مقالات

الصين…وأميركا: من يقود النظام العالمي المقبل؟

بقلم – ليما راشد الملا

لم تعد الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي حقيقة لا تُناقش. العالم يشهد اليوم تحولات عميقة، تُنذر بظهور نظام متعدد الأقطاب، تقف الصين في قلبه كلاعب محوري يسعى لتغيير قواعد اللعبة. القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون في بكين لم تكن مجرد اجتماع دبلوماسي.

منظمة شنغهاي… حلف اقتصادي وسياسي يتحدى الغرب

حين تأسست منظمة شنغهاي قبل 24 عاماً، كان هدفها تعزيز الأمن الإقليمي. أما اليوم، فقد تحولت إلى كتلة جيوسياسية هائلة تضم الصين وروسيا والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى، إلى جانب دول شرق أوسطية جديدة تنضم تباعاً.

المنظمة تمثل نحو 3.2 مليار نسمة، أي ما يعادل 40% من سكان الكوكب، ويبلغ الناتج الإجمالي لدولها حوالي 25 تريليون دولار. إنها ليست مجرد منظمة إقليمية، بل سوق ضخمة وقوة اقتصادية تقف نداً أمام الغرب.

القمة الأخيرة، التي حضرها قادة 20 دولة، وضعت أهدافاً تتجاوز التعاون الأمني. نجد على الطاولة ملف إعادة هيكلة العلاقات المالية العالمية، والبحث في تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي لصالح استخدام العملات المحلية.

الدولار تحت الضغط

هيمنة الدولار كانت الورقة الأقوى في يد واشنطن لعقود. فبفضله تفرض العقوبات، وتتحكم في حركة الأموال، وتوجه الاستثمارات العالمية. لكن بكين ومعها موسكو، تطرحان بديلاً يقوم على التحرر من هذه السيطرة.

كل صفقة غاز أو نفط تُبرم باليوان أو الروبل، تعني خطوة إضافية في تقويض نفوذ العملة الأميركية. لا يمكن تجاهل أن دول شنغهاي وحدها قادرة على خلق كتل تجارية ضخمة تستخدم عملاتها الوطنية، وهو ما يجعل مشروع نزع “قداسة الدولار” مسألة وقت أكثر مما هو مجرد فكرة.

بكين… القوة الصاعدة

الصين لا تكتفي بالشعارات، فهي تمتلك الأدوات. ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأكبر سوق استهلاكي، وأكبر مستورد للطاقة. مبادرة “الحزام والطريق” تمد نفوذها عبر القارات، من موانئ أفريقيا إلى سكك حديد آسيا وأوروبا.

في القمة الأخيرة، بدا واضحاً أن بكين تعرض نفسها كبديل اقتصادي لا يقوم على الشروط السياسية الصارمة، بل على مشاريع استثمارية وبنية تحتية تعِد الشركاء بالتنمية والربح المشترك.

التصدعات في المعسكر الأميركي

في المقابل، تواجه الولايات المتحدة موجة غضب متزايدة بسبب عقوباتها التجارية والرسوم الجمركية التي أنهكت اقتصادات عدة. حتى شركائها التقليديون باتوا يتذمرون من السياسات الأحادية التي تتبعها واشنطن. هذا التذمر يفتح الباب أمام الصين لتقديم نفسها كقوة أكثر “إنصافاً”، على الأقل في أعين كثير من الدول الباحثة عن متنفس.

لكن… هل الطريق ممهد للصين بالكامل؟

رغم قوتها، تواجه بكين تحديات لا يُستهان بها. فالهند، العضو المهم في المنظمة، لا تزال على خلاف حدودي وسياسي مع الصين. كما أن العديد من الدول المتحالفة معها تخشى أن تستبدل الهيمنة الأميركية بهيمنة صينية جديدة.

وفوق ذلك، يبقى الدولار متجذراً في النظام المالي العالمي. فهو يمثل أكثر من 58% من الاحتياطيات العالمية، وما زال العملة الرئيسية لتسعير النفط والتجارة الدولية. بمعنى آخر: واشنطن ما زالت تملك أوراقاً يصعب كسرها بين ليلة وضحاها.

نظام عالمي متعدد الأقطاب

مع ذلك، من الواضح أن العالم يتحرك باتجاه نظام مختلف. منظمة شنغهاي ليست مجرد تكتل عابر، بل حجر أساس في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث لن تبقى واشنطن صاحبة الصوت الأعلى، ولن يحتكر الدولار مفاتيح التجارة والتمويل.

التحول لن يكون سريعاً، لكنه بدأ بالفعل. السؤال اليوم ليس إن كان سيحدث، بل: متى سيفقد القرن الأميركي بريقه؟ وهل سنشهد صعود “قرن صيني” يقلب موازين القوى؟

في النهاية، قد لا تكون بكين قد سحبت البساط بعد من تحت أقدام واشنطن، لكنها بالتأكيد بدأت شدّه بقوة. ومع كل قمة وكل صفقة تُبرم بعيداً عن الدولار، يتضح أن النظام العالمي الجديد لم يعد مجرد احتمال، بل مسار يتشكل أمام أعيننا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى