مقالات

أضرار غسل الأموال ومخاطرها الاقتصادية محليًا وعالميًا

 

بقلم/ د. محمد غازي المهنا

دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال m7md_almuhanna@hotmail.com 

 

تُعَدّ جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية، إذ تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرّمة، بغرض حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو استثمارها أو تحويلها أو نقلها أو التلاعب في قيمتها.

وتكون هذه الأموال غالبًا متحصلة من جرائم مثل: زراعة وتصنيع النباتات المخدّرة أو الجواهر والمواد المخدّرة والاتجار بها، واختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص، وجرائم الإرهاب وتمويله، والنصب وخيانة الأمانة والتدليس، والغش والفجور والدعارة، والاتجار وتهريب الآثار، والجنايات والجنح التي تمسّ أمن الدولة من الخارج أو الداخل، والرشوة، واختلاس المال العام والعدوان عليه، والغدر، وجرائم المسكوكات والزيوف.

تواجه عملية غسل الأموال عددًا من المعوّقات، من أبرزها:

أولًا: المعوّقات التشريعية وضعف التعاون الدولي

تشمل هذه المعوّقات عدم كفاية التشريعات الخاصة بمكافحة غسل الأموال، وإشكالية التكييف القانوني لنشاط غسل الأموال، وازدواجية المعايير، وضعف أجهزة الرقابة، إضافة إلى قصور التعاون الدولي في ملاحقة الجرائم المالية العابرة للحدود.

ثانيًا: المعوّقات المصرفية في مكافحة غسل الأموال

تتمثّل في إشكالية السرية المصرفية التي تعيق تتبّع الأموال المشبوهة، وضعف الالتزام بالمراقبة الجادّة داخل المؤسسات المالية، إلى جانب نقص تأهيل موظفي البنوك في هذا المجال، وعدم توافر أنظمة معلوماتية متطورة قادرة على كشف الأنشطة المشبوهة في وقت مبكر.

الآثار الاقتصادية لغسل الأموال

تُخلّف جريمة غسل الأموال آثارًا اقتصادية خطيرة على المجتمعات المحلية والعربية، ومن أبرزها:

التأثير في الدخل القومي

يُعدّ هذا التأثير من أخطر النتائج السلبية لغسل الأموال، إذ يتم تصدير الأموال المغسولة إلى خارج الدولة، مما يؤدي إلى ضعف الاقتصاد الوطني. كما أن هذه الأموال تكون خارج النظام الضريبي، فتتراجع الموارد المالية للدولة، وتظهر بيانات غير دقيقة على مؤشرات الاقتصاد الرئيسة، مثل الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة، مما يعوق قدرة الدولة على وضع سياسات اقتصادية مناسبة والسيطرة على النشاط الاقتصادي.

التأثير في الادخار المحلي

تُشير الدراسات الاقتصادية إلى وجود علاقة عكسية بين معدل غسل الأموال ومعدل الادخار المحلي، فكلما ارتفع معدل غسل الأموال انخفض معدل الادخار، بسبب هروب رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج، مما يحدّ من قدرة الدولة على تمويل الاستثمارات الداخلية.

التأثير في معدلات التضخم

يسهم غسل الأموال في زيادة معدلات التضخم، إذ يُدخل المجرمون أموالًا ضخمة إلى الأسواق دون أن يقابلها إنتاج فعلي من السلع أو الخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ونقص الإيرادات العامة للدولة.

التأثير في العملات المحلية

تؤدي عمليات غسل الأموال إلى تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملات أجنبية، مما يرفع الطلب على العملات الأجنبية ويخفض الطلب على العملة المحلية، وهو ما يُضعف قيمتها ويؤثر سلبًا على استقرارها المالي.

تُثير هذه الأموال غير المشروعة، التي تكون ضخمة في الغالب، تساؤلات وشكوكًا لدى سلطات إنفاذ القانون وأجهزة الرقابة المالية حول مصادرها، مما يدفع أصحابها إلى السعي لإضفاء غطاء قانوني عليها وقطع الصلة بينها وبين مصدرها الأصلي، لتبدو وكأنها أموال مشروعة.

ولما كانت جريمة غسل الأموال جريمة لاحقة لجريمة أصلية، فإن ازدياد معدلات ارتكاب الجرائم الكبرى مثل الاتجار غير المشروع بالمخدرات، يؤدي إلى تزايد عمليات غسل الأموال لإضفاء صفة الشرعية عليها. ولم تعد هذه الجريمة مقصورة على المخدرات فحسب، بل أصبحت تشمل أي نشاط إجرامي يحقق أموالًا غير مشروعة، مما يجعلها من أخطر الظواهر الاقتصادية العالمية التي تتطلب مواجهة حازمة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى