مقالات

نمر من ورق أم دب اقتصادي؟

بقلم – ليما راشد الملا

في خضم الحرب الروسية – الأوكرانية، لم يعد التصعيد محصوراً بالمدافع والدبابات، بل انتقل أيضاً إلى ميدان اللغة السياسية والاقتصادية. فعبارة “نمر من ورق” التي استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوصف روسيا، تؤكد بوضوح محاولته تكريس صورة دولة عاجزة عن تحقيق النصر الميداني أو فرض إرادتها السياسية على أوكرانيا. لكن الرد الروسي لم يتأخر، إذ شبّه الكرملين بلاده بـ “الدب”، نافياً أي مظهر من مظاهر الضعف، ومؤكداً أن الاقتصاد الروسي يمضي نحو تحقيق نمو متوقع في العام 2026 بنسبة 1.3%، بعد أن سجّل نمواً بنسبة 1.1% في النصف الأول من العام الجاري، متفوقاً بذلك على اقتصادات منطقة اليورو التي تعاني من ضغوط الركود.

 

هذه السجالات الكلامية ليست مجرد تبادل للتوصيفات، بل تعني تحوّلاً استراتيجياً في العلاقة بين واشنطن وموسكو. فترامب، الذي سبق أن لمح إلى إمكانية لعب دور الوسيط لإنهاء الحرب عبر تقديم مطالب محددة للكرملين، انتقل فجأة إلى لهجة أكثر تشدداً، داعياً أوكرانيا إلى “استرداد أراضيها”، في ما بدا أنه اصطفاف أوضح إلى جانب كييف. هذه المواقف بدورها صبّت الزيت على نار التوتر، إذ رأت فيها موسكو محاولة أميركية لدفع الصراع نحو مواجهة مباشرة مع حلف الناتو، بما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الأمن الأوروبي والعالمي.

إلى أي مدى يستطيع الاقتصاد الروسي الحفاظ على صورة الصمود؟

منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، واجه الاقتصاد الروسي موجة غير مسبوقة من العقوبات الغربية، استهدفت القطاع المالي والتكنولوجي والطاقة. غير أن موسكو اعتمدت سياسة “اقتصاد الحرب” القائمة على التكيف والتحايل، ما سمح لها بالحفاظ على استقرار نسبي وتسجيل نسب نمو مفاجئة. ووفق البيانات الأخيرة، فإن النمو بنسبة 1.1% في النصف الأول من 2025 يوضح قدرة روسيا على الالتفاف على العقوبات عبر تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين والهند وتركيا، والاعتماد على عائدات الطاقة التي بقيت صمام الأمان الأول للاقتصاد.

لكن التحدي الأساسي أمام روسيا يبقى هيكلياً: فالاقتصاد يعتمد بشدة على صادرات النفط والغاز، في وقت يتزايد فيه الضغط الأوروبي للبحث عن بدائل طاقة طويلة الأمد. وإذا كان الدب الروسي نجح مرحلياً في الصمود، فإن خطر التآكل البطيء لا يزال قائماً، خصوصاً مع تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية وتآكل البنية التكنولوجية نتيجة الحظر الغربي.

إلى أي مدى ستؤثر الأحداث على الاقتصاد العالمي؟

التصعيد الكلامي بين ترامب والكرملين لا يقتصر أثره على أوكرانيا وروسيا فحسب، بل يعمّق مخاوف الأسواق العالمية من دخول مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. فالاقتصاد العالمي يعيش أصلاً على وقع تباطؤ النمو، وتفاقم أزمات الطاقة والغذاء، وارتفاع مستويات الدين. وأي مواجهة مفتوحة بين روسيا والناتو ستعني انفجار أسعار النفط والغاز مجدداً، ما يهدد أوروبا بشتاء آخر من الأزمات، ويعيد التضخم إلى مسار تصاعدي عالمي.

في المقابل، فإن الأسواق الناشئة، التي استفادت نسبياً من إعادة توجيه التجارة الروسية شرقاً، ستجد نفسها أمام معضلة مزدوجة: الاستفادة من تدفقات الطاقة الرخيصة من جهة، ومواجهة الضغوط الجيوسياسية والعقوبات الثانوية من جهة أخرى. وهذا بدوره يفرض على هذه الاقتصادات السير بحذر على حبل مشدود بين مصالحها الاقتصادية وعلاقاتها مع الغرب.

أي لغة ستحدد مستقبل الصراع: لغة المال أم لغة السلاح؟

الواضح أن الحرب في أوكرانيا لم تعد حرب جبهات فحسب، بل تحولت إلى حرب روايات اقتصادية أيضاً. ترامب يحاول إظهار روسيا كقوة منهكة تترنح تحت العقوبات، بينما يسعى الكرملين لإبراز صورة الدب الذي لا يهزم، مستنداً إلى أرقام النمو ونسبة 1.3% المتوقعة في 2026.

لكن بعيداً عن الأرقام والرموز، يبقى الواقع أن الاقتصاد الروسي، رغم صموده النسبي، يواجه ضغوطاً هائلة تهدد قدرته على المدى البعيد. أما الاقتصاد العالمي، فإنه يقف عند مفترق طرق خطير، حيث أي انزلاق إضافي في مسار الحرب قد يضع النظام المالي الدولي أمام صدمة جديدة، شبيهة أو أشد مما شهده مع أزمة الطاقة والتضخم بعد 2022.

في النهاية، يبقى السؤال: هل ستنتصر لغة الاقتصاد والعقلانية، أم أن لغة التصعيد والرموز – “النمر من ورق” في مواجهة “الدب” – ستدفع العالم إلى فوضى اقتصادية أكبر؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى