مقالات

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين…سلام غائب وأسواق قلقة

بقلم – ليما راشد الملا

ما بين السياسة والاقتصاد

 

شهدت مدينة أنكوراج في ولاية ألاسكا قمة استثنائية جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. العنوان الرسمي للقمة كان البحث في إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن خلف الأبواب المغلقة حضرت ملفات الاقتصاد العالمي: من أسعار الطاقة والذهب، إلى مستقبل سلاسل الإمداد والاستقرار المالي.

لا هدنة… بل صفقة شاملة؟

ترامب دخل القمة وهو يلوّح بغضب إذا لم تتجاوب موسكو مع مطلب وقف إطلاق النار. لكن ما خرج من المؤتمر الصحفي القصير والغامض أوضح أن الهدنة لم تكن على الطاولة.

الرئيس الأميركي بدا وكأنه تراجع عن فكرة الهدنة الجزئية، مفضّلًا السعي نحو اتفاق سلام شامل، وهو بالضبط ما كانت موسكو تصر عليه منذ البداية. بالنسبة للأسواق، هذا التحول يعني أن المخاطر الجيوسياسية مستمرة، وأن حالة عدم اليقين ستبقى مسيطرة على الاستثمارات.

الطاقة في قلب الحسابات

روسيا، أكبر مصدر للنفط والغاز نحو أوروبا وآسيا، لا تزال تستخدم سلاح الطاقة كورقة ضغط. أي فشل في تحقيق اختراق سياسي يعني استمرار تقلبات أسعار النفط، وزيادة الضغوط التضخمية عالميًا. أما الولايات المتحدة، فهي تدرك أن أي انفراج ولو جزئي سيعيد بعض الاستقرار إلى سوق الطاقة، ويفتح المجال أمام تراجع الأسعار.

الذهب والدولار… ملاذات تتأرجح

الذهب، الذي صعد مؤخرًا إلى مستويات قياسية وسط مخاوف من الرسوم الجمركية الأميركية، يجد نفسه اليوم في مواجهة عامل جديد: غياب أي أفق لتهدئة الحرب. استمرار النزاع يرفع من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن، بينما يضعف الثقة بالدولار الذي يُستنزف في تمويل الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا.

أوروبا وحلم “قوات الحماية”

القادة الأوروبيون أبدوا استعدادهم لإرسال قوات مراقبة أو حتى وحدات ردع على الأرض، لضمان التزام موسكو بأي هدنة مستقبلية. لكن غياب التوافق في ألاسكا جعل هذه الطروحات مؤجلة. وفي الوقت نفسه، بقيت الأسواق الأوروبية رهينة أسعار الطاقة الروسية والغاز الطبيعي المسال الأميركي، وهذا الأمر يزيد من الأعباء الإضافية على اقتصاد القارة العجوز.

الرسالة إلى المستثمرين

الخبراء يرون أن أي تسوية لا بد أن تُدعَم بـ ضمانات دولية صارمة وعقوبات تلقائية على روسيا إذا خرقت الاتفاق. وإلى أن يحدث ذلك، فإن الأسواق العالمية – من النفط إلى المعادن – ستبقى رهينة للتقلبات، والمستثمرون سيواصلون البحث عن ملاذات آمنة، سواء في الذهب أو في السندات الأميركية.

 

في الختام، قمة ألاسكا لم تُنهِ الحرب، لكنها أعادت ترتيب أولويات اللاعبين الكبار. ترامب يراهن على صفقة كبرى، بوتين متمسك بمطالبه، وأوروبا بين نارَي الطاقة والأمن. وبين هذه المواقف المتضاربة، يبقى الاقتصاد العالمي هو الخاسر الأكبر، فيما تنتظر الأسواق إشارة واضحة تضع حدًا للضبابية التي تكلّف العالم مليارات الدولارات يوميًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى