عضو مجلس الإدارة المستقل… بين النصوص القانونية وواقع السوق الكويتي

في عالم الشركات الحديثة، لم يعد مجلس الإدارة مجرد مجموعة من التنفيذيين والملاك الكبار يجتمعون لاتخاذ قرارات استراتيجية، بل أصبح التوازن في تشكيل المجلس عنصرًا جوهريًا لضمان النزاهة وحماية مصالح جميع المساهمين. ومن هنا برزت فكرة عضو مجلس الإدارة المستقل، ذلك المقعد الذي يُفترض أن يكون بمنأى عن النفوذ والمصالح الشخصية، ليعمل كصوت ضمير داخل المجلس.
الدور الجوهري للعضو المستقل
لا تقتصر وظيفة العضو المستقل على حضور اجتماعات المجلس وإبداء الرأي، بل تشمل:
1- تعزيز الشفافية والمساءلة داخل المجلس.
2- التأكد من عدالة القرارات وعدم انحيازها لمصلحة مساهم بعينه أو إدارة الشركة على حساب المساهمين.
3- مراقبة الالتزام بالقوانين والتعليمات، وخاصة فيما يتعلق بتعارض المصالح.
4- المشاركة الفاعلة في اللجان المنبثقة عن المجلس، مثل لجنة التدقيق ولجنة الترشيحات والمكافآت.
إن وجود عضو مستقل فعّال يعني توفير توازن حقيقي داخل المجلس، وخلق بيئة من النقاش البنّاء الذي يثري جودة القرارات.
الحاجة إلى طرف مستقل
ظهرت فكرة العضو المستقل عالميًا مع تطور مفاهيم الحوكمة بعد أزمات مالية كبرى، مثل انهيار شركة “إنرون” في الولايات المتحدة وأزمة “ماكسويل” في بريطانيا، حين تبين أن غياب الرأي المحايد داخل مجالس الإدارة ساهم في تعميق الكوارث. دول كثيرة سارعت إلى فرض وجود عضو أو أكثر مستقل في المجلس، معتبرة ذلك صمام أمان إضافيًا.
تطور الفكرة في الكويت
في الكويت، تبنت هيئة أسواق المال فكرة العضو المستقل عبر قواعد الحوكمة الصادرة بموجب القانون رقم 7 لسنة 2010، حيث حددت تعريفًا دقيقًا للاستقلالية وشروطها.
وجاء بنك الكويت المركزي ليضع معايير خاصة للبنوك، أكثر تشددًا نظرًا للطبيعة الحساسة للقطاع المصرفي. كما أصدرت وحدة تنظيم التأمين تعليماتها الخاصة بالشركات الخاضعة لرقابتها، مع اختلافات ملحوظة في التفاصيل.
التشريعات الكويتية: بين التنظير والتطبيق
في الكويت، تبنت الجهات الرقابية – مثل هيئة أسواق المال، وبنك الكويت المركزي، ووحدة تنظيم التأمين – مفهوم العضو المستقل، ولكن كل جهة وضعت شروطها الخاصة لتعريف الاستقلالية. هذه الشروط تتعلق بعدم وجود علاقة مالية أو عائلية أو وظيفية مع الشركة أو كبار المساهمين خلال فترات زمنية محددة.
ورغم أهمية هذه المعايير، إلا أن اختلافها من جهة رقابية إلى أخرى أدى إلى غياب التوحيد، مما أربك الشركات أحيانًا في التطبيق العملي.
التباين في شروط الاستقلالية ولماذا لا يتم توحيدها؟
رغم أن الهدف واحد — حماية المصلحة العامة وضمان حيادية القرارات — إلا أن معايير الاستقلالية تختلف بين الجهات الرقابية الثلاث. هذا التباين يرجع إلى:
* خصوصية كل قطاع: القطاع المصرفي أكثر حساسية لمخاطر تضارب المصالح، ما يبرر تشدد المركزي.
* اختلاف طبيعة المخاطر: المخاطر في سوق المال تختلف عن المخاطر في التأمين أو البنوك.
* المرجعيات الدولية: كل جهة قد تتبنى إرشادات من منظمات دولية مختلفة (مثل لجنة بازل للبنوك، أو IAIS للتأمين، أو IOSCO لأسواق المال).
* الإطار القانوني المنظم لكل جهة: لكل جهة قانون خاص يمنحها سلطة وضع معايير مستقلة.
الواقع العملي: العقبة في إيجاد المرشحين
على الورق، تبدو فكرة العضو المستقل سهلة التنفيذ. لكن في الواقع العملي بالسوق الكويتي، تظهر عدة تحديات:
1- شبكة العلاقات والقرابة: المجتمع الكويتي صغير نسبيًا، والتداخل العائلي والاجتماعي والوظيفي يجعل من الصعب العثور على شخص تنطبق عليه معايير الاستقلالية الصارمة.
2- ضعف الحافز المادي: وهو العامل الأهم، إذ لا توجد مكافآت مجزية تتناسب مع حجم المخاطر والمسؤوليات الملقاة على عاتق العضو المستقل. فهو مطالب بحضور اجتماعات، والمشاركة في لجان منبثقة، ومتابعة ملفات حساسة مثل تعارض المصالح، بل ومواجهة أعضاء نافذين أو كبار المساهمين، وكل ذلك مقابل مردود قد لا يعكس حجم الجهد أو المخاطر.
الحلول المقترحة: كسر الدائرة المغلقة
للتغلب على هذه المعضلة، يمكن النظر في مقترحات عملية، مثل:
* الاستعانة بصغار المستثمرين: اختيار أعضاء مستقلين من المساهمين الصغار الذين لا يملكون نسبًا مؤثرة ولا تجمعهم روابط قوية بكبار الملاك، ما يرفع فرص الحياد.
* تحديد المكافآت مقدمًا: وضع مكافأة واضحة ومجزية للعضو المستقل منذ البداية، مع الأخذ بالاعتبار أنه سيشارك إلزاميًا في عدة لجان ويتحمل مسؤوليات قانونية ومعنوية كبيرة.
* برامج تدريب وتأهيل: إعداد قاعدة بيانات وطنية تضم مرشحين مؤهلين ومستقلين، مع منحهم برامج تدريب متخصصة في الحوكمة والرقابة.
إن العضو المستقل ليس مجرد مقعد شاغر لإرضاء المتطلبات الرقابية، بل هو عنصر فاعل يمكنه التأثير على مسار الشركة، وضمان الشفافية، وحماية مصالح المساهمين كافة. لكن في الكويت، لا يزال الطريق طويلًا بين النصوص القانونية والواقع العملي، ولن يتحقق الهدف من وجود العضو المستقل إلا بكسر الدائرة المغلقة في الاختيار، وتحفيز الكفاءات على قبول هذه المسؤولية الثقيلة.