اقتصاد عالميمقالات

وول استريت 2025: التكنولوجيا تقود الأسهم الأمريكية نحو قمم تاريخية

 

في مشهد يعكس قوة وزخماً استثنائيين، أنهت الأسهم الأمريكية الربع الثالث من عام 2025 بأداء تاريخي لم تشهده منذ خمس سنوات، متحدية كل التوقعات المتشائمة والمخاوف الاقتصادية. فقد سجل مؤشرا S&P 500 وNasdaq أفضل أداء فصلي لهما منذ عام 2020، مدفوعين بثورة الذكاء الاصطناعي وزخم قطاع التكنولوجيا الذي لا يتوقف.

سبتمبر الاستثنائي يكسر اللعنة التاريخية

تاريخياً، يُعرف شهر سبتمبر بكونه أحد أسوأ الأشهر أداءً للأسواق المالية، لكن سبتمبر 2025 كان مختلفاً تماماً. ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 3.53% خلال الشهر، محققاً مكاسب فصلية بلغت 7.80% على مدار الربع الثالث بأكمله، وهو أفضل أداء لشهر سبتمبر منذ عام 2010. أما مؤشر Nasdaq المركب، فقد قفز بنسبة 5.6% في سبتمبر وحده، مواصلاً مسيرته الصاعدة التي بدأت في أبريل الماضي.

لم يكن مؤشر Dow Jones بعيداً عن هذا الاحتفال، حيث سجل مستويات إغلاق قياسية جديدة، مرتفعاً بنسبة 1.87% خلال الربع الثالث. وفي مطلع أكتوبر، واصلت المؤشرات الرئيسية تسجيل إغلاقات قياسية لثلاثة أيام متتالية، في إشارة واضحة إلى أن الزخم لم يتوقف بعد.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: القوة الدافعة وراء الصعود

عندما نحلل أسباب هذا الصعود المذهل، نجد أن الإجابة واضحة: التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ساهم قطاع التكنولوجيا وحده بـ 3.9 نقطة مئوية من إجمالي عائد السوق الأمريكي البالغ 8.1%، وهو ما يمثل تقريباً نصف إجمالي المكاسب – أكثر من ضعف مساهمة أي قطاع آخر. وقد حقق قطاع التكنولوجيا مكاسب بلغت 12.4% خلال الربع الثالث، بينما ارتفع قطاع خدمات الاتصالات بنسبة 12.75%.

في قلب هذا الصعود، تبرز “الشركات السبع الرائعة” (Magnificent Seven) كقادة لا يُنازعون. بعد أن تأخرت هذه المجموعة عن مكاسب S&P 500 لمعظم عام 2025، عادت بقوة في الربع الثالث لتتفوق على المؤشر القياسي. تضم هذه المجموعة عمالقة التكنولوجيا: Apple, Microsoft, Alphabet, Amazon, Nvidia, Tesla, وMeta.

Nvidia تصنع التاريخ بـ 4 تريليونات دولار

في لحظة تاريخية، أصبحت شركة Nvidia في يوليو 2025 أول شركة في العالم تتجاوز قيمتها السوقية 4 تريليون دولار، متخطية عمالقة التكنولوجيا مثل Apple وMicrosoft. وبحلول نهاية الربع الثالث، بلغت القيمة السوقية لـ Nvidia 4.5 تريليون دولار، بينما وصلت قيمة Microsoft إلى 3.9 تريليون دولار، وApple إلى 3.8 تريليون دولار.

القيمة السوقية المجمعة لعمالقة التكنولوجيا الكبرى بلغت حوالي 21 تريليون دولار، وهو رقم يفوق القيمة السوقية الإجمالية لأسواق دول بأكملها. هذا التركز الهائل للقيمة في عدد محدود من الشركات – حيث تمثل 10 شركات فقط حوالي 40% من إجمالي قيمة مؤشر S&P 500 – يثير تساؤلات حول استدامة هذا الصعود، لكنه في الوقت ذاته يعكس الثقة الكبيرة في مستقبل الذكاء الاصطناعي.

أرقام ومؤشرات تحكي قصة النجاح

الأرقام تتحدث عن نفسها. حقق السوق الأمريكي العام ارتفاعاً بنسبة 8.09% في الربع الثالث، مسجلاً 14.6% على مدار العام حتى تاريخه. أسهم النمو كانت الأفضل أداءً، محققة 6.89% في الربع الثالث و23.19% على مدار العام، متفوقة على أسهم القيمة التي ارتفعت 6.36% في الربع و10.05% سنوياً.

حتى الأسواق العالمية الأخرى شهدت أداءً قوياً، حيث ارتفعت الأسواق الناشئة بنسبة 9.65% في الربع الثالث، متفوقة على السوق الأمريكي نفسه. وقد استفادت هذه الأسواق من تحسن التوقعات الاقتصادية العالمية وتراجع قوة الدولار.

الأرباح القوية تدعم الصعود

لم يكن هذا الارتفاع مجرد مضاربة أو فقاعة. فقد دعمته أرباح قوية للشركات، حيث تجاوز أكثر من 80% من شركات S&P 500 توقعات الأرباح في الربع الثاني، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ حوالي 60%. ويتوقع المحللون أن يحقق مؤشر S&P 500 نمواً في الأرباح بنسبة 7.9% على أساس سنوي في الربع الثالث، وهو الربع التاسع على التوالي من النمو.

شركة Apple حصلت على دفعة قوية بعد إعلانها عن استثمار إضافي بقيمة 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، بشكل أساسي في تصنيع أشباه الموصلات والزجاج لأجهزة iPhone. يعتقد المحللون أن هذا الإعلان سيضمن لـ Apple إعفاءً طويل الأجل من الرسوم الجمركية الأمريكية.

من جهة أخرى، شهدت أسهم Alphabet قفزة بنسبة 7% بعد حكم قضائي إيجابي في قضية مكافحة الاحتكار الخاصة بمحرك البحث Google، حيث لن تُطالب الشركة ببيع Chrome أو Android. وقد ارتفعت أسهم Alphabet بأكثر من 50% من أدنى مستوياتها في أبريل.

التوقعات المستقبلية: هل نصل إلى 7,000 نقطة؟

مع دخول الربع الأخير من العام، تتجه الأنظار نحو سؤال واحد: هل يمكن للأسهم الأمريكية أن تكسر كل الأرقام القياسية بحلول نهاية 2025؟

 

الإجابة، وفقاً للعديد من المحللين، هي نعم. يتوقع Tom Lee، رئيس الأبحاث في Fundstrat Global Advisors والذي توقع بدقة الصعود الحالي، أن يصل مؤشر S&P 500 إلى 7,000 نقطة على الأقل بحلول ديسمبر، مع إمكانية تحقيق مكاسب إضافية. يقول Lee في مذكرة لعملائه: “لن نميل نحو التشاؤم بسبب الإغلاق الحكومي… إذا انخفضت الأسهم، سنكون مشترين عند الانخفاضات.”

هذا التفاؤل مدعوم بعوامل عدة. أولاً، الربع الرابع تاريخياً هو الأقوى لمؤشر S&P 500، بمتوسط مكاسب يبلغ 2.9%. ثانياً، عندما يرتفع S&P 500 بهذا القدر في بداية العام، فإن الأداء في بقية العام يكون “شبه مثالي” تاريخياً، وفقاً لبيانات Bank of America.

بالفعل، سجل السوق 28 مستوى قياسياً جديداً حتى الآن في عام 2025، وواصل تسجيل إغلاقات قياسية في أكتوبر. في 3 أكتوبر، أغلق مؤشر S&P 500 عند 6,715.79 نقطة، بينما وصل Dow Jones إلى 46,758.28 نقطة.

تحذيرات وسط النشوة: هل السوق مبالغ في قيمته؟

لكن ليس الجميع متفائلين. يحذر محللون من أن السوق يتداول حالياً بعلاوة 3% فوق تقديرات القيمة العادلة، وهو مستوى تقييم مرتفع لم يحدث إلا في 15% من الوقت منذ عام 2010. نسبة السعر إلى الأرباح الآجلة لمؤشر S&P 500 ارتفعت إلى 23.1، وهو ما يضع التقييمات في أعلى 2-3% تاريخياً.

David Solomon، الرئيس التنفيذي لـ Goldman Sachs، أعرب عن قلقه من أن الأسواق القياسية “هادئة للغاية” وقد تكون مهيأة للانعكاس. تزايد المضاربة في الأسهم والتركز الشديد للقيمة في عدد قليل من الشركات العملاقة يثير تساؤلات: هل هذا الصعود القياسي جيد لدرجة يصعب تصديقها؟

من بين المخاطر الأخرى التي يراقبها المحللون: التضخم المتوقع أن يرتفع إلى 3.0% في 2026 قبل أن يتراجع، تباطؤ نمو الاستهلاك، ضعف قطاع الإسكان، وعدم اليقين بشأن السياسة التجارية والرسوم الجمركية.

الاحتياطي الفيدرالي: خفض الفائدة يدعم التفاؤل

من العوامل الإيجابية الداعمة للسوق، قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ سبتمبر 2024، استجابة لتباطؤ سوق العمل. ويتوقع المحللون أن يخفض الفيدرالي الفائدة مرتين إضافيتين بحلول نهاية العام، مما سيوفر دعماً إضافياً للأسهم.

كما يُتوقع أن ينخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى متوسط 3.9% في 2026، مما يجعل الأسهم أكثر جاذبية مقارنة بالسندات.

 

أسواق أخرى تلمع أيضاً

لم تكن الأسهم وحدها التي شهدت أداءً قوياً. ارتفع الذهب بنسبة 17% في الربع الثالث، ووصل إلى مستوى قياسي فوق 3,800 دولار للأونصة، حيث استمر المستثمرون في التدفق نحو هذا الأصل الآمن وسط المخاوف من المخاطر الاقتصادية.

أما سوق السندات، فقد حقق مؤشر السندات الأمريكية الأساسية عائداً بلغ 2.04% في الربع الثالث، مستفيداً من انخفاض العائدات وارتفاع الأسعار.

الخلاصة: سوق على حبل مشدود

تسير الأسهم الأمريكية على حبل مشدود بين ازدهار تكنولوجي غير مسبوق وتحديات اقتصادية كلية. الأداء القوي في الربع الثالث، المدفوع بشكل أساسي بقطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، قد وضع السوق على مسار لتحقيق المزيد من الأرقام القياسية في عام 2025.

إذا استمر زخم أرباح الشركات، وتحديداً في قطاع التكنولوجيا، وإذا قام الاحتياطي الفيدرالي بالفعل بتخفيف سياسته النقدية كما هو متوقع، فإن احتمالية وصول مؤشر S&P 500 إلى مستويات قياسية جديدة، وربما حتى تجاوز حاجز 7,000 نقطة، تظل قائمة بقوة.

لكن الطريق لن يكون خالياً من التقلبات. التقييمات المرتفعة، التركز الشديد للقيمة في عدد قليل من الشركات، والمخاطر الاقتصادية الكلية، كلها عوامل تتطلب من المستثمرين توخي الحذر والاستعداد لأي مفاجآت.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيكسر صعود الأسهم الأمريكية كل الأرقام القياسية لعام 2025؟ الإجابة ستتضح خلال الأسابيع والأشهر القادمة، لكن الزخم الحالي يشير إلى أن وول ستريت لم تنتهِ بعد من كتابة فصول قصة نجاحها التاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى