
في كل العصور والأزمان يتواجد أصحاب الابتسامة الصفراء الذين يظهرون عكس ما يبطنون، يدّعون الفضيلة والشرف والأمانة والنزاهة والالتزام بأقصى درجات الشفافية والحوكمة، لكن في الواقع وفي الغرف المغلقة وفي الممارسات على أرض الواقع هذا السلوك لا يوجد منه 1%.
سلاح هؤلاء الثلة هو شخص يقومون بإغرائه بالمنصب الكبير جداً والوجاهة المجتمعية، والعائد المالي الكبير والمبالغ فيه جداً، والمميزات الأخرى المبالغ فيها بعنف، هذا مقابل أن توقّع وتمضي في المنظومة دون جدال أو نقاش … بمعنى أوضح وأوسع وأشمل يبحثون عن ضحية تحاسب عنهم بالوكالة وقت “الصجية” أو وقت انكشاف الحقائق، وتتحمل العتاب والعقاب المجتمعي للأبد، بشكل أوضح وأعمق كل المطلوب هو قيادي بدرجة “ناطور” ليكون الضحية بمقابل مالي ومنصب، وقد لا يعاقب ولا ينكشف الأمر.
تمدد هذه النوعية المدلسة وبقائها في مناصب كبيرة على رأس كيانات مالية كبرى ليس دليلاً على سلامة وصحة المنهج أو حتى الكفاءة، ففي الواقع هناك قوى خفية توفر لهؤلاء “الأراجوزات” الدعم الذي يكفل بقائها قابضة متمسكة بكرسي الإدارة، طالما “يعزف” بعمق وبإخلاص، ويدير الدفة في اتجاه المصالح الشخصية الضيقة للدائرة الضيقة القابعة خلف الستار، وذلك على حساب الأغلبية الأخرى أو الأقليات الصامتة المغلوبة على أمرها، التي تنتظر الفتات من توزيعات سنوياً، كل 12 شهراً، من العام للعام.
بعض المشاهد مرت أو تمر دون تعمق فيها، وهو ما يمنح هؤلاء القلة الفاسدة القوة لتتمدد أكثر. من لا يعرف أو نسى قصة المتلاعب الذي كان يلبي طلبات الداخل من أسواق الخارج للتهرب من الرقيب، من دون أي وازع أو رادع، المهم بالنسبة له تحقيق أرقام والظهور بمظهر القيادي المنتج بغض الطرف والنظر عن كيف تحققت هذه الأرباح والعوائد، وهل هي من مصادر مشروعة أو مخالفة للتعليمات، كل ذلك ليس مهماً، الأهم هو أرقام الميزانية.
عندما اصطدم “الفاسد” “بالشريف” كانت الكفة والغلبة للفاسد، وهذا المشهد يتكرر، لكنه في نهاية المطاف ينكشف وتنكسر أبراج الفساد مهما علت وتمددت، والعبر والتجارب كثيرة، وكم من مؤسسة عملاقة وشركة ضخمة توسعت ونمت ووصلت إلى مستويات من العظمة المالية، لكنها هوت في لمح البصر!
في الأفق تبدوا ملامح هذه الصورة، وهي نتيجة متوقعة حتى وإن تأخرت قليلاً، لكن المشهد يكتمل تدريجياً رويداً رويداً في تأكيد على أن ما بني على باطل فهو باطل حتى وإن ازدهر لفترة مؤقتة، لكن “لا يصح إلا الصحيح” في نهاية النفق.
وقاعدة التصحيح ثابتة في كل الدورات الاقتصادية والارتفاعات في أسواق المال، فمهما ارتفعت الأسواق وحصدت المكاسب يعقبها تصحيح.
الكيان شبه الورقي الذي يعيش على “المكياج” منذ سنوات، وهو في الطريق لنفاذ مخزونه من “المكياج” الذي يعتمد عليه في تحسين الصورة المالية المشوهة، وفي الطريق لنفاذ الأصول التي بددها وفتتها بلا أي حصافة أو مسؤولية، الأهم فقط هو عبور كل مرحلة بمرحلتها وتالي يصير خير.
لكن هل ستمر هذه الممارسات كما السابق؟ العالمين ببواطن الأمور يؤكدون أن “الموس على كل الروس”، والواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحساب قادم لا محالة، وستثبت الأيام نزاهة الضحية الذين تآمروا عليه وأخرجوه لأنه قال لا، ورفض التوقيع على “سرقة علنية” تمت قسراً في وضح النهار.
المهم في هذه المعادلة أن يكون عبرة، لأن الممارسة المالية التي تمت على أياديه وبهندسته وببصمته وبتخطيط مسبق مع سبق الإصرار تستحق الجزاء الجابر للضرر الذي نتج عن العملية المادوفية.