القيادة السامة: كيف تكتشف المدير المدمر قبل أن يدمر فريقك؟

القادة العظماء لا يصنعون أعذارًا، بل يصنعون التغيير ويقودون الآخرين برؤية وشجاعة.
أساليب التنمر: الاستهزاء العلني، والسخرية من الأفكار، والانتقاد المستمر، تكليف الموظف بمهام مستحيلة ثم لومه على الفشل، أو تكليفه بمهام تافهة لإهانته.
القيادة مسؤولية تبدأ بالاستماع وتنضج بالشجاعة في مواجهة الأخطاء وتصحيحها.
المدير السيئ يطفئ الطاقات، ويحول بيئة العمل من مساحة للإبداع والإنتاجية إلى جحيم يومي يستنزف الروح قبل الجسد.
70% من الموظفين الذين يتركون وظائفهم لا يتركون الشركة، بل يتركون رؤساءهم.
المتلاعب ماهر في خلق الانقسامات بين الموظفين، يلعب لعبة فرق تسد بإتقان.
المشكلة الحقيقية في الصمت المؤسسي والتواطؤ الجماعي الذي يسمح لهم بالاستمرار في ممارساتهم المدمرة دون محاسبة أو تصحيح.
النرجسي يبني حوله دائرة من المتملقين الذين يغذون غروره، بينما يقصي الأصوات الناقدة أو المستقلة.
المدير الغائب يدير بالإهمال الكامل، لا يعطي توجيهات، ولا يتابع التقدم، ولا يقدم دعماً، ولا يحل المشاكل.
المدير المحابي يحمي المفضلين لديه، بينما يحاسب الآخرين بصرامة على أتفه الأخطاء.
الموظف تحت قيادة سيئة يعاني من توتر مزمن يتحول لمشاكل صحية حقيقية.
تقديرات متحفظة تشير إلى أن استبدال موظف واحد يكلف ما بين نصف إلى ضعف راتبه السنوي.
الرؤساء السيئون: الوباء الصامت الذي يدمر المؤسسات من الداخل
كيف تتعرف وتصحح سلوكيات القيادة المدمرة في بيئة العمل؟
الحقيقة المرة التي لا يجرؤ أحد على قولها
في كل مؤسسة، هناك حقيقة صارخة يعرفها الجميع لكن قليلون يجرؤون على الحديث عنها علناً: الرئيس السيئ يدمر أكثر مما يبني، يطفئ الطاقات بدلاً من إشعالها، ويحول بيئة العمل من مساحة للإبداع والإنتاجية إلى جحيم يومي يستنزف الروح قبل الجسد.
الأرقام لا ترحم. الدراسات العالمية تشير إلى أن سبعين بالمائة من الموظفين الذين يتركون وظائفهم لا يتركون الشركة، بل يتركون رؤساءهم. المليارات من الدولارات تُهدر سنوياً بسبب ضعف الإنتاجية، وارتفاع معدلات الدوران الوظيفي، وتدني مستويات المشاركة والالتزام، وكلها نتائج مباشرة للقيادة السيئة.
لكن المشكلة الحقيقية ليست في وجود رؤساء سيئين، فهذا أمر حتمي في أي تنظيم بشري، بل في الصمت المؤسسي والتواطؤ الجماعي الذي يسمح لهم بالاستمرار في ممارساتهم المدمرة دون محاسبة أو تصحيح. الموظفون يخافون من الحديث خوفاً من الانتقام، والإدارة العليا تتجاهل المشكلة طالما الأرقام المالية تبدو مقبولة، والموارد البشرية تختبئ خلف الإجراءات البيروقراطية.
حان الوقت لكسر هذا الصمت، لتسمية الأشياء بمسمياتها، ولوضع خارطة طريق واضحة للتعرف على سلوكيات القيادة المدمرة ومواجهتها وتصحيحها. هذه ليست مجرد قضية موارد بشرية، بل قضية وجودية تحدد نجاح المؤسسات أو فشلها، ازدهارها أو انهيارها.
الوجوه المتعددة للرئيس السيئ: أنماط القيادة المدمرة
العلامات الحمراء لسلوك المدير السيئ
* التسلط الزائد والمراقبة الدقيقة تفقد الفريق حماسه وتدفن المبادرات (Micromanagement).
* التمييز الوظيفي وتفضيل بعض الموظفين عن غيرهم (Favoritism).
* سرقة أفكار الموظفين وعدم منحهم حقهم في التقدير (Credit stealing).
* الانتقاد الدائم بدون مبرر أو احترام، أو حتى التقليل العلني من قيمة الآخرين (Hostility).
* غياب الدعم وتجنب تقديم أي مساعدة عند الحاجة (Unhelpful).
* غياب التواصل الفعال وحرمان الموظفين من ملاحظات بنّاءة.
* الإنكار الدائم وتحميل الآخرين مسؤولية الأخطاء بدلاً من تحمل المسؤولية (Blame shifting).
* إدارة الفريق بالترهيب أو بث الطاقة السلبية والخوف (Manage through fear).
* عدم حماية الفريق من الضغوط أو الهجوم الخارجي.
الرؤساء / المدراء السيئون ليسوا نسخة واحدة، بل يأتون بأشكال وأنماط متعددة، كل منها له أساليبه الخاصة في تسميم بيئة العمل وتدمير الروح المعنوية للموظفين. التعرف على هذه الأنماط هو الخطوة الأولى نحو المواجهة والتصحيح.
المستبد: السلطة المطلقة بلا مساءلة
هذا النمط هو الأكثر وضوحاً والأكثر تدميراً. المستبد يرى نفسه إلهاً صغيراً في مملكته، لا يقبل النقاش ولا يحتمل الاختلاف. قراراته نهائية، حتى لو كانت خاطئة، وآراؤه حقائق مطلقة، حتى لو كانت سخيفة.
يستخدم المستبد الخوف كأداة إدارة رئيسية. الصراخ، والتهديدات، والتوبيخ العلني، والعقوبات التعسفية، كلها في ترسانته اليومية. الموظفون تحته يعيشون في حالة قلق دائم، يمشون على قشر البيض، يتجنبون إثارة غضبه بأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة العمل.
المستبد لا يفوض الصلاحيات، بل يحتكر كل القرارات حتى التافهة منها. يريد السيطرة الكاملة على كل شيء، مما يخلق اختناقات في العمل ويقتل أي مبادرة أو إبداع. الموظفون يتحولون إلى مجرد منفذين آليين لأوامره، دون تفكير أو مساهمة حقيقية.
المتلاعب: السم الناعم القاتل
أخطر من المستبد الصريح، لأنه يعمل في الظل ويستخدم أساليب ملتوية يصعب إثباتها أو مواجهتها. المتلاعب ماهر في خلق الانقسامات بين الموظفين، يلعب لعبة فرق تسد بإتقان، يشجع المنافسة السامة بدلاً من التعاون الصحي.
يتقن المتلاعب فن الكلام المزدوج، يقول شيئاً ويفعل العكس، يعد ولا يفي، يمدح أمامك ويطعنك من الخلف. يستخدم المعلومات كسلاح، يحتكرها أو يوزعها بشكل انتقائي لخلق عدم توازن في القوة بين الموظفين.
الأخطر في أسلوبه هو الإضاءة الغازية Gaslighting، حيث يجعل الضحية تشك في إدراكها للواقع. عندما تواجهه بتصرف خاطئ، ينكر بشدة أو يلوي الحقائق أو يلقي اللوم عليك في سوء الفهم. مع الوقت، الموظفون يفقدون الثقة في حكمهم الخاص ويصبحون معتمدين نفسياً عليه.
النرجسي: الكون يدور حوله فقط
النرجسي مهووس بصورته وسمعته ومكانته. كل النجاحات تُنسب له حتى لو لم يكن له دور فيها، وكل الفشل يُلقى على الموظفين حتى لو كان هو المسؤول الوحيد. يسرق أفكار موظفيه ويقدمها على أنها إبداعه الخاص.
لا يحتمل النرجسي أن يتألق أحد غيره. الموظف المتميز يُنظر إليه كتهديد وليس كأصل، لذا يعمل النرجسي على تقويضه بطرق مباشرة أو غير مباشرة. النقد البناء يُفسر كهجوم شخصي، والاقتراحات للتحسين تُرفض لأنها تعني ضمناً أن هناك خللاً في قيادته.
علاقته بالموظفين قائمة على المنفعة البحتة. الولاء له شخصياً أهم من الكفاءة أو الإنجاز. يبني حوله دائرة من المتملقين الذين يغذون غروره، بينما يقصي الأصوات الناقدة أو المستقلة.
الفوضوي: العشوائية كنهج إداري
هذا الرئيس يفتقر للتنظيم والتخطيط والوضوح. الأولويات تتغير يومياً، والتوجيهات متناقضة، والتوقعات غامضة. اليوم يطلب شيئاً وغداً ينساه ويطلب نقيضه، ثم يلومك على عدم قراءة أفكاره.
الاجتماعات تُلغى وتُعاد جدولتها عشوائياً، والمواعيد النهائية تتغير دون سابق إنذار، والقرارات تُتخذ بطريقة ارتجالية دون دراسة. هذه الفوضى تخلق حالة من التوتر المستمر لدى الموظفين الذين لا يعرفون أبداً ما المتوقع منهم.
الفوضوي عادة غير متاح عندما تحتاجه، لا يرد على الرسائل، ويتأخر في اتخاذ القرارات الحرجة، لكنه قد يتدخل فجأة في تفاصيل صغيرة ويوقف كل شيء. هذا التذبذب بين التجاهل التام والتدخل المفرط يجعل العمل تحته كابوساً.
المتنمر: الإذلال كأسلوب إدارة
التنمر في مكان العمل يعتبر ويصنف سلوكيا خشونة أو صرامة وسلوك منهجي يهدف لإذلال الموظف وتحطيم ثقته بنفسه. المتنمر يختار ضحاياه بعناية، غالباً من هم مهددون لمكانته أو مختلفون عنه بطريقة ما.
أساليب التنمر متنوعة: الاستهزاء العلني، والسخرية من الأفكار، والانتقاد المستمر غير البناء، وتكليف الموظف بمهام مستحيلة ثم لومه على الفشل، أو العكس تكليفه بمهام تافهة أقل بكثير من مستواه لإهانته.
التنمر يشمل أيضاً العزل الاجتماعي، استبعاد الموظف من الاجتماعات المهمة، وحجب المعلومات الضرورية، ونشر الشائعات، والتشكيك العلني في كفاءته. الهدف هو دفع الموظف للاستقالة دون الحاجة لإنهاء خدماته رسمياً.
الغائب: القيادة بالإهمال
النقيض التام للقائد المتدخل، الغائب يدير بالإهمال الكامل. لا يعطي توجيهات، ولا يتابع التقدم، ولا يقدم دعماً، ولا يحل المشاكل. موجود فقط بالاسم والمسمى الوظيفي.
الموظفون تحته يشعرون بالضياع وعدم التقدير. لا يعرفون إن كانوا يؤدون بشكل جيد أم سيئ، لا يحصلون على تقييم للأداء ولا على تقدير للإنجازات. عندما تطلب مساعدته في مشكلة أو قرار، يتهرب أو يؤجل أو يرميها عليك بأن تتصرف كما تراه مناسباً.
هذا النمط يبدو أخف ضرراً من الأنماط العدوانية، لكنه في الواقع مدمر جداً. الموظفون يفقدون الحافز، ويشعرون بأن عملهم لا معنى له ولا قيمة، ويصابون بالإحباط من انعدام التقدم الوظيفي أو التطور المهني.
المحابي: العدالة غائبة والمحسوبية سائدة
يدير المحابي فريقه بناءً على العلاقات الشخصية والولاء له وليس على أساس الكفاءة والإنجاز. المقربون منه يحصلون على كل الفرص والمزايا والترقيات بغض النظر عن أدائهم، بينما الموهوبون لكن غير المنضوين في دائرته الداخلية يُهمشون.
هذه المحاباة تدمر روح الفريق وتقتل الحافز لدى الموظفين المجدين. لماذا يجتهد أحد إذا كانت المكافآت موزعة مسبقاً على الأصدقاء؟ المحاباة تخلق انقسامات حادة وعداوات وحقداً بين الموظفين.
الأخطر أن المحابي يحمي المفضلين لديه حتى عندما يرتكبون أخطاء جسيمة أو يسيئون السلوك، بينما يحاسب الآخرين بصرامة على أتفه الأخطاء. هذا الكيل بمكيالين يدمر أي ثقة في عدالة النظام.
العلامات الحمراء (Red Flags): كيف تتعرف على الرئيس السيئ
التعرف على الرئيس السيئ ليس دائماً سهلاً، خاصة في البداية حيث قد يخفي سلوكياته المدمرة خلف قناع الاحترافية. لكن هناك علامات حمراء واضحة إذا عرفت كيف تراها.
على مستوى التواصل والتفاعل
الرئيس السيئ لا يستمع حقاً. قد يبدو أنه يستمع، لكنه في الواقع ينتظر دوره للحديث أو قد قرر مسبقاً موقفه ولا يهتم بما تقول. يقاطع باستمرار، يرفض الأفكار دون نقاش حقيقي، يتجاهل المخاوف والمقترحات.
التواصل معه أحادي الاتجاه، هو يأمر وأنت تنفذ. لا يشرح الأسباب، ولا يناقش البدائل، ولا يطلب آراء. ردوده على الأسئلة غامضة أو متهربة أو عدوانية. يستخدم لغة تحقيرية أو ساخرة.
على مستوى إدارة الأداء
معاييره للتقييم غير واضحة أو متغيرة أو ذاتية بحتة. لا تعرف أبداً على أي أساس ستُقيم. التوقعات غير واقعية أو متناقضة. الأهداف تُحدد بطريقة تجعل الفشل حتمياً.
التقييم يأتي متأخر أو سلبي دائماً أو غير محدد. يركز على ما لم تفعله أو فعلته خطأً، ولا يعترف أبداً بإنجازاتك. حتى عندما تنجح، يجد شيئاً للانتقاد أو يقلل من أهمية الإنجاز.
على مستوى بيئة الفريق
معدل دوران الموظفين في فريقه عالٍ بشكل مريب. الناس يستقيلون بوتيرة منتظمة، أو ينتقلون لأقسام أخرى عند أول فرصة. الغياب المرضي مرتفع، والموظفون يبدون منهكين أو محبطين أو خائفين.
لا يوجد تعاون حقيقي في الفريق، بل منافسة سامة. الموظفون لا يثقون ببعضهم، يحجبون المعلومات، يتجنبون مساعدة بعضهم. الاجتماعات متوترة وغير منتجة. لا أحد يجرؤ على التحدث بصراحة.
على مستوى القرارات والنزاهة
قراراته غير متسقة أو تبدو محكومة بأجندات شخصية. يغير موقفه حسب من يتحدث معه. يكذب أو يلوي الحقائق أو ينكر أشياء قالها أو وعد بها. يخرق سياسات الشركة أو يطبقها بشكل انتقائي.
يسرق الفضل في نجاحات الآخرين ويلقي اللوم عليهم في فشله. يحمي أخطاءه بإلقاء اللوم على ظروف خارجية أو على الموظفين. لا يعتذر أبداً حتى عندما يكون مخطئاً بشكل واضح.
على مستوى التطوير والفرص
لا يستثمر في تطوير موظفيه. لا يوفر تدريباً، ولا يشجع على التعلم، ولا يدعم التطور المهني. بل قد يمنع موظفيه من فرص النمو خوفاً من أن يتفوقوا عليه أو يتركوه.
لا يفوض المهام الهامة، يحتكر الفرص المرئية والمشاريع المهمة لنفسه أو للمقربين منه. لا يرشح موظفيه للترقيات أو يمنعها بطرق خفية. يرى تقدمهم كتهديد وليس كإنجاز.
التكلفة الباهظة: الأثر المدمر للقيادة السيئة
الأضرار الناتجة عن الرؤساء السيئين تعتبر مشاعر مجروحة أو إزعاجات يومية وتكاليف حقيقية وقابلة للقياس تُدفع من جيوب المؤسسات والموظفين والمجتمع.
على المستوى الفردي
الموظف تحت قيادة سيئة يعاني من توتر مزمن يتحول لمشاكل صحية حقيقية: ارتفاع ضغط الدم، والأرق، والصداع المستمر، واضطرابات الجهاز الهضمي، وضعف المناعة. الدراسات تربط بوضوح بين الرؤساء السيئين وزيادة معدلات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
الصحة النفسية تتدهور بسرعة. القلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بعدم القيمة، كلها أعراض شائعة. النوم المضطرب والكوابيس حول العمل تصبح روتيناً. الموظف يجلب التوتر معه للبيت، مما يدمر علاقاته الأسرية والاجتماعية.
المسار المهني يتضرر بشدة. تحت قيادة سيئة، الموظف لا يتعلم ولا يتطور ولا ينجز إنجازات يمكن أن يفخر بها. سنوات من العمر تُهدر في بيئة سامة دون تقدم حقيقي. السيرة الذاتية تبقى راكدة، والمهارات لا تتطور، والشبكة المهنية لا تُبنى.
الأسوأ من كل ذلك، الموظف قد يستدخل الانتقادات المستمرة والمعاملة السيئة ويبدأ يصدقها. يشك في قدراته، ويفقد ثقته بنفسه، ويتحول من موظف واثق ومنتج إلى شخص خائف ومتردد. هذا الضرر النفسي قد يستمر حتى بعد ترك الوظيفة.
على مستوى الفريق
الفريق تحت قيادة سيئة يتحول من مجموعة متعاونة إلى كيانات منعزلة متنافسة بشكل غير صحي. الثقة المتبادلة تنهار، والتواصل يصبح سطحياً ودفاعياً. الموظفون يحمون ظهورهم بدلاً من دعم بعضهم.
الإبداع والابتكار يموتان تماماً. لماذا يقترح أحد فكرة جديدة إذا كان سيُسخر منه أو تُسرق فكرته أو يُلام إن فشلت؟ الفريق يلتزم الحد الأدنى المطلوب، يتجنب المخاطرة، ويفضل البقاء في منطقة الأمان حتى لو كان ذلك على حساب الإنتاجية.
أفضل العناصر تغادر أولاً، لأنهم يملكون الخيارات والقدرة على الحركة. يبقى الموظفون المتوسطون أو الذين لا خيار لهم. مع الوقت، مستوى الكفاءة الإجمالي للفريق ينخفض بشكل مأساوي.
على مستوى المؤسسة
التكلفة المالية المباشرة لدوران الموظفين هائلة. تقديرات متحفظة تشير إلى أن استبدال موظف واحد يكلف ما بين نصف إلى ضعف راتبه السنوي. في التكاليف المخفية للتوظيف والتدريب وفقدان الإنتاجية والمعرفة.
السمعة المؤسسية تتضرر. في عصر مواقع تقييم الشركات وشبكات التواصل الاجتماعي، الموظفون الحاليون والسابقون يتحدثون علناً عن تجاربهم السيئة. الشركات ذات السمعة السيئة تجد صعوبة متزايدة في جذب المواهب المتميزة.
الإنتاجية والجودة تتراجعان بشكل حاد. الموظفون المحبطون والخائفون لا يعطون أفضل ما لديهم. يعملون بالحد الأدنى المطلوب لتجنب المشاكل. الأخطاء تزداد، والابتكار يتوقف، والفرص تُهدر.
القدرة التنافسية للمؤسسة تتآكل تدريجياً. بينما المنافسون يبنون فرقاً قوية ومتحمسة ومبدعة، المؤسسة ذات القيادة السيئة تستنزف طاقاتها في الصراعات الداخلية وإدارة الأزمات وتعويض التسرب الدائم للمواهب.
استراتيجيات التصحيح: كيف نواجه ونعالج المشكلة
الاعتراف بوجود مشكلة هو الخطوة الأولى، لكن الأهم هو كيف نواجهها ونصححها. التصحيح يتطلب شجاعة ومثابرة واستراتيجية واضحة من مختلف الأطراف.
على مستوى الموظف الفرد: الدفاع عن النفس بذكاء
الموظف تحت رئيس سيئ ليس عاجزاً تماماً، لكن عليه أن يكون ذكياً واستراتيجياً في تعامله مع الوضع.
أولاً: التوثيق الدقيق سجل كل شيء. التعليمات المتناقضة، والوعود التي لم تُنفذ، والتعليقات المسيئة، والقرارات غير العادلة، كل ذلك يجب أن يُوثق بالتاريخ والتفاصيل. الرسائل الإلكترونية احتفظ بها، والمحادثات المهمة أكدها برسالة بريد إلكتروني لاحقة. هذا التوثيق سيكون سلاحك إذا احتجت للتصعيد أو الدفاع عن نفسك.
ثانياً: بناء تحالفات ذكية لا تواجه وحدك. تحدث بحذر مع زملاء تثق بهم، اكتشف إن كانوا يواجهون نفس المشاكل. القوة في الأعداد. إذا كان هناك نمط من السلوك السيئ يطال أكثر من موظف، الشكوى الجماعية أقوى تأثيراً وأقل خطورة من الشكوى الفردية.
ثالثاً: التواصل المهني والحازم. حاول التواصل المباشر مع رئيسك أولاً، بطريقة مهنية وموضوعية. اطلب اجتماعاً خاصاً، وضح مخاوفك بلغة محايدة تركز على التأثير على العمل وليس على المشاعر. قدم أمثلة محددة واقترح حلولاً بناءة. سجل ما دار في الاجتماع كتابياً.
رابعاً: التصعيد الاستراتيجي إذا فشل التواصل المباشر. صعّد للموارد البشرية أو للإدارة الأعلى، لكن بحكمة. قدم حالتك بشكل موضوعي، مدعومة بالأدلة والتوثيق، مركزاً على التأثير على الأداء والمؤسسة. تجنب الهجوم الشخصي أو الشكوى العاطفية. كن مستعداً لاحتمال الانتقام، ولذلك هذه خطوة لا تُتخذ إلا بعد تقييم دقيق للمخاطر.
خامساً: الاستعداد للخروج في بعض الحالات. الحل الأفضل هو المغادرة. حياتك وصحتك أهم من أي وظيفة. ابدأ البحث عن فرصة أفضل بهدوء، وحدّث سيرتك الذاتية، ووسع شبكتك المهنية. لا تترك بشكل اندفاعي، بل خطط للانتقال بعناية. عندما تجد فرصة أفضل، اترك باحترافية دون حرق الجسور.
على مستوى الزملاء والفريق: التضامن والدعم المتبادل
الفريق ككل يمكنه أن يلعب دوراً في الحد من تأثير الرئيس السيئ ودعم الأعضاء المتضررين.
بناء ثقافة دعم داخلية الزملاء يجب أن يدعموا بعضهم عاطفياً ومهنياً. الاستماع لبعضهم، ومشاركة الاستراتيجيات للتعامل مع الرئيس، وتقديم المساعدة عند الحاجة، كلها تخفف من الضغط.
التواصل المباشر البناء في بعض الحالات، مواجهة جماعية محترمة من الفريق للرئيس يمكن أن تكون فعالة. إذا قرر الفريق بأكمله أو أغلبيته التعبير عن مخاوف مشتركة بطريقة بناءة، الرئيس قد يضطر للاستماع.
الحفاظ على المعايير المهنية رغم سوء القيادة، الفريق يجب أن يحافظ على معايير أداء عالية وسلوك مهني. عدم الانجرار لنفس المستوى المنخفض من السلوك. الاحتفاظ بالنزاهة والاحترافية حتى في أصعب الظروف.
على مستوى الموارد البشرية: الحارس الحقيقي
الموارد البشرية تحمل مسؤولية حاسمة في اكتشاف ومعالجة مشاكل القيادة السيئة، لكن في كثير من الأحيان تفشل في أداء هذا الدور بفعالية.
آليات رصد استباقية لا تنتظروا الشكاوى الرسمية. أجروا استطلاعات دورية لقياس رضا الموظفين وثقافة الفريق. راقبوا معدلات الدوران والغياب في كل قسم. المؤشرات غير الطبيعية تستحق التحقيق الفوري.
تحقيقات جادة ومحايدة عندما تُرفع شكوى، حققوا بجدية وحيادية. لا تتخذوا موقفاً دفاعياً عن المدير لمجرد أنه في موقع قيادي. اجمعوا شهادات من موظفين متعددين، راجعوا البيانات الموضوعية، استمعوا بعقل مفتوح.
حماية فعالة للمبلغين الموظفون لن يتقدموا بشكاوى إذا خافوا من الانتقام. يجب أن تكون هناك سياسة واضحة وصارمة لحماية المبلغين، وأي محاولة انتقام يجب أن تُعاقب بشدة، حتى لو كان المنتقم في موقع قيادي عالٍ.
التدخل الحاسم إذا ثبت أن مديراً يمارس قيادة سيئة، التدخل يجب أن يكون حاسماً وسريعاً. برنامج تصحيحي مكثف مع مهل زمنية واضحة ومراقبة صارمة. إذا لم يحدث تحسن حقيقي، الإزالة من المنصب القيادي يجب أن تكون الخطوة التالية، بغض النظر عن مكانته أو علاقاته.
على مستوى الإدارة العليا: القدوة والمساءلة
الإدارة العليا تحدد الثقافة المؤسسية بأكملها. إذا كانت تتسامح مع القيادة السيئة أو تمارسها بنفسها، لا أمل في التصحيح.
القدوة في السلوك القيادي القادة العليا يجب أن يكونوا نماذج للقيادة الصحيحة. الاحترام، والشفافية، والعدالة، والاستماع، والتواضع، كلها يجب أن تُمارس من القمة.
مساءلة صارمة للقادة النجاح المالي أو الإنجازات التشغيلية لا تبرر القيادة السيئة. المدير الذي يحقق أرقاماً جيدة لكنه يدمر فريقه يجب أن يحاسب. معايير تقييم القادة يجب أن تتضمن كيف يقودون وليس فقط ماذا ينجزون.
استثمار في تطوير القيادات لا تفترضوا أن الشخص الذي كان ناجحاً كمنفذ سيكون قائداً جيداً تلقائياً. القيادة مهارة تُتعلم وتُطور. استثمروا في برامج تطوير قيادي مكثفة، وتوفير موجهين وكوتشز، وتقييم مستمر ودعم.
شفافية في القيم والتوقعات اجعلوا واضحاً تماماً ما هي السلوكيات القيادية المقبولة وغير المقبولة في مؤسستكم. لا مجال للغموض. القيم يجب أن تُنشر، وتُشرح، وتُعزز باستمرار.
برامج التطوير القيادي: من السيئ إلى الجيد
ليس كل رئيس سيئ ميؤوس منه. بعضهم يمكن أن يتحسنوا إذا أدركوا مشكلتهم وتلقوا الدعم والتوجيه الصحيح.
التقييم الشامل ثلاثمائة وستون درجة
قبل أي تطوير، يجب أن يكون هناك تقييم صادق وشامل. تقييم ثلاثمائة وستون درجة يجمع ملاحظات من الرؤساء، والأقران، والمرؤوسين، وحتى من الذات. هذا يعطي صورة كاملة عن نقاط القوة والضعف.
النتائج يجب أن تُقدم بطريقة بناءة لكن صريحة. الهدف ليس الإدانة، بل الوعي والتطوير. المدير يجب أن يرى بوضوح كيف يُنظر لقيادته من قبل فريقه.
التوجيه والكوتشينج المكثف (Coaching)
كوتش تنفيذي متخصص يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً. العمل واحداً لواحد مع المدير لفهم جذور سلوكياته السيئة، وتطوير وعي ذاتي أعمق، وبناء مهارات جديدة في التواصل والتعاطف وإدارة الفريق.
الكوتشينج يجب أن يكون عملياً، مع ممارسة للمهارات الجديدة في مواقف حقيقية، وتغذية راجعة فورية، وتعديلات مستمرة. ليس مجرد محاضرات نظرية.
برامج تدريبية متخصصة
التدريب على الذكاء العاطفي، وإدارة الضغوط، والتواصل الفعال، وبناء الفرق، وإدارة الصراعات، كلها مهارات يمكن تعلمها وتطويرها. البرامج يجب أن تكون تفاعلية وتطبيقية.
استخدام سيناريوهات واقعية، ولعب أدوار، ودراسات حالة، يساعد المديرين على رؤية أنفسهم من منظور مختلف وتجربة أساليب جديدة في بيئة آمنة.
المتابعة والمساءلة المستمرة
التطوير ليس حدثاً لمرة واحدة. يجب أن يكون هناك متابعة مستمرة، وتقييمات دورية للتحسن، ومحاسبة واضحة على الالتزام بالسلوكيات الجديدة. إذا لم يحدث تحسن حقيقي خلال فترة معقولة، قرارات صعبة يجب أن تُتخذ.
الوقاية خير من العلاج: كيف نمنع ظهور الرؤساء السيئين
الأفضل من تصحيح القيادة السيئة هو منع وصول أشخاص غير مؤهلين لمناصب قيادية من الأساس.
اختيار القادة بعناية فائقة
لا تعتمدوا فقط على الأداء التقني أو الأقدمية في الترقية للمناصب القيادية. قيموا المهارات القيادية والشخصية بدقة. استخدموا مراكز تقييم متطورة، ومقابلات سلوكية عميقة، وتقييمات نفسية.
راقبوا كيف يتعامل المرشح مع الآخرين، كيف يتصرف تحت الضغط، هل يستمع حقاً، هل يعترف بأخطائه، هل يقدر الآخرين، هل لديه تعاطف حقيقي. هذه الصفات أهم بكثير من المهارات التقنية.
تأهيل شامل قبل التعيين
لا ترمي شخصاً في منصب قيادي دون إعداد. برنامج تأهيل مكثف يغطي المهارات القيادية الأساسية، وسياسات المؤسسة، وتوقعات السلوك، يجب أن يكون إلزامياً قبل تولي أي منصب إداري.
برنامج موجه أو مرشد، حيث يتعلم القائد الجديد من قائد متمرس ناجح، يمكن أن يكون فعالاً جداً في نقل المعرفة والممارسات الجيدة.
رصد مبكر وتدخل سريع
لا تنتظروا حتى تتفاقم المشكلة. في الأشهر الأولى لأي قائد جديد، راقبوا عن كثب. استطلاعات سريعة للفريق، ولقاءات فردية، ومراقبة المؤشرات، كلها تساعد في اكتشاف أي مشاكل مبكراً.
التدخل المبكر أسهل وأكثر فعالية. محادثة صريحة مع القائد الجديد حول ملاحظة معينة، وتوفير الدعم والتوجيه الفوري، يمكن أن تمنع تطور المشكلة لسلوك راسخ.
بالمجمل: مسؤولية جماعية وضرورة ملحة
المدراء/الرؤساء السيئون ليسوا قدراً محتوماً يجب تحمله بصمت ولكن وباء يمكن ويجب مواجهته. المسؤولية مشتركة بين الموظفين الذين يجب أن يجدوا الشجاعة للحديث، والموارد البشرية التي يجب أن تقوم بدورها الحقيقي كحامي لثقافة المؤسسة، والإدارة العليا التي يجب أن تقود بالقدوة وتحاسب بصرامة.
المؤسسات التي تتسامح مع القيادة السيئة تدفع ثمناً باهظاً: مواهب تغادر، وإنتاجية تتراجع، وسمعة تتضرر، وقدرة تنافسية تتآكل. في المقابل، المؤسسات التي تستثمر في بناء قيادات صحية وفعالة تحصد عوائد مضاعفة من موظفين ملتزمين ومنتجين ومبدعين.
التغيير ممكن، لكنه يتطلب إرادة حقيقية وشجاعة لمواجهة الحقائق الصعبة واتخاذ قرارات قد تكون مؤلمة على المدى القصير لكنها ضرورية للنجاح على المدى البعيد. كل موظف يستحق أن يعمل تحت قيادة تحترمه وتقدره وتطوره، وكل مؤسسة تستحق قادة يبنون ولا يهدمون.
الوقت قد حان لكسر الصمت، لتسمية الأشياء بمسمياتها، ولبناء ثقافة مؤسسية لا تتسامح مع القيادة السيئة مهما كانت الأعذار أو المبررات. القيادة الصحيحة ليست رفاهية أو مثالية بعيدة المنال، بل ضرورة وجودية لأي مؤسسة تطمح للنجاح والاستمرار في عالم سريع التغير ومتزايد التنافسية.



