مقالات

رؤى قيادية واستكشافات تقتحم آفاق الطاقة

  بقلم: المحامي الدكتور سعود ناصر الطامي

    محكم وموفق لدى مركز الكويت للتحكيم التجاري

 

في عالم تتسارع فيه المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، لم يعد النجاح في المؤسسات الكبرى رهناً فقط بوفرة الموارد أو حجم الاستثمارات، بل بات مرهوناً بمدى كفاءة الإدارة وصدق النوايا الوطنية.

إن ما تشهده شركة نفط الكويت في السنوات الأخيرة، وتحديداً في المرحلة التي يقودها الرئيس التنفيذي للشركة، هو تجسيد حيّ لما يمكن أن تحققه القيادات الوطنية المخلصة حين تُمنح الثقة وتُهيأ لها بيئة العمل المهنية السليمة.

لقد برهنت الشركة أن الإدارة الرشيدة والمبنية على أسس الحوكمة، والتطوير المؤسسي، وتمكين الكفاءات الوطنية، قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع، والتحديات إلى فرص. ولعل من أبرز ملامح هذا التحول هو تعيين نخبة من الكوادر الكويتية في مواقع المسؤولية، ممن امتلكوا الدراية الفنية، والتجربة الميدانية، والأهم من ذلك: الإيمان الحقيقي بأن خدمة الوطن مسؤولية وليست منصباً.

وفي هذا السياق، تظهر جلياً ملامح التحول النوعي الذي تعيشه شركة نفط الكويت على أكثر من صعيد: من الاستكشافات النفطية الواعدة، والمشاريع الاستراتيجية الكبرى، إلى التطوير الإداري والفني والرقمي، مروراً بالاهتمام الحقيقي بالعنصر البشري والتكويت الفعلي وليس الشكلي. وفي السطور التالية، نستعرض أبرز هذه الإنجازات، مستندين إلى ما تحقق فعلاً على الأرض، بالأرقام والحقائق، لا بالمجاملات أو الشعارات.

اكتشافات نفطية تعزز مستقبل الكويت

حقل النوخذة البحري (2024)

في حفل نوعي جمع القيادات والفرق الفنية، أعلنت الشركة عن نجاح أول اكتشاف بحري في تاريخها في حقل النوخذة، وبلغ الإنتاج الأولي من البئر نحو 2,800 برميل نفط و7 ملايين قدم مكعبة من الغاز يومياً. وقد نوّه الرئيس التنفيذي بدور الكفاءات الوطنية التي قادت عمليات الاستكشاف والتنفيذ.

حقل الجليعة البحري (2025)

نجحت فرق الاستكشاف في تحقيق اكتشاف بحري ثانٍ في حقل الجليعة، ما اعتُبر دليلاً على نجاح استراتيجية الشركة طويلة الأمد في الاستثمار بالبحوث الجيولوجية، والاعتماد على فرق فنية وطنية.

حقل الشمال

تم تحقيق سلسلة من الاكتشافات النفطية في شمال الكويت، تؤكد وفرة المخزون الاستراتيجي، واستخدام تقنيات ثلاثية الأبعاد دقيقة، في إطار خطة الشركة لتعزيز الاكتفاء المحلي وتنويع المصادر.

 المنطقة المشتركة (وفرة وجرا)

أُعلن في منتصف 2025 عن اكتشاف نفطي جديد في المنطقة المشتركة مع المملكة العربية السعودية، بمعدل إنتاج أولي تجاوز 500 برميل يومياً من النفط الخفيف، في نجاح استراتيجي يُحسب للتعاون الفني والإداري.

تطوير إداري وهيكلة مؤسسية حديثة

أطلقت شركة نفط الكويت في نهاية 2024 أكبر خطة هيكلة إدارية في تاريخها، شملت ترقية 110 رؤساء فرق وتدوير 17 مديراً تنفيذياً بالإضافة إلى اعتماد نهج تكاملي في الإدارة، يدمج ما بين الرؤية الاستراتيجية والممارسات المهنية اليومية.

وقد استهدفت هذه الخطوة إلى تسريع اتخاذ القرار وخلق جيل قيادي شاب من الكويتيين والقضاء على البيروقراطية الإدارية القديمة. والجدير بالذكر أن هذه التحولات لم تكن شكلية، بل اقترنت بنتائج واقعية ظهرت في مؤشرات الأداء الفني والإنتاجي والتكلفة.

نتائج مالية وتقنية تدعم الكلام بالفعل

بلغ إنتاج الغاز غير المصاحب أعلى مستوى له في يناير 2024 بـ 606  مليون قدم مكعبة يومياً وتم حفر 461  بئراً جديدة، وإعادة تأهيل 1,892 بئراً كما وفّرت الشركة ما يزيد عن 300  مليون دينار كويتي نتيجة إدخال تقنيات الاستكشاف الذكي ودمج فرق التشغيل ونجحت في خفض تكلفة عقود الحفر بحوالي208 مليون دينار، بالإضافة إلى توفير إضافي بقيمة 3.5 مليون دينار.

تطوير الموظفين والحوكمة والتمكين الوطني

بلغت نسبة التكويت في القطاع النفطي نهاية 2024 حوالي 90.8%، وهي من أعلى النسب في الشرق الأوسط وتم تعيين أكثر من 1,129 موظفاً كويتياً جديداً خلال العام، ودُرب العديد منهم في برامج حوكمة، وسلوكيات مؤسسية، وقيادة عمليات تشغيلية ثم أطلقت الشركة برامج حوكمة فعالة، وشجعت جميع قياداتها على التحاق بدورات في الشفافية والمساءلة والمخاطر.

بيئة واستدامة ومشاريع كبرى

أنجزت الشركة مشاريع الاستصلاح البيئي في الشمال والجنوب شملت معالجة 2.3  مليون طن من التربة وساهمت مصفاة الزور (التي تعمل تحت إشراف الشركة الأم) في رفع الطاقة التكريرية للكويت إلى 1.4  مليون برميل يومياً بالإضافة إلى أن الشركة أطلقت برنامج “الحقل الرقمي”، الذي غطى 95% من الآبار، وساهم في تحسين الاستجابة الفورية للأعطال

ليس من المبالغة القول إن ما تحققه شركة نفط الكويت اليوم هو نموذج متكامل للتخطيط والتنفيذ والقيادة الوطنية الصادقة. فبقيادة الرئيس التنفيذي وفريقه من النواب والمساعدين، تحوّلت الشركة إلى بيت خبرة وطني يصدّر المعرفة، ويضع أهدافاً طموحة مبنية على أرقام وحقائق.

وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا الدعم المستمر والتوجيه الاستراتيجي الحكيم من مجلس إدارة الشركة، الذي عمل على ترسيخ ثقافة مؤسسية حديثة، ووضع خطط استراتيجية واضحة المعالم، ووفّر الغطاء الكامل للإدارة التنفيذية لتعمل بكفاءة ومرونة. لقد كان مجلس الإدارة هو الداعم الرئيسي في كل خطوة، مؤمناً بقدرات القيادات الوطنية، ومدركاً لأهمية التمكين الحقيقي للكوادر التنفيذية لتحقيق رؤى الشركة وأهدافها المستقبلية.

إن تعيين القيادات الوطنية المخلصة، ودعمهم بثقة ومهام حقيقية، لم يكن مجرد خيار إداري، بل ضمانة استراتيجية لمستقبل الكويت، وركيزة أساسية لتحقيق الرؤية الوطنية في قطاع الطاقة والاقتصاد ككل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى