العقار

العقارات الصينية على مفترق طرق: هل يشهد السوق انتعاشًا في 2025؟

د. محمد جميل الشبشيري

تعد الصين من أكبر اقتصادات العالم، وتمثل سوق العقارات فيها جزءًا أساسيًا من نموها الاقتصادي. ومع بداية عام 2025، تبرز تساؤلات عدة حول مستقبل هذا القطاع. هل سيشهد السوق العقاري في الصين انتعاشًا بعد سنوات من الركود، أم سيستمر في الانخفاض؟ تشير المؤشرات الحالية إلى أن هذا العام سيكون حاسمًا في تحديد اتجاه السوق العقاري في الصين، خاصة في ظل التحديات العديدة التي تواجهه، ومن أبرزها الأزمة التي نشأت بسبب انهيار إيفرجراند، واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في البلاد.
إيفرجراند والأزمة المالية التي هزت السوق
تبدأ القصة مع “هوى كايان”، مؤسس China Evergrande Group، الذي أسس شركته في عام 1996 وحقق نجاحًا كبيرًا خلال العقدين التاليين، مستفيدًا من الطفرة العقارية في الصين. اعتمدت الشركة على نموذج تمويلي قائم على الاقتراض لشراء الأراضي وبناء المشاريع العقارية، مما سمح لها بالتوسع السريع في السوق الذي كان يشهد طلبًا كبيرًا على الإسكان. بحلول عام 2016، أصبحت إيفرجراند أكبر مطور عقاري في الصين، وارتفعت ثروة “هوى كايان” ليصبح أغنى رجل في آسيا.

ومع ذلك، وعلى الرغم من النجاح الكبير، كانت الشركة تعتمد بشكل مفرط على التمويل بالديون، وهو ما أصبح نقطة ضعف حاسمة مع بداية تشديد الحكومة الصينية للرقابة على القطاع العقاري عام 2020، حيث ارتفعت التزامات الشركة إلى نحو 300 مليار دولار، مما جعلها غير قادرة على الوفاء بتسديد التزاماتها المالية. ومع تراجع مبيعات العقارات في السوق الصيني، تحولت هذه الديون إلى عبء ثقيل، لتبدأ أزمة سيولة حادة تهدد بتدمير الشركة وسوق العقارات ككل.

تداعيات الأزمة على إيفرجراند والسوق العقاري في الصين

فشلت إيفرجراند في استكمال بناء 700 ألف شقة من أصل مليون شقة كانت قد وعدت بها، مما أدى إلى احتجاجات واسعة من العملاء والمستثمرين. كما تعرضت الشركة لأكثر من 2,200 دعوى قضائية بمسؤوليات مالية تقدّر بـ 73.4 مليار دولار. في الوقت نفسه، أعلنت إيفرجراند عن خسائر فادحة بلغت 81 مليار دولار في عامي 2021 و2022، ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة أصولها وسمعتها.

في سبتمبر 2021، تقدمت الشركة بطلب لحماية الإفلاس في الولايات المتحدة بهدف إعادة هيكلة ديونها الخارجية. لكن تأثير هذه الأزمة لم يقتصر على إيفرجراند فقط، بل امتد ليؤثر بشكل كبير على السوق العقاري الصيني. ففي الوقت الذي كانت إيفرجراند رمزًا للنجاح العقاري، أصبح انهيارها بمثابة جرس إنذار عن مخاطر التوسع المفرط والمديونية العالية في قطاع العقارات. ومع تصاعد الأزمة، بدأ المستثمرون في فقدان الثقة في السوق، وهو ما انعكس سلبًا على الاقتصاد الصيني والأسواق العالمية.

إيفرجراند كمؤشر لأزمة أوسع في سوق العقارات الصيني

كانت أزمة إيفرجراند بمثابة نقطة تحول في السوق العقاري الصيني. فبينما كانت الشركة في ذروة قوتها رمزًا للنجاح، أصبحت اليوم تمثل الوجه الآخر للمخاطر المرتبطة بالتمويل العقاري. هذا التحول يوضح كيف يمكن أن يؤدي التوسع المفرط في القطاع العقاري، مدعومًا بالديون، إلى انهيار ليس فقط لشركة واحدة، بل للسوق بأسره. ومما يزيد الأمور تعقيدًا هو تأثير هذا الانهيار على ثقة المستثمرين في سوق العقارات ككل، وهو ما يعزز التحديات التي تواجه الحكومة الصينية في سعيها لاستعادة الاستقرار في هذا القطاع الحيوي.
تطورات شركة إيفرجراند في عامي 2023 و2024
في عامي 2023 و2024، استمرت إيفرجراند في محاولات إعادة هيكلة ديونها الضخمة التي تجاوزت 300 مليار دولار، مع تقديم مقترحات لتعديل شروط الدفع والتأجيل. رغم ذلك، واجهت صعوبة في إقناع الدائنين والمستثمرين بالتعاون، مما أعاق تقدمها. كما بدأت في بيع بعض الأصول العقارية لتقليص ديونها، ولكن تراجع الطلب على العقارات في السوق زاد من تعقيد الوضع. في عام 2024، حاولت الشركة تحسين استراتيجياتها التسويقية والتركيز على أسواق محلية أقل تأثرًا بالأزمة، لكنها واجهت صعوبات في استعادة الثقة. ورغم بعض التحسينات الطفيفة، ظلت إيفرجراند تكافح لتجاوز أزماتها المالية، مع استمرار تأثيرات أزمة سوق العقارات على مستقبلها.

التوقعات للعام 2025
بناءً على هذه الأزمة التي عصفت بـ إيفرجراند وأسواق العقارات في الصين، يتوقع أن يكون عام 2025 عامًا حاسمًا لتحديد ما إذا كان السوق سيشهد انتعاشًا أم سيستمر في التراجع. الحكومة الصينية تبذل جهودًا كبيرة للحد من آثار الأزمة من خلال تحفيز الاقتصاد وفرض تدابير مالية لتنظيم القطاع. لكن، بالنظر إلى التداعيات الواسعة لأزمة إيفرجراند، فإن عملية التعافي قد تستغرق وقتًا طويلاً. يظل مستقبل السوق العقاري في الصين في يد التوازن بين تشديد الرقابة المالية على القطاع وبين ضمان عدم تعطيل النمو الاقتصادي بشكل كامل.
التحديات في سوق العقارات الصيني في 2025

في ظل التوقعات المستقبلية، يُتوقع أن يظل قطاع العقارات في الصين في وضع غير مستقر خلال 2025. ومن أبرز هذه التحديات تراجع الاستثمارات في العقارات، حيث انخفضت الاستثمارات العقارية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 بنسبة 10.3% (المصدر: بيانات وزارة الأراضي والموارد الصينية). كما تراجع حجم مبيعات العقارات بنسبة 20.9% في نفس الفترة، مما يعكس فقدان الثقة من قبل المستثمرين والمشترين. إضافة إلى ذلك، ارتفع المخزون العقاري غير المباع بنسبة 12.7%، وهو ما يفاقم من أزمة المعروض (المصدر: تقرير بنك الصين الشعبي).

في المقابل، فإن الحكومة الصينية تعمل على دعم السوق من خلال إجراءات تحفيزية مثل تخفيض متطلبات الدفعة الأولى للمشترين، وتوفير قروض للمشروعات العقارية المؤهلة. ومع ذلك، يتوقع الخبراء استمرار التراجع في أسعار العقارات بنسبة 5% في عام 2025 (المصدر: تقرير شركات الاستشارات العقارية الدولية). بناءً على هذه المؤشرات، يُتوقع أن يستمر التراجع في سوق العقارات الصينية في عام 2025، مما يضع الحكومة الصينية أمام تحديات كبيرة في استعادة استقرار القطاع وتعزيز ثقة المستثمرين والمشترين.
تأثير الأزمة العقارية على الاقتصاد العالمي
لا تقتصر تداعيات الأزمة العقارية في الصين على الاقتصاد المحلي فقط، بل تمتد لتؤثر على الاقتصاد العالمي ككل. باعتبار الصين أكبر شريك تجاري للعديد من الدول ومصدرًا رئيسيًا للمواد الخام والسلع، فإن أي اضطراب في سوقها العقارية يؤدي إلى تأثيرات سلبية واسعة النطاق.
• الأسواق المالية الدولية: انهيار كبرى الشركات العقارية في الصين أثار قلق المستثمرين الدوليين وأدى إلى تقلبات في أسواق الأسهم والسندات العالمية، خاصة تلك المرتبطة بالديون الصينية.
• الطلب على المواد الخام: تراجع قطاع البناء في الصين أدى إلى انخفاض الطلب على المواد الخام، مثل الحديد والنحاس، مما أثر على اقتصادات الدول المصدرة لهذه الموارد.
• سلاسل التوريد العالمية: الأزمة العقارية تسهم في اضطراب سلاسل التوريد، حيث تعتمد العديد من الصناعات العالمية على الصين كمصدر رئيسي للمواد الخام والمكونات.

الخاتمة
يبقى مستقبل سوق العقارات الصيني بين الانتعاش والتراجع رهينًا بمدى قدرة الحكومة الصينية على تطبيق سياسات إصلاحية فعالة تعيد الثقة للمستثمرين والمشترين. ومع اقتراب عام 2025، تظل الأنظار موجهة نحو هذا القطاع الحيوي وتأثيراته الممتدة على الاقتصاد المحلي والعالمي. فهل تستطيع الصين تجاوز الأزمة وتجنب ركود اقتصادي أوسع؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى