
بقلم: د. محمد جميل الشبشيري
في خطوة طال انتظارها، وافقت لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري نهائيًا على مشروع قانون الإيجارات الجديد، والذي يحمل في طياته محاولة جادة لإعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، في واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في تاريخ التشريع العقاري المصري.
ويأتي هذا القانون ليضع حدًا لعقود من التجميد في القيمة الإيجارية، ولأوضاع قانونية استثنائية صنعت خللاً في توازن العلاقة التعاقدية، وأدت إلى انهيار جزء كبير من سوق الإيجارات في مصر، لا سيما في ظل انعدام الجدوى الاقتصادية للملاك، وتوريث العلاقة الإيجارية بشكل شبه أبدي دون مقابل عادل.
في هذا المقال، نناقش مشروع القانون مادةً بمادة، في ضوء الرؤية الإصلاحية التي طرحتها سلسلة مقالات سابقة بعنوان: “آثار تطبيق قانون الإيجارات القديمة في مصر: رؤية متكاملة للإصلاح المتوازن”.
أولًا: قراءة تحليلية لمواد القانون
المادة (1): نطاق التطبيق
تنص على أن القانون يسري على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى وللأغراض غير السكنية وفقًا لقوانين سابقة (قانون 44 لسنة 1987 و136 لسنة 1981).
🟢 التحليل:
– نطاق التغطية واسع، ويشمل الوحدات السكنية وغير السكنية، وهو ما يُحقق شمولاً تشريعيًا.
– لكنه يتطلب توضيحًا في اللائحة التنفيذية للفصل بين الحالات القائمة والناشئة، وتحديد كيفية إثبات صفة العين المؤجرة.
المادة (2): إنهاء العقود خلال 7 سنوات للسكنى و5 لغير السكنى
🟢 التحليل:
– التحرير التدريجي مطلوب ومحمود، وتبدو المدينة طويلة نسبيًا (خاصة 7 سنوات في السكنى) ، الا اننا راينا وفي ضوء تجذر المشكلة فقد لا تكفي سبع سنوات لحل المشكلة بشكل كامل علي الرغم ان طول المدة قد يُضعف ثقة المستثمرين.
– التراضي على الإنهاء قبل المدة يمثل مخرجًا مرنًا للملاك والمستأجرين على حد سواء.
المادة (3): لجان حصر وتصنيف المناطق
اللجان تُصنف المناطق إلى “متميزة – متوسطة – اقتصادية” حسب عدة معايير (الموقع، المرافق، القيمة الضريبية…).
🟢 التحليل:
– خطوة ذكية نحو “التسعير العادل” و” التقييم المكاني”.
– لكن نجاحها يعتمد على حيادية اللجان وشفافية عملها، وهو أمر يحتاج رقابة صارمة وآلية تظلم فعالة.
المادة (4): تحديد القيمة الإيجارية وفقًا لتصنيف المناطق
– عشرون مثلًا في المناطق المتميزة (حد أدنى 2000 جنيه).
– عشرة أمثال في المناطق المتوسطة (حد أدنى 400 جنيه).
– 12.5 مثلًا في المناطق الاقتصادية (حد أدنى 250 جنيه).
– إلى حين انتهاء الحصر، يدفع المستأجر 250 جنيهًا كحد أدنى.
🟢 التحليل:
– تطبيق مبدأ “القيمة السوقية النسبية” جيد، ويمنح كل منطقة ما تستحقه.
– وجود حد أدنى للأجرة خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ستثير جدلًا في المناطق الشعبية.
– المؤشر الزمني (تطبيق الفروق بأثر رجعي بعد إعلان الحصر) قد يُشكل عبئًا ماليًا مفاجئًا للمستأجرين.
المادة (5): الأماكن غير السكنية – خمسة أمثال القيمة الحالية
🟢 التحليل:
– رفع الإيجار إلى 5 أضعاف خطوة منصفة، خصوصًا أن هذه الأنشطة غالبًا ما تدر أرباحًا عالية.
– لم توضح المادة ما إذا كانت هناك تفرقة بين النشاط التجاري والطبي أو الخدمي.
المادة (6): زيادة سنوية بنسبة 15%
🟢 التحليل:
– مؤشر الزيادة السنوية يعزز التنبؤ والاستقرار، ويواكب معدلات التضخم.
– لكنه يُصبح عبئًا على الفئات ذات الدخل الثابت، ما لم يُقرن ببرامج حماية.
المادة (7): أسباب الإخلاء
– ترك العين أكثر من سنة دون مبرر.
– امتلاك وحدة بديلة قابلة للاستخدام.
🟢 التحليل:
– تحد من التوريث غير المشروع والتعطيل غير المبرر للعقار.
– شرط امتلاك وحدة بديلة منطقي، لكن يتطلب تعريفًا دقيقًا لـ” البديلة الصالحة” و” الاستخدام الفعلي”.
المادة (8): أولوية التخصيص من الدولة لمن يُخلي العين
🟢 التحليل:
– إجراء تعويضي ذكي ومراعٍ للفئات الضعيفة.
– لكنه يحتاج موارد فعلية من الدولة ووحدات جاهزة، حتى لا يتحول إلى “وعد سياسي” غير قابل للتنفيذ.
المادة (9): إلغاء القوانين القديمة بعد 7 سنوات
🟢 التحليل:
– خطوة حاسمة لطي صفحة تشريعية طويلة الأمد.
– شرط مرور سبع سنوات لإلغاء القوانين السابقة يخلق ازدواجية مؤقتة قد تفتح ثغرات قانونية.
ثانيًا: بين الطموح التشريعي والتحدي الاجتماعي
رغم تماسك مشروع القانون من حيث البنية القانونية، إلا أن التطبيق على الأرض سيواجه مجموعة من التحديات:
التحديات المحتملة:
– مقاومة اجتماعية من مستأجرين عاشوا في هذه الوحدات لعقود.
– نقص الوحدات البديلة المعروضة من الدولة.
– إمكانية اللجوء للتحايل (كالتنازل الصوري عن الوحدة).
– تضارب في تطبيق القانون بين المحافظات.
الفرص الكبرى:
– تحرير سوق الإيجارات من الجمود وتحفيز الاستثمارات.
– تمكين الملاك من الاستفادة العادلة من ممتلكاتهم.
– زيادة المعروض الإيجاري في السوق مما يوازن الأسعار على المدى البعيد.
الخاتمة: إصلاح حقيقي يتطلب شجاعة تنفيذية
قانون الإيجارات الجديد يمثل تحولًا تشريعيًا مهمًا في تاريخ العلاقة بين المؤجر والمستأجر في مصر. لكن هذا التحول لن يحقق أهدافه إلا إذا:
– رُفِق بلائحة تنفيذية واضحة وعادلة.
– تم تمكين لجان الحصر بمهنية واستقلالية.
– دُعّمت الفئات الضعيفة عبر برامج واقعية.
– تم ربطه برؤية متكاملة تشمل تمويل الإسكان، والتأمين الإسكاني، والإيجار المدعوم.
إننا أمام فرصة تاريخية لتصحيح تشوهات عمرها أكثر من نصف قرن. فهل نغتنمها؟