواكل فيما يختص برزقهم، وتَرْك مقدراتهم للظروف، نحن بحاجة لخطاب العقلانية في معالجة قضايانا المصيرية. قد لا تكون الزيادة تمثِّل إضافة، بل تشكِّل عبئًا وعبء على الأوضاع الحياتية بصفة عامة، لذا يجب أن نحذر من عشوائيات الأذهان وطبيعة الثقافة.
الدروس المستفادة:
- أهمية التوازن: يجب أن تكون السياسات السكانية متوازنة بين تحقيق الأهداف التنموية وتجنب الآثار السلبية المحتملة الناتجة عن تحديد النسل.
- التعليم والتوعية: تعد حملات التوعية والتعليم حول قضايا النسل وتنظيم الأسرة ضرورية لضمان فهم المواطنين للسياسات وأثرها على حياتهم.
- الاستثمار في القاعدة البشرية: الاستثمار في تعليم الشباب وتوفير فرص العمل لهم يعد أولوية رئيسية لمواجهة التحديات السكانية.
- التنسيق والسياسة الشاملة: يجب أن تتضمن السياسات السكانية تعاونًا بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني لضمان نجاحها وتأثيرها الإيجابي.
الخاتمة:
يُعتبر النسل عنصرًا أساسيًا في العملية التنموية ولا يمكن تجاهله. الدول التي اتبعت سياسات تحديد النسل تقدم دروسًا هامة حول الآثار المحتملة لتلك السياسات على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بينما يُعزز النسل من القدرة الإنتاجية ويساعد في بناء المجتمعات القوية، فإن التخطيط السليم ومراعاة الاحتياجات المستقبلية تعد ضرورية لضمان استمرارية النمو. تعتبر الحوافز المالية أداة مهمة لتشجيع الإنجاب، ولكنها ليست الحل الوحيد. يجب أن تترافق هذه الحوافز مع سياسات أخرى مثل توفير فرص عمل مناسبة للمرأة، وتحسين خدمات الرعاية الصحية، وتوفير بيئة آمنة للأطفال.
عدنان البدر.
باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.
ckbafa@gmail.com