
من أشد أنواع البلاء هو الفساد الداخلي الذي يقوده أصحاب المناصب القيادية في الشركات والكيانات التجارية الكبرى. إنه أشد إيلاماً ومرارة وأقسى من طعنات “السكين” في الظلام، أو رصاصات الغدر ..
عندما تؤتمن وتخون من ائتمنك فإنها بكل المقاييس نكسة ونكبة وصدمة ما بعدها صدمة!
المناصب القيادية في الشركات التجارية مسؤولية وأمانة عظيمة وليست فرصة للتربح أو الاستفادة من المعلومات التي تتكشف لصاحب المنصب القيادي من مختلف القنوات.
لكن أمام هكذا وقائع فالمسؤولية الكبرى تقع على أصحاب وأرباب الأعمال في انتقاء ليس فقط صاحب الخلق، بل الأعلى خلقاً، فالأخلاق درجات ومراتب، ثم الأكفأ والأكثر خبرة وعلماً، خصوصاً وأن الرادع الأكثر تأثيراً هو الأخلاق، تلك الصفة العظيمة العميقة في معانيها وأبعادها، والقليل من يتصف بها قولا وفعلاً ونهجاً وعملاً.
الممارسات التي تقع من قيادات تصنف على أنها نماذج ويضرب بها المثل، وتحاضر عن الإنجازات والنجاحات، لكن لها وجه آخر خفي. قد تحتم بعض الظروف والمعطيات والواقع على أصحاب الأعمال إغلاق الملف تجنباً لجرح سمعة الشركة، لذلك يتم الاتفاق على الخروج الآمن تحت ستار السبب المطاطي “لأسباب شخصية”، وغالباً ما تستجد فجأة وتنقلب الأوضاع في لمح البصر.
هناك من حصل على ثقة وليس أهلاً لها، وحصل على صك الدعم من كبار الملاك لكنه استغل تلك الثقة في غير محلها بتصرفات وضيعة دنيئة، وارتضى أن تلوث يده وسمعته مقابل تحقيق مكاسب آنية، متخفيين خلسة في الظلام الدامس، معتقدين أن هذا حق مشروع لهم، متناسيين قول الحق (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم).
من يعملون عكس مصالح المساهمين ومصالح الملاك لا يستحقون البقاء يوماً واحداً في مناصبهم، فهم يركزون على مصالحهم الخاصة والشخصية، وينتهزون الفرص لهم أولاً فيكونوا أول المبادرين لاقتناص الفرص عالية الجدوى وفقا لما يحقق لهم مأربهم ويخدم مصالحهم ويعظم مكاسبهم، واضعين مصلحة المساهمين في مؤخرة الأولويات.
بعض الأمراض الإدارية تحتاج تدخلات جراحية فورية واستئصال للجزء الفاسد المعطوب، لأن بقاءه لفترة أطول سيجعله يتمدد إلى باقي السلة، وسيترك من خلفه وحوش ونمور صغيرة جائعة متربصة بالكيان، وهكذا تتسع رقعة الالتهام والاستحلال للأخضر واليابس.
أم الكوارث عندما يمنحك هذا العضو المتنفذ أو ذاك الآخر الدعم، ويقدم لك التشجيع، ويوفر لك سياج من الحماية والرعاية فتتضاعف درجات الإهمال والفساد والإفساد دون رادع أو وازع أو توقف أو اكتفاء.
أم النكبات أن يكون من يُفترض فيهم ومنهم أنهم السد المنيع والحصن الحصين للكيان، آخر من يعلم، وعندما يعلمون يكون الكيان برمته على شفا جرف هارٍ، فيتحمل آلاف المساهمون معهم وزر إهمالهم ونتاج تقاعسهم وسوء إدارتهم.
الطامة الأكثر إيلاماً في بعض الحالات، أن يكون كبيرهم الذي علمهم السحر هو من يأمر بهذه الممارسات، متخفياً وراء دور القيادي الرفيع الذي سلم له الخيط والمخيط، ليكون المنفذ هو القائد الثاني الذي يحظى بالثقة والدعم مقابل الاستفادة الشخصية وتنفيذ تعليمات “الراعي”، وما كل هذا الملف إلا مخرج لـ “الرئيس” والتضحية بذلك القيادي الثاني، وما أكثر من يقبلون مقابل الفوز بملذات الملايين المهدورة التي ستجد طريقها للشطب والنسيان مثلما طويت عشرات الاختلاسات، وعشرات الكيانات التي “ذابت” كما يذوب الملح في الماء أو السكر في السائل الحار.
من تناسى المكافآت المليونية على الصفقات الوهمية والورقية التي تم اقتناصها بأرقام فلكية وخيالية مدعومة وممولة بقروض فوائدها قياسية، وكانت نتائجها سقوط حر من أعلى قمة الجبل لكيانات تفرعت بالبروباغاندا، لكن فاز من تلاعب بعتاد الدنيا، ملقياً باللوم على شر الأزمة التي رغم أنه جزء منها وأحد أسبابها لكنه يذر الرماد في العيون.
ليس مقبولاً أن يكون مجلس مكون من 5 أو 7 أعضاء أو 11 عضواً ومقصرين في مراقبة ومساءلة رئيس تنفيذي واحد، أو غير قادرين على اكتشاف ممارساته، فهذا يعني ببساطة أننا أمام حوكمة ورقية وشعارات مطاطية.