مقالات

القاتل الصامت لأرباح الشركات

 

بقلم/ سـيد ترهـــوني ـــ مدير إدارة مخاطر                                                                       CMA, PMI-RMP

 

عندما نقرأ البيانات المالية للشركات المدرجة أو الكيانات الكبرى، غالباً ما تتجه الأنظار فوراً إلى “السطر الأول” (الإيرادات) و”السطر الأخير” (صافي الربح). وبين هذين السطرين، تدور معركة خفية لا يراها الكثيرون، معركة لا تحدد فقط أرقام التوزيعات السنوية، بل تحدد مصير الشركة وقدرتها على الاستمرار والصمود. إنها معركة الكفاءة التشغيلية.

في ظل تقلبات الأسواق الحالية، لم يعد التحدي هو “كيف نبيع أكثر؟”، بل “كم يتبقى في جيوبنا بعد البيع؟”. بصفتي متخصصاً في إدارة المخاطر، أرى أن الخطر الأكبر الذي يواجه الشركات اليوم ليس بالضرورة انهيار الأسواق أو تقلبات اسعار النفط والفائدة، بل هو ما أسميه التآكل الصامت لهوامش الربح، والذي يحدث بسبب إهمال إدارة المخاطر التشغيلية.

لصوص الربحية” … أين يختفي العائد الحقيقي؟

تخيل شركة تحقق نمواً في المبيعات بنسبة 20%، لكن أرباحها الصافية تنمو بـ 2% فقط. أين الخلل؟

الخلل يكمن غالباً في “المخاطر التشغيلية” غير المدارة. والتي قد تتسلل عبر، هدر في الموارد، غرامات تأخير بسبب سوء التخطيط، تعطل مفاجئ في الأنظمة الرقمية، أو اعتماد مفرط على إجراءات يدوية بطيئة. هذه ليست مجرد “مصاريف نثرية”، بل هي لصوص يقتطعون جزءاً من حق المساهم قبل أن يصل إليه.

دور إدارة المخاطر هنا ليس “الشرطي” الذي يراقب الموظفين، بل هو “المهندس” الذي يصمم عمليات (Processes) محكمة تغلق هذه الثقوب، وتضمن أن كل دينار يدخل كإيراد، يصب في النهاية في وعاء الربحية بأقل قدر من التسرب.

عندما يصبح “شريكك” هو نقطة ضعفك

في عالمنا المترابط، لا توجد شركة تعمل بمعزل عن غيرها. سواء كنت في قطاع التجزئة، أو الخدمات، أو الصناعة، أنت تعتمد على شبكة من الموردين والشركاء. لكن هل سألت الادارة نفسها: ماذا لو تعثر المورد الرئيسي؟ ماذا لو تغيرت أسعار الشحن فجأة؟

الشركات التي لا تملك خطط طوارئ واضحة ومختبرة، ستضطر لدفع أضعاف التكلفة لحل الأزمة في اللحظة الأخيرة. الإدارة الحديثة للمخاطر تقوم بتقييم “متانة” هؤلاء الشركاء مسبقاً، وتضع سيناريوهات بديلة. هذا ليس تشاؤماً، بل هو حماية لهوامش الربح من أن تلتهمها “فواتير الطوارئ”.

السمعة… الأصل الاستراتيجي الذي يغتاله الفشل التشغيلي

أخطرالمخاطر التشغيلية اليوم هي تلك التي تمس “السمعة”. خطأ بسيط في خدمة العملاء، أو تسريب بيانات، أو منتج غير مطابق للمواصفات، قد يتحول في عصر “السوشيال ميديا” إلى أزمة رأي عام تضرب القيمة السوقية للشركة في مقتل.

تكلفة “إصلاح السمعة” باهظة جداً وقد تستنزف أرباح سنوات. لذلك، فإن الاستثمار في أنظمة الرقابة والجودة والامتثال ليس “تكلفة إضافية”، بل هو “بوليصة تأمين” تحمي العلامة التجارية التي هي المصدر الأول للإيرادات.

ختاماً: الربح الحقيقي يكمن في التفاصيل

إن تعظيم عوائد المساهمين لا يأتي فقط من اقتناص الفرص الاستثمارية الجديدة، بل يأتي بنفس القدر من سد منافذ الهدر ورفع المناعة التشغيلية للمؤسسة. الشركات القوية هي التي تدرك أن “الربح الحقيقي” يكمن في التفاصيل، وأن ادارة المخاطر هي الشريك الاساسي في تعظيم هذا الربح من خلال حمايته من التآكل.

وكما يقول المثل: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”

وفي عالم الأعمال أقول: “دينار محمي من الهدر، أفضل من عشرة دنانير مهددة بالضياع

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى