المتحف المصري الكبير: رهان اقتصادي وثقافي على التحول السياحي
بقلم/ د. محمد جميل الشبشيري
Elshebshiry@outlook.com
يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM) حدثًا تاريخيًا يتجاوز البعد الثقافي ليصبح مشروعًا اقتصاديًا استراتيجيًا لمصر، يهدف إلى إعادة تشكيل خريطة السياحة العالمية. بتكلفة استثمارية ضخمة، وتوقعات بعوائد سياحية غير مسبوقة، ويضع المتحف نفسه في مصاف المؤسسات الثقافية الكبرى عالميًا، مما يستدعي تحليلًا اقتصاديًا دقيقًا لآثاره المترتبة ومقارنته بأداء المتاحف الدولية الرائدة..
الأبعاد الاقتصادية للمتحف المصري الكبير
يُعدالمتحف المصري الكبير، الذي تبلغ مساحته حوالي 500 ألف متر مربع ويقع بالقرب من أهرامات الجيزة، أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. وقد تراوحت التقديرات لتكلفته الإجمالية بين 1 مليار دولار و1.2 مليار دولار، مع إشارات من بعض المصادر إلى أنها قد تصل إلى 2 مليار دولار. هذا الاستثمار الضخم يرتكز على ثلاثة محاور اقتصادية رئيسية:
أ. تدفقات الزوار والعائدات المتوقعة:
تتوقع المصادر الرسمية أن يجذب المتحف حوالي 7 ملايين زائر إضافي سنويًا. وإذا ما قورن هذا الرقم بأعداد السياح الإجمالية في مصر التي وصلت إلى 15.7 مليون زائر في عام 2024، وتوقعات بوصولها إلى 18 مليونًا بنهاية 2025، فإن المتحف يمثل قوة دفع هائلة للقطاع.
تتباين التوقعات بشأن الإيرادات المباشرة للمتحف بشكل كبير، مما يعكس الطبيعة التقديرية للمشروع في مراحله الأولى. تشير بعض التقديرات إلى أن العوائد السنوية قد تصل إلى 600 مليون دولار، بينما ذهبت تقديرات أخرى إلى رقم يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويًا. وفي المقابل، تشير تقديرات أكثر تحفظًا إلى صافي إيرادات دخل متكرر قد يتجاوز 82 مليون دولار سنويًا
ب.خلق فرص العمل والاستثمار المحفز:
لا يقتصر الأثر الاقتصادي على إيرادات التذاكر فحسب، بل يمتد ليشمل خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات الإرشاد، والضيافة، والنقل، وتجارة التجزئة. كما أن المشروع يُحفز الاستثمار في البنية التحتية المحيطة، خاصة في قطاع الفنادق والمرافق السياحية في محيط الجيزة والقاهرة الكبرى، وهو ما يتطلب زيادة في قدرات الإقامة الفندقية لاستيعاب الزوار.. مقارنة المتحف المصري الكبير بالمتاحف العالمية الرائدة لتقييم الأثر الاقتصادي للمتحف المصري الكبير، من الضروري وضعه في سياق المتاحف العالمية الكبرى، والتي تمثل محركات اقتصادية وثقافية لمدنها وبلدانها.
وتُظهر المقارنة بين المتحف المصري الكبير والمتاحف العالمية الرائدة أن التوقعات لعدد زواره تضعه في مصاف المؤسسات الثقافية الكبرى. ففي حين يتوقع أن يجذب المتحف المصري الكبير حوالي 7 ملايين زائر إضافي سنويًا، استقبل متحف اللوفر في باريس 8.9 مليون زائر في عام 2023، والمتحف البريطاني في لندن 6.5 مليون زائر في عام 2024، ومتحف المتروبوليتان في نيويورك 5.5 مليون زائر.
أما من حيث الإيرادات، فالتوقعات المصرية تتراوح بين 600 مليون دولار و2.5 مليار دولار سنويًا، وهي أرقام تتجاوز الإيرادات المباشرة للمتاحف العالمية، حيث يحقق اللوفر إيرادات مباشرة تتراوح بين 200 مليون و250 مليون يورو سنويًا، بينما تصل إيرادات المتروبوليتان الإجمالية إلى حوالي 762 مليون دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن المتحف البريطاني يعتمد بشكل كبير على التمويل الحكومي والتبرعات لكون الدخول إلى مجموعاته الدائمة مجانيًا.
مستقبل السياحة في مصر:
تنويع الأنماط مصادر الدخل في مصر حيث تُعد السياحة أحد أهم الموارد الاقتصادية لمصر، حيث تُسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وتُعد ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. وتستهدف مصر زيادة عائدات القطاع لتصل إلى 30 مليار دولار سنويًا. ويُشكل المتحف المصري الكبير جزءًا محوريًا من استراتيجية الدولة لتنويع المنتج السياحي والانتقال من الاعتماد على السياحة الثقافية التقليدية إلى مزيج يضم السياحة الشاطئية، الدينية، والعلاجية.
أنماط ومصادر السياح مقارنة بدول المنطقة:
تتميز السياحة المصرية بتركيزها على السياحة الثقافية (الآثار والمتاحف) والسياحة الشاطئية (البحر الأحمر)، بينما تركز دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، بشكل أكبر على سياحة الأعمال، والترفيه الحديث، والسياحة الفاخرة.أما من حيث مصادر السياح، فتتصدر المملكة العربية السعودية وألمانيا وروسيا حركة السياحة الوافدة إلى مصر.
وتشكل دول الخليج حوالي 25% من حجم السياحة الوافدة إلى مصر. في المقابل، تُظهر المقارنات الإقليمية أن الإمارات تتصدر الدول العربية في إيرادات السياحة، حيث بلغت إيراداتها حوالي 57 مليار دولار في عام 2024. هذا التباين في الإيرادات، رغم تقارب أعداد السياح في بعض الأحيان، يعكس اختلافًا في متوسط إنفاق السائح ونوعية السياحة المقدمة. فبينما تسعى مصر لزيادة أعداد السياح (التي وصلت إلى 15.7 مليون زائر في 2024)، تعمل دول المنطقة على جذب سياح ذوي إنفاق مرتفع.
ويُتوقع أن يساهم المتحف المصري الكبير في رفع متوسط إنفاق السائح في مصر من خلال تقديم تجربة ثقافية فريدة وخدمات سياحية متكاملة عالية الجودة..
التحديات والفرص الاستراتيجية
تظهرالمقارنة أن التوقعات لعدد زوار المتحف المصري الكبير (7 ملايين زائر إضافي) تضعه مباشرة في المنافسة مع عمالقة المتاحف العالمية مثل المتحف البريطاني (6.5 مليون زائر) ومتحف المتروبوليتان (5.5 مليون زائر)، ويقترب من مستويات متحف اللوفر (8.9 مليون زائر).أما فيما يتعلق بالإيرادات، فإن التوقعات المصرية، خاصة تلك التي تصل إلى 2.5 مليار دولار، تتجاوز بكثير الإيرادات المباشرة المعلنة للمتاحف العالمية، مما يشير إلى أن هذه التوقعات تشمل على الأرجح العائد الاقتصادي غير المباشر على قطاع السياحة ككل (الفنادق، النقل، المطاعم، إلخ)، وليس فقط إيرادات المتحف المباشرة من التذاكر والخدمات.
لتحقيق هذه الأرقام الطموحة، يواجه المتحف المصري الكبير تحديات تتطلب معالجة استراتيجية:
الإدارة والتشغيل: يجب أن تكون الإدارة فاعلة ومرتبطة بشكل محكم بالمنظومة السياحية المحيطة (الفنادق، والنقل، والمطارات) لضمان تدفق الزوار بسلاسة واستدامة.
البنية التحتية: نجاح المتحف مرهون بالاستثمار الإضافي في البنية التحتية المحيطة، مثل الطرق ووسائل النقل الحديثة (كمطار سفنكس الدولي القريب).
جودة التجربة: يجب أن يُقاس النجاح ليس فقط بالكم (عدد الزوار)، بل بجودة التجربة التي يقدمها المتحف، لضمان أن الزائر يقضي وقتًا أطول وينفق أكثر ويوصي بالزيارة، مما يضمن استدامة العائد الاقتصادي.
الخلاصة
يعُد المتحف المصري الكبير فرصة استراتيجية كبرى لمصر، ليس فقط كصرح ثقافي، بل كأداة اقتصادية قادرة على تحويل المشهد السياحي. إن الأرقام المتوقعة لعدد الزوار تضعه في مصاف المتاحف العالمية الرائدة، وتوقعات الإيرادات تشير إلى إمكانية تحقيق عوائد اقتصادية ضخمة، خاصة من خلال الأثر غير المباشر على القطاعات المرتبطة. لكن تحقيق هذا النجاح يتطلب إدارة حكيمة تتفوق او تماثل الإدارات العالمية للمتاحف الدولية ، واستثمارًا مستمرًا في البنية التحتية، وضمان جودة التجربة الثقافية، لضمان أن الاستثمار الثقافي لا يتحول إلى مجرد تكلفة، بل يصبح ركنًا أساسيًا من أركان التنمية الاقتصادية المستدامة.



