مقالات

أبوظبي …وأكبر مكتبة رقمية للمحتوى العربي بالشراكة مع أمازون

بقلم – ليما راشد الملا

 

أطلقت العاصمة الإماراتية أبوظبي مبادرة استراتيجية رائدة تمثّلت في إنشاء أكبر مكتبة رقمية للمحتوى العربي في العالم، تحت إشراف مركز أبوظبي للغة العربية وبالتعاون مع شركة أمازون.

ولا يقتصر هذا المشروع على كونه إنجازًا ثقافيًا فحسب، بل يُعد تحولًا نوعيًا بأبعاد اقتصادية ومعرفية وتكنولوجية، يسهم في إدماج المنطقة العربية بقوة في المنظومة العالمية للاقتصاد الرقمي.

هل تصبح صناعة المحتوى محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي؟

تُقدَّر قيمة صناعة المحتوى الرقمي عالميًا بمئات المليارات من الدولارات، ومع تسارع الطلب على الكتب الإلكترونية والمواد المعرفية عبر المنصات الرقمية، فإن المكتبة الجديدة تضع أبوظبي في قلب هذه الصناعة.

دخول أمازون كشريك رئيسي يمنح المشروع ثقة عالمية، ويتيح للمحتوى العربي فرصة النفاذ إلى قاعدة مستخدمين تتجاوز مئات الملايين.

من زاوية اقتصادية، يوفر المشروع فرصًا استثمارية لشركات النشر العربية، ويخلق سوقًا أكثر تنافسية، حيث يصبح الكتاب العربي منتجًا قابلًا للتداول عالميًا، لا محليًا فقط.

كما يفتح الباب أمام تطوير نماذج عمل جديدة مثل الاشتراكات الرقمية، مبيعات الكتب الإلكترونية، وخدمات القراءة عند الطلب.

ما السبل التي تمكّن الإبداع العربي من التحول من محلي إلى عالمي؟

تحدث محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، عن أهمية التنوع الثقافي الذي يشكل قاعدة أساسية لنجاح هذه المبادرة.

هذا التنوع لا يعني فقط عرض أعمال من مختلف التيارات والمدارس الفكرية، بل يعني أيضًا تقديم صورة أكثر شمولًا عن العالم العربي، تتجاوز الصور النمطية.

رؤية أبوظبي تستند إلى فكرة أن المحتوى الثقافي، حين يُمنح منصة عالمية، يتحول إلى قوة ناعمة قادرة على التأثير في تشكيل الانطباعات والسياسات وحتى العلاقات الاقتصادية.

بمعنى آخر، لم يعد الإبداع العربي مجرد إنتاج أدبي أو ثقافي، بل أصبح أداة اقتصادية وسياسية، يمكن أن تعزز مكانة المنطقة في السوق العالمية.

كيف يعيد التحول الرقمي تشكيل تحديات السوق؟

رغم هذه الطموحات، تبقى أمام المبادرة عقبات جوهرية تتطلب حلولًا استراتيجية أولها، مسألة حقوق النشر والملكية الفكرية، وهي إحدى الإشكاليات التي أعاقت انتشار الكتاب العربي رقميًا في السابق. ثانيًا، التفاوت في البنية التحتية الرقمية داخل الدول العربية، حيث ما زال الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة محدودًا في بعض المناطق.

لكن الشراكة مع أمازون تعطي المشروع ميزة تنافسية قوية، إذ تتيح تقنيات متقدمة في حماية الحقوق الرقمية، إضافة إلى منصات تسويق وتوزيع قادرة على الوصول إلى جمهور عالمي. هذا ما يجعل أبوظبي في موقع استراتيجي لتقود عملية تنظيم صناعة المحتوى العربي وإدماجها في الاقتصاد الرقمي العالمي.

ما أثر المبادرة على سوق العمل والمعرفة؟

المكتبة الرقمية لا تقتصر فوائدها على الاقتصاد الكلي، بل تمتد إلى المستويات الفردية. فهي توفر فرص عمل جديدة في مجالات مثل الترجمة، التحرير الرقمي، التسويق الثقافي، وتطوير البرمجيات. كما ستدفع الجامعات ومراكز الأبحاث إلى الاستثمار أكثر في مجال علوم اللغة العربية الحاسوبية، وهو قطاع يرتبط مباشرة بالذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية.

إضافة إلى ذلك، توفر المكتبة محتوى يسهم في تعزيز التعليم الذاتي، بما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو اقتصاد المعرفة. هذه النقلة ستساهم في رفع كفاءة القوى العاملة العربية، وهذا الأمر يدعم بدوره النمو الاقتصادي طويل الأمد.

كيف ترسم أبوظبي ملامح رؤيتها المستقبلية؟

تضع أبوظبي هذه الخطوة ضمن إطار رؤية شاملة لبناء اقتصاد قائم على التنوع، بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط.

دعم الثقافة الرقمية يشير إلى وعي متنامٍ بأن القيمة المضافة لم تعد محصورة في الموارد المادية فقط، بل في الاقتصاد المعرفي حيث تتكامل القوة الناعمة مع التكنولوجيا لتوليد ميزة تنافسية طويلة الأمد.

كما أن هذه المبادرة تدعم استراتيجية الإمارات في أن تكون مركزًا عالميًا للابتكار والتقاطع الثقافي، حيث يصبح المحتوى العربي جزءًا من الحراك العالمي، لا مجرد هامش معزول.

هل تدخل أبوظبي مرحلة جديدة مع هذه المبادرة؟

إطلاق أكبر مكتبة رقمية عربية بالشراكة مع أمازون ليس حدثًا عابرًا، بل محطة تأسيسية في مسيرة الاقتصاد الثقافي العربي.

هذه المبادرة تمثل التقاء الثقافة بالتكنولوجيا والاقتصاد، في مشروع يفتح الباب أمام جيل جديد من المبدعين العرب ليتحولوا إلى لاعبين عالميين.

تؤكد رؤية أبوظبي قناعة بأن الثقافة لم تعد رفاهية، بل استثمارًا اقتصاديًا واستراتيجيًا، يضع العرب في قلب المشهد العالمي، ويمنحهم فرصة لقيادة المستقبل لا لمجرد اللحاق به.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى