مقالات

المنطقة  الحرة في الكويت: بين الطموح والمعوقات المستمرة منذ 2006

بقلم/ الخبيرة العقارية سبيكة محمد البحر

مجموعة سبيكة البحر وعماد الفرج العقارية، وعضو اتحاد الوسطاء العقاريين وعضو جمعية المقيمين العقاريين الكويتية

المنطقة الحرة في الكويت تمثل منصة استراتيجية متكاملة تجمع بين الإنتاج الصناعي والخدمات اللوجستية والتجارة الدولية

تُعد المنطقة الحرة في الكويت، التي أعيد تصنيفها مؤخرًا تحت مسمى “القطاع الخدمي 16”، منصة استراتيجية ذات أهمية كبيرة للاقتصاد الوطني. تقع المنطقة في موقع متميز على الضفة الجنوبية لجسر جابر ومطلة على جون الكويت، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا ممتازًا وإطلالة مباشرة على البحر، وهو ما يعزز من قيمتها الاستثمارية والتطويرية

ويُعد من الضروري أن تتعامل الدولة مع المنطقة الحرة معاملة أرقى وأكثر تنسيقًا، مع تكاتف جميع الجهات الحكومية لضمان استثمار الإمكانات المتاحة وتحويلها إلى عوائد اقتصادية ملموسة. فالموقع وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى إدارة متكاملة وبنية تحتية فعالة تجعل المنطقة منصة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، وتعيد لها دورها التاريخي كمركز استراتيجي وتجاري في الكويت

تمثل المنطقة الحرة فرصة حقيقية للكويت لتعزيز مكانتها في التجارة الإقليمية والدولية، فهي قريبة من ميناء الشويخ الرئيسي وتطل على البحر مباشرة، مما يجعلها بوابة طبيعية للوصول إلى الأسواق العراقية والإيرانية. كما توفر المنطقة فرصًا لتطوير الخدمات اللوجستية المتقدمة، المخازن، المراكز التجارية، والفنادق، ما يعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات النوعية وخلق وظائف جديدة وزيادة العوائد المالية للدولة

معوقات تاريخية وإدارية

رغم الميزة الجغرافية،  إلا أن المنطقة الحرة تواجه تحديات متراكمة منذ عام 2006، عندما تم تحويلها إلى الهيئة العامة للصناعة. شهدت المنطقة إهمالًا واضحًا في البنية التحتية والمرافق من قبل بعض الجهات الحكومية ، بما في ذلك وزارة الأشغال والبلدية، ما أدى إلى:

* تدهور الطرق الداخلية ووجود شوارع ضيقة أو متهالكة, تعيق حركة المركبات

* غياب نظام الصرف الصحي حيث لا يوجد بنية تحتيه متكاملة للصرف الصحي ، مما يضطر الشركات لتحمل تكاليف تنظيم الصرف الصحي بشكل كامل على نفقتهم.

* تراجع مستوى المرافق والخدمات الأساسية، مما أثر على قدرة المستثمرين على تشغيل مشاريعهم بكفاءة

* كما يلتزم المستثمرون بدفع الإيجارات المستحقة للدولة منذ عام 2006، إلا أن هذه المدفوعات لم تترافق مع إصدار تراخيص واضحة تسمح باستخدام الأنشطة والمساحات التجارية أو تأجيرها للغير.

* كما يتحمل المستثمرون تكاليف الكهرباء والماء وفق التعريفة الحكومية،

صعوبات الوصول إلى المنطقة الحرة

يعتمد الوصول إلى المنطقة الحرة بشكل رئيسي على جسر الغزالي، فيما تتشابك المداخل الأخرى مع حركة الشاحنات القادمة من ميناء الشويخ، ما يزيد من صعوبة الدخول ويؤثر على كفاءة النقل والعمليات اللوجستية. وتفتقر الطرق الداخلية إلى الصيانة والتخطيط المتكامل، إذ لا يوجد اختصاص واضح لوزارة الأشغال في وضع آلية لإدارة البنية التحتية والطرق بشكل شامل، ما يزيد من تحديات حركة المركبات وعبور الشاحنات الثقيلة ويعطل الأعمال اليومية للشركات.

 قرارات هيئة الصناعة لعام 2025 للأنشطة

جاءت القرارات الصادرة عام 2025 لتعطي المنطقة دفعة تطويرية، إذ سمحت بزيادة نسب البناء لتصل إلى 150% للفنادق و130% لتغطية المباني، مع تنظيم مواقف السيارات، وتحديد الأنشطة المسموحة بما يشمل:

* المكاتب التجارية (150 م² على الأقل)

* المعارض والمحلات والمخازن (100 م²)

* الخدمات المصرفية (300 م²)

* النوادي الصحية (300 م²)

* الفنادق (10,000 م²)

* المطاعم والمقاهي بنسبة لا تتجاوز 10% من مساحة القسيمة وبعرض واجهات لا يقل عن 8 أمتار

توفير هذه المعايير يمنح بيئة استثمارية متوازنة، وتتيح الاستخدام الأمثل للمساحات بما يحقق أعلى العوائد الاقتصادية، لكنها وحدها لا تكفي لضمان تحويل المنطقة الحرة إلى مركز اقتصادي حقيقي.

عناصر النجاح المستدام

يبقى وضوح الإجراءات الإدارية والتراخيص من أبرز المتطلبات لضمان جذب الاستثمارات وتحقيق الاستفادة الفعلية من المنطقة. وتشمل عناصر النجاح الأساسية:

* إدارة موحدة ونافذة واحدة للتراخيص تربط جميع الجهات الحكومية المختصة (التجارة، القوى العاملة، البلدية، الصناعة)

* استقرار تشريعي يضمن استمرارية النشاط الاستثماري ويمنح المستثمر القدرة على التخطيط طويل المدى

* صيانة الطرق والشوارع الداخلية، وتحسين شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي بشكل شامل

* تحديد واضح للأنشطة المسموح بها ضمن المنطقة الحرة لضمان استثمار أمثل للمساحات

تحويل المنطقة الحرة من ميزة محتملة إلى ميزة فعلية يعتمد على أربعة عناصر رئيسية: الموقع الاستراتيجي، الإدارة الموحدة، وضوح الأنشطة المسموح بها، والاستقرار التشريعي. وأي قصور في هذه العناصر يحول الفرصة الاستثمارية إلى عبء، رغم دفع المستثمرين للإيجارات والتكاليف التشغيلية المتعددة.

وفي ظل المنافسة الإقليمية من مناطق حرة خليجية، تظل ضرورة الإصلاح الإداري وتحديث البنية التحتية شرطًا أساسيًا لضمان أن تصبح المنطقة الحرة منصة اقتصادية فعالة تحقق العوائد المرجوة، وتعكس مكانة الكويت الإقليمية في التجارة والخدمات اللوجستية

التجارب الخليجية – الدرس الأوضح

عند المقارنة، يتضح أن الفرق بين الكويت وجيرانها ليس في القدرات، بل في المنهج الإداري

–  جبل علي بدبي، يحصل المستثمر على ترخيصه خلال أيام عبر منصة إلكترونية موحدة، وهذا ما جعل المنطقة مقصدًا لأكثر من 7000 شركة عالمية

– في البحرين، صممت المناطق الحرة لتكون مرنة، مع نافذة واحدة تختصر الدورة المستندية، بالإضافة إلى قربها من السوق السعودي، ما منحها جاذبية خاصة

– في قطر، تم تخصيص المناطق الحرة لتستهدف قطاعات محددة مثل التكنولوجيا، اللوجستيات، الإعلام. هذا التخصيص منحها هوية واضحة وساعد في جذب مستثمرين نوعيين

أما الكويت، فما زالت تسأل نفسها: هل المنطقة الحرة للتجارة؟ أم للخدمات؟ أم للصناعة؟ غياب الهوية الواضحة أدى إلى ارتباك المستثمر وإحجامه عن ضخ رؤوس الأموال الكبيرة

 

التعديلات الأخيرة – خطوة مهمة لكنها غير كافية

القرارات الصادرة عام 2025 بشأن القطاع الخدمي 16 منحت المنطقة دفعة عمرانية جديدة، إذ سمحت بزيادة نسب البناء لتصل إلى 150% للفنادق و130% لتغطية المباني، وأقرت تنظيم مواقف السيارات، مع تحديد الأنشطة المسموحة بما يشمل المكاتب التجارية (150 م² على الأقل)، المعارض والمحلات والمخازن (100 م²)، الخدمات المصرفية (300 م²)، النوادي الصحية (300 م²)، الفنادق (10,000 م²)، والمطاعم والمقاهي بنسبة لا تتجاوز 10% من مساحة القسيمة، وبعرض واجهات لا يقل عن 8 أمتار، وهي معايير تضمن بيئة استثمارية متوازنة ومستدامة وتوظيفًا أمثل للمساحات بما يحقق أعلى عائد ممكن للمستثمرين

لكن التعليل المنطقي يقول: البناء وحده لا يجذب الاستثمار. فالمستثمر يحتاج أولًا إلى وضوح في الإجراءات والتراخيص، أكثر من حاجته إلى برج إضافي أو مطعم جديد. فإذا بقيت معضلة الرقم الآلي والنافذة الموحدة بلا حل، فإن التعديلات العمرانية لن تحقق أثرها الاقتصادي المتوقع

من الميزة المحتملة إلى الميزة الفعلية

خاتمة

المنطقة الحرة في الكويت ليست مشروعًا ثانويًا، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على تحويل موقعها الجغرافي المميز إلى قيمة اقتصادية مضافة. فإذا بقيت رهينة البيروقراطية وتعدد الجهات، ستظل “فرصة ضائعة”. أما إذا تم إصلاح إدارتها وفق رؤية واضحة، فإنها ستصبح منصة استراتيجية تعيد للكويت دورها التاريخي كمركز للتجارة والربط الإقليمي

وبين هذين الخيارين، تقف الكويت اليوم أمام لحظة حاسمة: إما أن تستمر في دائرة الوعود، أو أن تنتقل إلى مرحلة الفعل، لتنافس جبل علي والبحرين وقطر، وتثبت أن ميزة الجغرافيا لا تضيع إذا أحسن استغلالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى