مقالات

طرق غسل الأموال المبتكرة وتمويل الإرهاب

بقلم/ د. محمد غازي المهنا

دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال

m7md_almuhanna@hotmail.com

مقدمة

تُعَدّ عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب من الظواهر التي تُثير قلق المجتمع الدولي، إذ أثّر عصر العولمة في تطوّر الأساليب والوسائل المستخدمة في تنفيذها. فلم تعد هذه الجرائم مقتصرة على صورها التقليدية، بل أصبحت تُمارس عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة، لا سيّما تلك التي تعتمد على شبكة الإنترنت. وفي هذه السلسلة من المقالات، سنتناول هذا الموضوع بتفصيل وتعمّق.

غسل الأموال وتأثيرها على الاقتصاد

تُلحق عمليات غسل الأموال أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الوطني والعالمي، فهي تُضعف الثقة في الأنظمة المالية وتُشوّه الأسواق، كما تُسهم في تهريب رؤوس الأموال وتغذية الفساد والجريمة المنظمة. وتُعدّ هذه الظاهرة من أخطر التحديات التي تواجه المؤسسات المصرفية والرقابية، نظرًا لتعقّد أساليبها وتطوّر أدواتها.

تعريف غسل الأموال

ما المقصود بمصطلح غسل الأموال؟

ظهر مصطلح “غسل الأموال” لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية، عندما قام أحد رجال الأعمال التابعين لإحدى منظمات المافيا بشراء مغسلة عامة يتم التعامل فيها بالفئات النقدية الصغيرة من الدولار الأمريكي. وفي نهاية كل يوم، كان يُضيف إلى أرباحها جزءًا من العائدات الناتجة عن تجارة المخدرات، ليُضفي بذلك صبغة المشروعية على مصدر هذه الأموال. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا السلوك يُعرف بمصطلح غسل الأموال.

ولغرض التوضيح، يمكن تعريف غسل الأموال بعدة صيغ:

  1. جميع التصرفات التي تُستخدم لتغيير صفة الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، بحيث تبدو كأنها متحصلة من مصدر مشروع.
  2. استخدام وسائل متعددة لإضفاء الشرعية على الأموال المتحصلة من مصادر غير قانونية.
  3. بحسب القانون الكويتي رقم (35) لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، تُعرّف هذه الجريمة بأنها عملية أو مجموعة من العمليات المالية أو غير المالية التي تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة، وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع.

تعريف غسل الأموال على المستوى الدولي

يُعرَّف غسل الأموال عالميًا بأنه كل سلوك ينطوي على اكتساب أو حيازة أو إدارة أو تحويل أموال متحصلة من جريمة منصوص عليها في القانون، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه، أو تغيير حقيقته أو عرقلة الوصول إلى الجريمة الأصلية.

ويُقصد بمصطلح غسل الأموال في الوقت الراهن القيام بتصرفات مالية مشروعة ظاهريًا بأموال تم اكتسابها بطرق غير مشروعة، وذلك عبر استخدامها مرارًا في مؤسسات مالية مختلفة وفي فترات زمنية قصيرة، مثل إيداعها في بنوك خارجية، أو استثمارها في شراء العقارات، أو المساهمة في البورصات، أو إنشاء شركات وهمية لتسجيل الأموال باسمها، بهدف إخفاء المصدر الحقيقي وتضليل الجهات الرقابية.

الجهات الرئيسة في نشاط غسل الأموال

من أبرز الجهات والعصابات المتورطة في أنشطة غسل الأموال عبر التاريخ:

  1. عصابات المافيا الأمريكية.
  2. المافيا البلغارية.
  3. العصابات الآسيوية المنظمة.
  4. المافيا البولندية.
  5. المافيا الروسية.
  6. عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية.
  7. المنظمات الإجرامية اليابانية.

مصادر الأموال غير المشروعة

تتعدد مصادر ما يُعرف بـ “الأموال القذرة”، ومن أبرزها: تجارة وزراعة وصناعة المخدرات، الدعارة، تجارة الرقيق، التهرب من الضرائب والرسوم، الرشوة والعمولات الخفية، التربح غير المشروع واستغلال المناصب، التجسس، السرقة، الاختلاس، الابتزاز، الغش التجاري، الاتجار بالسلع الفاسدة والمحرّمة، التزوير في النقود والوثائق والعلامات التجارية، والمعاملات الوهمية.

أساليب غسل الأموال

تتنوع أساليب غسل الأموال بحسب طبيعة الأموال ومصادرها، ومن أبرزها:

– إيداع الأموال في بنوك محلية ثم تحويلها بين بنوك مختلفة لدمجها مع أموال مشروعة وإخفاء مصدرها الحقيقي.

– تحويل الأموال من بنوك داخلية إلى بنوك عالمية ذات فروع متعددة، ثم تنفيذ تحويلات متكررة عبر فروعها لإرباك عمليات التتبع.

– سحب الأموال واستخدامها في شراء العقارات أو تأسيس شركات عابرة للحدود.

– خلط الأموال الحرام بأموال حلال واستثمارها في مشاريع قانونية لإخفاء مصدرها الأصلي.

– إنشاء شركات وهمية أو تنفيذ معاملات تجارية صورية بغرض تمرير الأموال عبر مراحل متعددة من التحويل.

يشير صندوق النقد الدولي إلى أن تايلاند تتصدر قائمة الدول التي تُمارس فيها عمليات غسل الأموال الإلكتروني على نطاق واسع، في ظل حرية حركة رؤوس الأموال وتنامي الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمضاربات المالية في البورصات. كما أن بعض البنوك في الدول النامية والمتقدمة تتسابق أحيانًا للاستفادة من هذه الظاهرة عبر الثغرات القانونية، ما يُسهِّل التفاف المجرمين على القوانين واستغلال المؤسسات المالية.

خاتمة

تُعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا وطنيًا ودوليًا، وتشمل تشديد التشريعات، وتعزيز الرقابة المالية والمصرفية، وتبادل المعلومات بين الجهات المختصة، وتطوير آليات المتابعة لمواكبة التطور التقني. وسنواصل في المقالات القادمة التطرّق إلى الأساليب الحديثة لغسل الأموال الإلكترونية، ودور المؤسسات الرقابية في الحدّ منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى