مقالات

أهمية مشاركة الموارد البشرية في المراحل التحليلية الأولي في عمليات الدمج والاستحواذ

إشراك إدارة الموارد البشرية (HR) خلال عمليات الدمج والاستحواذ (M&A) ليس فقط مهمًا، بل هو أمر حاسم وضروري لنجاح العملية بأكملها. حيث تلعب الموارد البشرية دورًا رئيسيًا واستراتيجيا في إدارة الجوانب البشرية والثقافية والتنظيمية للدمج أو الاستحواذ، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على النتيجة.  فعدم إشراك الموارد البشرية يمكن أن يؤدي إلى تحديات كبيرة، ومن أهمها الصراعات الثقافية (Cultural Clash/Conflicts)، وعدم رضا الموظفين، وفي النهاية، فشل عملية الدمج أو الاستحواذ. فلدمج أكثر سلاسة ونتائج أكثر نجاحًا، يجب إلحاق نتائج التحليل المالي (Due Diligence) من خلال ضمان إدارة الجوانب المتعلقة بالأشخاص والثقافة بفعالية وهي جوهر دور الموارد البشرية. فتعتبر العناية الواجبة المتعلقة بالموارد البشرية مهمة بنفس قدر أهمية التحليل المالي أثناء عمليات الدمج والاستحواذ.  فبينما يركز التحليل المالي على الجدوى الاقتصادية للصفقة، تهتم العناية الواجبة بالموارد البشرية بالعوامل البشرية والثقافية التي تلعب دورًا رئيسيًا في نجاح عملية الدمج على المدى الطويل.

فيما يلي توضيح لأهمية إشراك الموارد البشرية وتفعيل عامل العناية الواجبة بالموارد البشرية لأهميتها وأمثلة على حالات فشل دمج واستحواذ سابقة لعدم إشراك الموارد البشرية في المراحل التحليلية الأولي.

  1. التكامل الثقافي
  2. التوافق الثقافي: أحد أكبر التحديات في عمليات الدمج والاستحواذ هو دمج ثقافات المنظمتين. تكون الموارد البشرية مسؤولة عن تقييم التوافق الثقافي وتطوير استراتيجيات لتوحيد الثقافات بين الشركات المندمجة. دون وجود الموارد البشرية، قد يتم تجاهل الفروقات الثقافية وبعدم التوافق يمكن أن يؤدي إلى عدم رضا الموظفين، وانخفاض الإنتاجية، وحتى فشل الدمج.
  3. إدارة التغيير (Change Management): يتمتع المتخصصون في الموارد البشرية بالمهارات اللازمة لإدارة التغيير، ويمكنهم المساعدة في إدارة الانتقال للموظفين. يمكنهم توصيل التغييرات بفعالية، ومعالجة المخاوف، وتعزيز موقف إيجابي تجاه الدمج.
  4. الاحتفاظ بالمواهب وإدارتها
  5. الاحتفاظ بالموظفين: خلال عمليات الدمج والاستحواذ، يمكن أن تؤدي حالة عدم اليقين إلى قلق الموظفين وزيادة نسبة المغادرة. دور الموارد البشرية هو تحديد المواهب الأساسية، وتنفيذ استراتيجيات الاحتفاظ، وضمان عدم فقدان الموظفين القيمين خلال الانتقال مما قد يزعزع استقرار الكيان المدمج.
  • تقييم القيادة: يمكن للموارد البشرية تقييم فرق القيادة في كلا المنظمتين لتحديد القادة الأفضل لقيادة الكيان المندمج. كما يمكنهم المساعدة في إعادة هيكلة فريق القيادة ليتماشى مع الأهداف التنظيمية الجديدة.

استقرار الكيان المدمج

  • تصميم الهيكل التنظيمي:
  • إعادة الهيكلة: غالبًا ما تتطلب عمليات الدمج والاستحواذ إعادة تنظيم القوى العاملة. الموارد البشرية ضرورية في تصميم الهيكل التنظيمي الجديد، وتحديد الأدوار والمسؤوليات، وضمان وجود الأشخاص المناسبين في المناصب المناسبة.  بدون الموارد البشرية، قد تؤدي إعادة الهيكلة إلى ارتباك، عدم كفاءة، وتعطل العمليات.
  • تخطيط القوى العاملة: تضمن الموارد البشرية أن الكيان المندمج يحتوي على العدد المناسب من الموظفين بالمهارات المناسبة. يديرون عمليات التسريح، وإعادة توزيع الموظفين، والتوظيف ليتماشى مع الاستراتيجية الجديدة.
  • التعويضات والمزايا
  • توحيد التعويضات: تكون الموارد البشرية مسؤولة عن مراجعة وتوحيد حزم التعويضات والمزايا. يمكن أن تؤدي الفروقات في الرواتب والمزايا بين الكيانات المندمجة إلى عدم الرضا وتعطيل عملية التكامل.
  • الإنصاف والعدالة: تضمن الموارد البشرية أن يتم تنفيذ أي تغييرات في التعويضات بشفافية وعدالة، مما يقلل من احتمالية حدوث نزاعات.
  • القضايا القانونية والامتثال
  • الامتثال لقوانين العمل: تضمن الموارد البشرية أن عملية الدمج والاستحواذ تتوافق مع قوانين العمل القضائية المعنية في البلد الآخر. يشمل ذلك التعامل مع عقود العمل، وحزم التعويضات، واتفاقيات النقابات إذا كانت موجودة.
  • إدارة المخاطر: تحدد الموارد البشرية المخاطر المرتبطة بالقوى العاملة خلال عملية الدمج والاستحواذ وتعمل على تخفيفها، بما في ذلك المخاطر القانونية المحتملة أو النزاعات.
  • الاتصال مع الموظفين ورفع المعنويات
  • الاتصال الشفاف: تعتبر الموارد البشرية أساسية في تطوير وتنفيذ استراتيجية اتصال تبقي الموظفين على اطلاع طوال عملية الدمج والاستحواذ. يمكن أن يؤدي سوء التواصل خلال عملية الدمج والاستحواذ إلى انتشار الشائعات، القلق، والمقاومة بين الموظفين، مما يقوض عملية الدمج.  يمكن للتواصل الواضح أن يخفف المخاوف، ويقلل من الشائعات، ويساعد في الحفاظ على المعنويات.
  • تحفيز الموظفين: يمكن للموارد البشرية تنفيذ مبادرات للحفاظ على تفاعل الموظفين خلال فترة الانتقال، مما يساعد في الحفاظ على الإنتاجية والمعنويات.
  • أنظمة وعمليات الموارد البشرية

يعتبر دمج أنظمة الموارد البشرية، مثل الرواتب، وإدارة الأداء، وسجلات الموظفين، ضروريًا لانتقال سلس. يساعد تقييم توافق هذه الأنظمة أثناء العناية الواجبة (Due Diligence) في تخطيط الدمج.

تأثير الموارد البشرية على نجاح عمليات الدمج والاستحواذ

  • تسريع عملية التكامل: عندما تشارك الموارد البشرية بنشاط، يكون عملية التكامل أكثر سلاسة وسرعة. تعمل خبرة الموارد البشرية في إدارة الأشخاص والثقافة على تسريع التوافق بين الكيانات المندمجة.
  • تقليل معدلات المغادرة: من خلال معالجة مخاوف الموظفين وضمان انتقال سلس، تساعد الموارد البشرية في تقليل مخاطر فقدان المواهب الأساسية خلال وبعد عملية الدمج.
  • تحسين الأداء المالي: يمكن أن تؤدي الإدارة الناجحة للجوانب البشرية في عمليات الدمج والاستحواذ إلى تحسين النتائج المالية. تميل الشركات التي تدمج الثقافات بفعالية وتحتفظ بأفضل المواهب إلى الأداء الأفضل بعد الدمج.
  • تقليل المخاطر القانونية: يضمن إشراك الموارد البشرية أن عملية الدمج والاستحواذ تلتزم بجميع المتطلبات القانونية والتنظيمية، مما يقلل من مخاطر النزاعات القانونية المكلفة.

أمثلة على حالات فشل دمج واستحواذ نتيجة لعدم إشراك الموارد البشرية

  1. دايملر-بنز وكرايسلر (1998)

 الخلفية: كان الهدف من دمج دايملر-بنز، الشركة الألمانية لصناعة السيارات، وكرايسلر، الشركة الأمريكية لصناعة السيارات، هو إنشاء قوة عالمية في صناعة السيارات.

  قضايا الموارد البشرية: فشل الدمج بشكل كبير بسبب الفروقات الثقافية بين القوى العاملة الألمانية والأمريكية. كانت دايملر تتمتع بثقافة أكثر تحفظًا وهرمية، بينما كانت كرايسلر تتمتع بثقافة أكثر استرخاءً وروحًا ريادية. تم تجاهل هذه الفروقات، مما أدى إلى انعدام الثقة، ضعف التعاون، وفي النهاية فشل الدمج.

 النتيجة: تم حل الدمج في عام 2007، حيث باعت دايملر كرايسلر لشركة سيربيروس كابيتال مانجمنت بخسارة كبيرة.

  •  AOL وTime Warner (2000)

  الخلفية: كان دمج AOL مع Time Warner أحد أكبر عمليات الدمج وأكثرها شهرة في ذلك الوقت، حيث جمع بين مقدم خدمات الإنترنت الرائد وشركة إعلامية كبرى.

قضايا الموارد البشرية: فشل الدمج بسبب تصادم الثقافات بين ثقافة AOL السريعة والمبتكرة وثقافة Time Warner التقليدية والمركزة على الإعلام. لم تبذل جهود كافية لجسر هذه الفروقات الثقافية، وغادر العديد من الموظفين الرئيسيين في الشركة، مما أدى إلى فقدان المواهب والمعرفة المؤسسية.

 النتيجة: يُعتبر هذا الدمج من أسوأ عمليات الدمج في التاريخ، حيث انفصلت AOL وTime Warner في النهاية عام 2009، مع خسائر مالية كبيرة.

  • HP وCompaq (2001)

الخلفية: استحوذت شركة Hewlett-Packard (HP) على Compaq في محاولة لتصبح الشركة الرائدة في تصنيع أجهزة الكمبيوتر الشخصي.

قضايا الموارد البشرية: واجه الدمج تحديات كبيرة، خاصة في مجال التكامل الثقافي. اصطدمت ثقافة HP التي تعتمد على الهندسة والاتفاق الجماعي بثقافة Compaq الأكثر عدوانية والموجهة نحو المبيعات. أدى الفشل في إدارة هذه الفروقات الثقافية بشكل فعال إلى صراعات داخلية وصعوبات في تنفيذ استراتيجية الدمج.

النتيجة: تم اعتبار الدمج فاشلًا في البداية، مما أدى إلى سنوات من الأداء المالي الضعيف وتغيير كبير في الإدارة.

  •  Sprint وNextel (2005)

الخلفية: كان الهدف من دمج Sprint، شركة الاتصالات العملاقة، وNextel، شركة الاتصالات المتنقلة، هو إنشاء منافس أقوى في صناعة الاتصالات.

قضايا الموارد البشرية: فشل الدمج بسبب الفروقات الثقافية والتخطيط السيئ للتكامل. كانت لشركة Sprint وNextel قواعد عملاء وتقنيات وثقافات مؤسسية مختلفة. أدى نقص استراتيجية موارد بشرية متماسكة لمعالجة هذه الفروقات إلى احتكاكات داخلية، وضعف خدمة العملاء، وارتفاع معدل مغادرة الموظفين.

النتيجة: أسفر الدمج عن خسائر مالية كبيرة، وكتبت Sprint في النهاية جزءًا كبيرًا من قيمة الاستحواذ. استمرت الشركتان في المعاناة حتى استحوذت T-Mobile على Sprint في عام 2020.

الخاتمة

يعد إشراك الموارد البشرية في عمليات الدمج والاستحواذ أمرًا حيويًا وأساسيا لإدارة العناصر البشرية والثقافية لعملية الدمج أو الاستحواذ بفعالية، بما في ذلك التكامل الثقافي، والاحتفاظ بالمواهب، وإعادة الهيكلة التنظيمية، والتواصل مع الموظفين. فينبغي على المنظمات التأكد من أن الموارد البشرية تشارك بعمق منذ المراحل الأولى من عملية الدمج والاستحواذ.  فدور الموارد البشرية في التكامل الثقافي، وإدارة المواهب، وإعادة الهيكلة التنظيمية، والاتصال بالموظفين هو أمر حيوي لنجاح الدمج. وتجاهل دور الموارد البشرية يمكن أن يؤدي إلى تحديات كبيرة، بما في ذلك مغادرة الموظفين، والصراعات الثقافية، وحتى فشل الدمج كما وضحنا بأمثلة دايملر-كرايسلر، AOL-تايم وارنر، HP-كومباك، وسبرينت-نكستل لذلك، يجب أن تكون الموارد البشرية جزءًا لا يتجزأ من فريق الدمج والاستحواذ منذ البداية والمراحل الأولية.

عدنان البدر.

باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.

ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى