مقالات

 

لم يكن انهيار شركة WeWork في عام 2019 مجرد فشل لنموذج عمل، بل كان انفجاراً بطيئاً ناتجاً عن خلل عميق في الحوكمة. فقد جمع مؤسسها آدم نيومان بين منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، مما منحه سلطة مطلقة وغير خاضعة للرقابة. تحت قيادته، توسعت الشركة بشكل متهور، متجاهلة مؤشرات الخطر المالي، ووصلت خسائرها إلى مليارات الدولارات. وعندما حاولت الشركة طرح أسهمها للاكتتاب العام، اصطدمت بالواقع: كشفت وثائق الطرح عن تضارب مصالح صارخ، وهياكل إدارية معقدة تزيد من سيطرة نيومان، وغياب تام لرقابة المجلس الفعالة. كانت النتيجة انهيار ثقة المستثمرين، وإلغاء الطرح، وخسارة الشركة لأكثر من 37 مليار دولار من قيمتها في أسابيع، ودراسة عالمية عن كيف يمكن لشخص واحد أن يهدم إمبراطورية عندما تتركز السلطة وتغيب الرقابة.

 

الدروس المستفادة وتطبيقاتها في السياق الكويتي

تُعد قصة انهيار WeWork درساً عالمياً بامتياز، لكن العبرة الحقيقية تكمن في كيفية استفادة البيئات المؤسسية المختلفة منه. في هذا الإطار، تبرز تجربة دولة الكويت كمثال يستحق الدراسة، حيث سارعت إلى استباق مثل هذه المخاطر عبر تشريعات حوكمة رشيدة، وإن كانت لا تزال تواجه تحديات “خطر خفي” يتطلب مزيداً من الوعي.

 

الخطوة الإيجابية: منع الجمع بين منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة

يمثل قانون الشركات الكويتي الجديد (رقم 1 لسنة 2016) تطوراً مهماً في هذا المجال، حيث منع صراحةً الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في الشركات العامة المدرجة. هذا القرار يستحق الإشادة للأسباب التالية:

* تعزيز الرقابة المستقلة: يضمن الفصل بين القيادة التنفيذية ورئاسة المجلس وجود رقيب مستقل على أداء الإدارة.

* مواءمة المعايير العالمية: يُحاذي هذا النهج أفضل ممارسات الحوكمة في الأسواق المالية المتقدمة.

* حماية المساهمين: يحد من مخاطر تركيز السلطة وتضارب المصالح الذي قد يؤدي إلى قرارات غير رشيدة، كما حدث في حالة WeWork.

الخطر الخفي: الجمع بين منصب الرئيس التنفيذي وعضوية مجلس الإدارة

على الرغم من هذه الخطوة الإيجابية، لا يزال القانون الكويتي يجيز للرئيس التنفيذي أن يكون عضواً في مجلس الإدارة، حتى في الشركات العامة، طالما لم يجمع مع رئاسة المجلس. هذا “الخطر الخفي” قد يقوض فلسفة الفصل التي يسعى القانون إلى تحقيقها، وذلك لأن:

* تأثير السلطة الرمزية: وجود الرئيس التنفيذي كعضو في المجلس قد يخلق توازناً غير متكافئ في ديناميكيات النقاش، خاصة في الثقافات المؤسسية التي تحترم التدرج الوظيفي بشكل كبير.

* تضارب المصالح المستتر: يصبح من الصعب على الرئيس التنفيذي – وهو عضو في المجلس – أن يحاسب نفسه أو أن يناقش تقييم أدائه أو مكافآته بموضوعية.

* إضعاف صوت الأعضاء المستقلين: قد يتحول المجلس إلى منصة لتأييد رؤية الرئيس التنفيذي بدلاً من مناقشتها نقدياً.

الثغرة الأكبر: الجمع الكامل في الشركات المقفلة

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن قانون الشركات الكويتي يسمح بالجمع الكامل بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في الشركات المقفلة (غير المدرجة). هذه الثغرة تمثل خطراً جسيماً لأن:

* الشركات المقفلة غالباً ما تكون عائلية أو يتركز ملكيتها: مما يزيد من احتمالية هيمنة شخص واحد وغياب آليات الرقابة الفعالة.

* نقص الشفافية: عدم إلزامية الإفصاح للجمهور يجعل من الصعب كشف الممارسات غير الرشيدة إلا بعد فوات الأوان.

* تهديد استدامة الشركات: يمكن أن تؤدي القرارات الفردية غير الخاضعة لرقابة حقيقية إلى إضعاف هذه الشركات، التي تشكل عماد القطاع الخاص الكويتي.

إن المبدأ الأساسي الذي أثبتته فشل WeWork وأكدته الحوكمة السليمة هو: “الرقابة الفعالة تستحيل عندما يكون الرقّاب (المراقب) والخاضع للرقابة شخصاً واحداً”.

من هذا المنطلق، فإن الخطوة التشريعية الكويتية بفصل منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس المجلس في الشركات العامة هي قرار حكيم يستحق الثناء. لكن الرحلة لم تكتمل بعد. لضمان حوكمة رشيدة حقيقية، يجب:

1- التفكير في سد الثغرة الخفيفة: مراجعة مدى ملاءمة الرئيس التنفيذي أن يكون مجرد عضو في مجلس الإدارة، والتأكيد على أهمية وجود أغلبية مستقلة حقيقية.

2- رفع المعايير في الشركات المقفلة: تشجيع الشركات المقفلة – ولو طوعاً عبر مدونات الحوكمة – على تبني فصل المنصبين، لحماية استدامتها وجذب الاستثمارات.

3- تعزيز ثقافة الحوكمة: لا تكفي القوانين وحدها، بل يجب بناء وعي لدى الملاك وأعضاء المجالس بأهمية الرقابة المتوازنة كاستثمار في مستقبل الشركة وليس مجرد التزام قانوني.

بهذه النظرة الشاملة، يمكن للكويت أن تتحول من متابعة للمعايير العالمية إلى رائدة في مجال حوكمة الشركات في المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى