مقالات

إقالة أو استقالة مسؤول الالتزام الرقابي… جرس إنذار لا ينبغي تجاهله

بقلم: عماد الحسين

 

في بيئة الأعمال الخاضعة للرقابة المشددة، يمثل مسؤول الالتزام الرقابي Compliance Officer خط دفاع ضد المخاطر القانونية والتنظيمية وسمعة الشركة. فهو ليس مجرد موظف، بل هو حارس البوابة الذي يمنع مرور المخالفات، ويعمل كحلقة وصل حيوية بين الشركة والجهات الرقابية مثل هيئة أسواق المال، بنك الكويت المركزي، ووحدة تنظيم التأمين.

لكن ما الذي يحدث عندما يختفي هذا الحارس فجأة؟ سواء عبر استقالة مفاجئة أو إنهاء خدماته دون مبررات واضحة، ألا يستحق هذا الوضع إضاءة مصابيح الإنذار في مكاتب الجهات الرقابية؟

 

هل هي ثغرة صامتة في أنظمة الرقابة؟

رغم أن القوانين الكويتية (مثل قانون هيئة أسواق المال رقم 7 لسنة 2010، وقانون الشركات رقم 1 لسنة 2016، والتعليمات الرقابية الصادرة عن بنك الكويت المركزي ووحدة تنظيم التأمين) تفرض على الشركات تعيين مسؤول التزام معتمد، إلا أن هناك فجوة تنظيمية واضحة فلا يوجد نص يلزم الشركة أو الجهة الرقابية بالتحقيق في الأسباب الحقيقية وراء مغادرة مسؤول الالتزام، سواء بالاستقالة أو الإنهاء وهذا الصمت المؤسسي يفتح الباب أمام احتمالات مقلقة:

1- إجبار مسؤول الالتزام على مخالفة القوانين أو التغاضي عن مخالفات.

2- تمرير مخالفات جوهرية بإبعاد الشخص الذي يعترض عليها.

3- التضييق المتعمد على الاستقلالية المهنية عبر وضع أشخاص غير مؤهلين أو موالين للإدارة فوقه مباشرة، بهدف دفعه إلى الاستقالة.

 

المؤشر الخطر: متى تصبح الاستقالة رسالة مشفرة؟

في العالم المالي المتقدم، تُعتبر الاستقالة المفاجئة لمسؤول الالتزام حدثاً مادياً Material Event يوجب الإفصاح الفوري والتحقيق وفق المنطق فإذا كان الشخص المسؤول عن حماية الشركة من المخالفات يغادر فجأة، فقد يكون السبب أن شيئاً خطيراً يحدث خلف الكواليس وتجاهل هذا المؤشر يعرض الجهة الرقابية لفقدان فرصة اكتشاف المخالفة في بدايتها.

 

لماذا لا يتم استدعاء مسؤول الالتزام المستقيل؟

السبب يعود غالباً إلى ثلاثة عوامل:

1- غياب النص القانوني الملزم: الجهات الرقابية لا تمتلك حالياً سلطة صريحة للتحقيق في أسباب مغادرة المسؤول إلا إذا رافقها بلاغ أو شكوى.

2- الاعتبارات المؤسسية: بعض الجهات تتجنب الدخول في نزاعات داخلية بين الموظفين والإدارة.

3- الثقافة التنظيمية: في بيئات معينة، يُنظر إلى الاستقالات كـ “شأن إداري داخلي” وليس مؤشراً رقابياً.

لكن (برأيي) هذا المنطق لم يعد مقبولاً في ظل تعقيد العمليات المالية وارتفاع مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتلاعب بالأسواق وانهيار المؤسسات وعمليات تعارض المصالح.

 

الحماية القانونية المفقودة

أغلب أنظمة العمل في المنطقة توفر حماية عامة من الفصل التعسفي، لكن لا توجد حماية خاصة لمسؤول الالتزام الرقابي رغم حساسية موقعه. وهذا يخلق مفارقة خطيرة أن القانون يفرض وجوده ويمنحه صلاحيات ولكن لا يحميه إذا مارس صلاحياته بجدية وأغضب الإدارة.

في المقابل، نرى في دول مثل المملكة المتحدة (FCA) والولايات المتحدة (SEC) تشريعات خاصة لحماية موظفي الالتزام والمبلغين عن المخالفات، بما في ذلك عدم جواز فصلهم أو مضايقتهم بسبب قيامهم بواجباتهم الرقابية وإلزام الشركة بالإفصاح عن أسباب مغادرتهم للجهة الرقابية كما أن هناك حق الجهة الرقابية في استدعائهم شخصياً لأخذ شهادتهم.

 

التوصيات التشريعية والرقابية

1- إدراج مادة صريحة في لوائح الجهات الرقابية، تنص على إلزام الشركات بإخطار الجهة الرقابية فور استقالة أو إنهاء خدمات مسؤول الالتزام، مع بيان الأسباب (بخلاف الإفصاح الشكلي في البورصة) وحق الجهة الرقابية في استدعاء المسؤول المستقيل للاستماع إلى روايته قبل قبول الإخطار.

2- منح حماية وظيفية خاصة لمسؤولي الالتزام، تمنع إنهاء خدماتهم إلا بعد التحقيق في أسباب الفصل من قبل الجهة الرقابية.

3- إنشاء آلية تظلم سرية تتيح لمسؤول الالتزام رفع بلاغات مباشرة إلى الجهة الرقابية دون خوف من الانتقام.

4- خلق ثقافة لدى مجالس الإدارة لفهم دور مسؤول الالتزام كأداة حماية للشركة، وليس كخصم داخلي.

 

إن استقالة أو إنهاء خدمات مسؤول الالتزام ليست مجرد حركة إدارية في جدول الموارد البشرية؛ بل قد تكون إشارة إنذار حمراء قد تعني أن الشركة على وشك تجاوز خط قانوني أو أخلاقي خطير.

في غياب حماية قانونية وآلية رقابية صارمة، سنبقى معرضين لمواقف يتم فيها إسكات “حارس البوابة” قبل أن يطلق صافرة الإنذار. ونرى بأنه قد حان الوقت للتحرك الاستباقي للجهات الرقابية عند اختفاء صوت مسؤول الالتزام من المشهد بدون مبرر كأن يستقيل دون الحصول على عرض أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى