مؤشر S&P 500: رحلة عوائد استثنائية في عصر العشرينيات المزدهرة

شهد العقد الحالي، المعروف بـ ” العشرينيات المزدهرة” (The Roaring Twenties)، تحولات اقتصادية ضخمة انعكست على الأسواق المالية العالمية، لا سيما مؤشر S&P 500. هذا العقد تميز بنمو اقتصادي قوي وعوائد سوقية مرتفعة رغم التحديات العالمية غير المسبوقة مثل جائحة كورونا، الحروب الجيوسياسية، وأزمات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
في هذا السياق، سجل مؤشر S&P 500 عوائد مذهلة في السنوات الأخيرة، حيث قفز بنسبة 23% في عام 2024 وحده، محققًا واحدة من أفضل أدائه السنوي منذ أواخر التسعينيات. وخلال عامين فقط، ارتفع المؤشر بنسبة 53%، مما يجعله أحد أقوى الفترات الثنائية في التاريخ الممتد للمؤشر.
قراءة تاريخية لعوائد المؤشر: رحلة تقلبات وفرص
على مدار أكثر من 150 عامًا منذ إنشاء مؤشر S&P 500، شهدت عوائده تقلبات واسعة بين ارتفاعات وانخفاضات تعكس طبيعة الأسواق المالية:
• العوائد المرتفعة (20% إلى 30%):
حدثت هذه العوائد في 22 عامًا منذ إنشاء المؤشر، وهو ما يمثل حوالي 14.6% من إجمالي السنوات. أبرز الأمثلة تشمل عام 1927، الذي شهد طفرة استثنائية في الأسواق، وكذلك عام 1985، حين تعافت الأسواق بعد فترة ركود اقتصادي.
• العوائد الإيجابية المعتدلة (10% إلى 20%):
كانت هذه العوائد الأكثر شيوعًا، حيث حدثت في 33 عامًا، أي ما يمثل حوالي 21.9% من الإجمالي. سنوات مثل 1965 و1995 شهدت نموًا مستقرًا ومتوازنًا للمؤشر نتيجة لاستقرار اقتصادي نسبي.
• العوائد السلبية المعتدلة (0% إلى -10%):
تكررت في 25 عامًا (حوالي 16.6%) من إجمالي السنوات، أبرزها عام 1994، الذي تأثر بزيادات أسعار الفائدة.
• التراجعات الحادة (-10% إلى -20%):
حدثت في 18 عامًا، بنسبة 11.9%. كان عام 1974 من أبرزها، حيث شهدت الأسواق هبوطًا حادًا نتيجة لأزمة النفط العالمية.
• الخسائر الكبيرة (-30% أو أقل):
نادرة للغاية، ولم تحدث إلا في 3 سنوات فقط، تمثل 2% من السنوات. أبرز هذه السنوات كانت 1931 خلال فترة الكساد الكبير، و2008 في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
تُظهر هذه التحليلات أن السنوات التي حقق فيها المؤشر مكاسب كبيرة كانت غالبًا مرتبطة بانتعاش اقتصادي أو طفرات تكنولوجية، بينما كانت الخسائر الحادة مرتبطة بأزمات عالمية كبرى مثل الكساد أو الأزمات المالية.
العشرينيات المزدهرة: ازدهار تقني يقود الأسواق
ما يميز العوائد الأخيرة لمؤشر S&P 500 هو القوة الهائلة لقطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. في عام 2024، كانت “الشركات السبع العظيمة” (Magnificent Seven) مسؤولة عن أكثر من نصف مكاسب المؤشر:
• Nvidia: ارتفع سهمها بنسبة 171% نتيجة استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي.
• Tesla: سجلت نموًا بنسبة 63%.
تجاوزت استثمارات هذه الشركات في التقنيات المتقدمة 400 مليار دولار سنويًا، وهو ما يعكس تحولًا هيكليًا في الاقتصاد نحو تقنيات المستقبل.
توقعات مستقبلية: استمرار النمو أم بداية تباطؤ؟
رغم التفاؤل العام، تشير التحليلات إلى أن تحقيق عوائد مرتفعة لثلاث سنوات متتالية (فوق 20%) يعد أمرًا نادرًا تاريخيًا. فعلى مدار الـ 151 عامًا الماضية، حدث ذلك عشر مرات فقط.
السيناريو الإيجابي:
• انخفاض أسعار الفائدة يشجع على التوسع في الاستثمارات.
• تخفيض الضرائب يعزز أرباح الشركات.
• استمرار الابتكار التقني في الذكاء الاصطناعي يدفع عجلة النمو.
سيناريو المخاطر:
• التعريفات الجمركية قد ترفع التكاليف وتحد من النمو.
• التضخم يثقل كاهل الاقتصاد والأسواق.
• الصراعات الجيوسياسية تضيف تقلبات جديدة للأسواق.
العقد الحالي: دروس في المرونة الاقتصادية
منذ بداية العشرينيات، ارتفعت الأسهم العالمية بنسبة 50%، وزاد الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للولايات المتحدة بأكثر من 30%، في حين قفزت أرباح الشركات الأمريكية بنسبة 70%. هذا النمو الكبير، رغم الأزمات، يعكس مرونة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على التكيف.
الاستثمار المستدام وتنويع المحافظ
مع ازدياد التقلبات المحتملة، يظل الاستثمار المستدام وتنويع المحافظ المالية حجر الزاوية لضمان مواجهة أي صدمات اقتصادية محتملة، والاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في السنوات القادمة.
ختامًا، يمثل مؤشر S&P 500 مرآة تعكس التحولات الاقتصادية والتقنية الكبرى في العالم، مما يجعله مؤشرًا حيويًا لتقييم الاقتصاد العالمي ومستقبله.