الكويتمقالات

رسوم ترامب الجمركية في يوم التحرير: هل هي علاجٌ أسوأ من الداء؟

في خطوةٍ مثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا فرض رسوم جمركية، تشمل 10% كحد أدنى على جميع الدول اعتبارًا من 5 أبريل، مع زيادات تصل إلى 34% على الواردات الصينية و46% على فيتنام و20% على الاتحاد الأوروبي. ورغم أن كندا والمكسيك استُثنيتا مؤقتًا بموجب اتفاقية USMCA، فإن المخاطر التجارية لا تزال قائمة مع زيادات تصل إلى 25% على بعض السلع الصينية. ورغم أن كندا والمكسيك استُثنيتا مؤقتًا بموجب اتفاقية USMCA، فإن المخاطر التجارية لا تزال قائمة.
جاء هذا القرار تحت شعار “التحرير الاقتصادي”، مدعومًا بمبرر تقليص العجز التجاري الأمريكي، الذي بلغ 295 مليار دولار مع الصين و236 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي في عام 2024. ولكن هل هذه السياسة الحمائية هي الحل الأمثل، أم أنها مجرد مسكّن مؤقت قد يفاقم الأزمات الاقتصادية؟
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأجنبية، بدءًا من الخميس 3 أبريل، مؤكدًا أنها ستعيد التوازن التجاري وتحمي الاقتصاد الأمريكي مما وصفه بـ” نهب أمريكا لعقود من قبل دول صديقة”. وفي خطاب ألقاه اليوم، قال ترامب: “إنه يوم التحرير الذي انتظرناه… من يفرض علينا رسومًا جمركية سنفرض عليه رسومًا بالمثل”، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات ستجعل أمريكا عظيمة مجددًا وستعيد العصر الذهبي للصناعة الأمريكية.
كما أعلن الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة ستفرض رسومًا بنسبة 25% على كافة السيارات المصنعة في الخارج، منتقدًا سياسات الاتحاد الأوروبي، الذي اتهمه بعرقلة دخول المنتجات الأمريكية إلى أسواقه. وأكد أن هذه القرارات تهدف إلى حماية المزارعين الأمريكيين الذين يعانون من قيود تجارية على صادراتهم. وأوضح ترامب أن العجز التجاري الأمريكي وصل إلى 1.2 تريليون دولار العام الماضي، وهو مستوى قياسي غير مسبوق، ما دفع إدارته إلى اتخاذ هذه الإجراءات لضمان عودة المصانع الأمريكية المهاجرة وتحفيز الإنتاج المحلي.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أنه سيوقع أمرًا تنفيذيًا خلال الساعات المقبلة، على أن يبدأ تنفيذ الرسوم الجمركية الجديدة اعتبارًا من الغد، مؤكدًا أن القائمة النهائية لنسب الرسوم المفروضة على كل دولة ستُنشر قريبًا. يأتي هذا القرار في وقت يثير مخاوف من تصاعد حرب تجارية عالمية، وسط ترقب لردود فعل الدول المتضررة من هذه الإجراءات.
تصاعد التوترات التجارية
يرى البعض أن هذه الإجراءات قد تُسرّع من اندلاع حرب تجارية عالمية تهدد برفع التضخم وإبطاء نمو الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
وقد أثارت الرسوم الجمركية الشاملة إدانة مفاجئة من العديد من الحلفاء الأمريكيين، الذين وجدوا أنفسهم متأثرين بمعدلات رسوم جمركية غير متوقعة. هذه الإجراءات تهدد بإقامة حواجز جديدة حول أكبر اقتصاد مستهلك في العالم، مما يعكس تراجعًا عن عقود من تحرير التجارة التي شكلت النظام الاقتصادي العالمي.
من المتوقع أن ترد الدول المتضررة بإجراءات مضادة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير على مجموعة واسعة من السلع، من الدراجات الهوائية إلى النبيذ.
فقد تراجعت العقود الآجلة للأسواق الأمريكية بشكل حاد بعد الإعلان، في أعقاب أسابيع من التداولات المتقلبة، حيث تكهن المستثمرون حول تأثير الرسوم الجديدة على الاقتصاد العالمي، والتضخم، وأرباح الشركات. كما فقدت الأسهم الأمريكية ما يقارب 5 تريليونات دولار من قيمتها منذ منتصف فبراير.
تفاصيل الرسوم الجمركية الجديدة
بموجب هذه القرارات، سيتم فرض رسوم بنسبة 34% على الواردات الصينية، بالإضافة إلى 20% كانت قد فُرضت سابقًا، ليصل إجمالي الرسوم الجديدة إلى 54%. كما لم تُستثنَ الحلفاء المقربون من هذا الإجراء، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه رسومًا بنسبة 20%، واليابان التي تستهدفها رسوم بنسبة 24%. سيدخل النظام الأساسي حيز التنفيذ في 5 أبريل، بينما ستدخل الرسوم المتبادلة حيز التنفيذ في 9 أبريل.
وقد ارتفع معدل الضريبة على الواردات الأمريكية إلى 22% في عهد ترامب، مقارنة بـ 2.5% فقط في عام 2024، وفقًا لرئيس قسم البحوث الأمريكية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني. وقال أولوا سونولا في بيان: “آخر مرة كان فيها هذا المعدل بهذا الارتفاع كانت في حوالي عام 1910. هذه نقطة تحول، ليس فقط للاقتصاد الأمريكي، ولكن للاقتصاد العالمي. من المحتمل أن تنتهي العديد من الدول في حالة ركود إذا استمر هذا المعدل لفترة طويلة”.
السياسة الحمائية: إغراءٌ سطحي
لا شك أن الدعوة إلى “حماية الصناعات الأمريكية” تلقى صدىً عاطفيًا قويًا، خاصة في الولايات التي تعاني من تراجع التصنيع. تبدو فكرة أن فرض الرسوم الجمركية سيعيد الوظائف الصناعية إلى أمريكا مغرية، ولكن البيانات الاقتصادية تخبرنا قصة مختلفة:
1- الاتفاقيات التجارية الحرة لم تحل المشكلة: رغم الإعفاءات الجمركية مع كندا والمكسيك بموجب اتفاقية USMCA، لا يزال العجز مع المكسيك عند 172 مليار دولار في 2024. ويؤكد الخبراء أن المشكلة لا تتعلق بالرسوم الجمركية فقط، بل بتركيبة التجارة العالمية التي تتطلب حلولًا شاملة وليست مجرد إجراءات أحادية الجانب.
2- المستهلك الأمريكي هو الخاسر الأكبر: عندما تُفرض رسوم جمركية على الواردات، تنتقل التكلفة الإضافية في النهاية إلى المستهلك. وفقًا لتقديرات جامعة هارفارد، قد تدفع الأسر الأمريكية ما يصل إلى 2000 دولار إضافية سنويًا بسبب ارتفاع أسعار السلع. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الرسوم الجمركية الجديدة قد ترفع تكاليف السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 10% في بعض القطاعات. فهل هذا هو “التحرير الاقتصادي” الذي يتحدث عنه ترامب؟
3- الردود الدولية ستضر الاقتصاد الأمريكي: عندما ترفع الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية، ستفرض الدول الأخرى تعريفات مماثلة على الصادرات الأمريكية. وسيؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية على المزارعين الأمريكيين والعاملين في قطاعات مثل السيارات والإلكترونيات، التي تعتمد على الأسواق الدولية.
هل هناك بدائل أفضل؟
بدلاً من اللجوء إلى الإجراءات الحمائية التي تضر بالاقتصاد العالمي وتزيد الأعباء على المواطنين، يمكن للولايات المتحدة اتباع استراتيجيات أكثر فعالية، مثل:
1- الاستثمار في الابتكار والقدرة التنافسية: لو خصصت الحكومة الأمريكية جزءًا من العائدات الجمركية لدعم البحث والتطوير في الصناعات التحويلية، لكانت النتائج أفضل على المدى الطويل. على سبيل المثال، يمكن توجيه 10% من العائدات إلى دعم الابتكار في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة أو الصناعات الإلكترونية.
2- إصلاح النظام الضريبي للشركات: بدلاً من معاقبة الواردات، يمكن جعل البيئة الاستثمارية في أمريكا أكثر جذبًا للشركات العالمية، مما يشجع على إقامة مصانع جديدة وخلق فرص عمل. مع معدل ضريبة الشركات في أمريكا الذي يبلغ حوالي 21% مقارنة بـ 12.5% في بعض الدول الأوروبية، قد يؤدي تعديل الأنظمة الضريبية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز النمو الاقتصادي.
3- تعزيز الشراكات الاستراتيجية: بدلاً من خوض حرب تجارية مع أوروبا والصين، يمكن للولايات المتحدة التفاوض على اتفاقيات أكثر توازنًا تضمن وصول المنتجات الأمريكية إلى الأسواق العالمية بإنصاف، مع ضمان حماية العمال والصناعات المحلية.
الخلاصة: الحمائية وهمٌ اقتصاد
صحيح أن العجز التجاري الأمريكي مشكلة حقيقية، ولكن فرض الرسوم الجمركية العشوائية ليس حلًا ذكيًا. يخبرنا التاريخ الاقتصادي أن الحمائية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو، دون تحقيق النتائج المرجوة على المدى الطويل.
إذا أرادت الولايات المتحدة حقًا “التحرر الاقتصادي”، فالأجدى بها أن تستثمر في تعزيز قدراتها التنافسية بدلاً من عزل نفسها عن العالم. ففي عصر العولمة، لا يُبنى الرخاء بالجدران الجمركية، بل بالتعاون والابتكار. كما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول: “الانفتاح على العالم هو الذي يعزز القوة الاقتصادية، وليس العزلة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى