مقالات

قانون ساكسونيا

 

بقلم: المهندس مشعل الملحم

قال عادل إمام ساخرًا، وهو يخاطب صلاح السعدني في فيلم الغول: عارف ساكسونيا؟ ساكسونيا، البلد اللي بتصنع الصيني والخزف في ألمانيا، كان ليها أظلم قانون في العالم، عشان ماكانش بيعدل بين الناس وبعضيها. فلو قتل الثري إنسانًا عاديًّا، حيحاكِموا ظله، مش حيحاكموه هو. حكمت المحكمة بقطع رقبة ظل فلان الفلاني! فهمي الكاشف عاوز يحيي قانون ساكسونيا من جديد، عايز يعمل ناس من ذهب وناس من طين، الأغنياء ليهم قيمة، والفقراء مالهمش.”

“قانون ساكسونيا” ليس قانونًا رسميًّا في المحاكم، بل تعبير مجازي يعود إلى إقليم ساكسونيا في ألمانيا في القرون الوسطى، حيث كانت العدالة تُفصّل على مقاس الطبقة الاجتماعية. فإن سرق الفلاح، قُطعت يده، وإن سرق النبيل، جُلد ظلّه. نعم، ظلّه. كانوا يوقفونه عند الظهيرة، تحت الشمس، ويضربون بالعصا على الأرض، حيث يسقط ظله… مسرحية قانونية سمجة، يُقال فيها إن القانون قد فُعّل، دون أن يُمسّ أحد من “الكبار”.

هذا ليس خيالًا أدبيًّا، بل واقعٌ ساخر. عدالةٌ انتقائية تُمارَس بأدبٍ فاضح. الميزان موجود، لكن كفته مُرجَّحة سلفًا، كأن العدالة تُعاني عيباً خُلقيًّا. قانون ساكسونيا، لا يمثل فقط انحرافًا في تطبيق العدالة، بل يعكس تحوّل العدالة ذاتها إلى أداة تابعة لهيمنة الطبقة المخملية. في هذا السياق، لا يعود القانون أداة لضبط التوازن بين الأفراد، بل يصبح آلية لإعادة إنتاج الهرمية، وتثبيت الامتيازات المسبقة، عبر وهم “المساواة أمام القانون”

قانون ساكسونيا يعتمد على وجود الشمس لعقاب الظل، ولكن ماذا لو غابت الشمس؟ فهل سينجو الظل أيضاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى