اختلال الحقوق والواجبات في المـجتمع الكويتي

التوازن بين الحقوق والواجبات هو أساس كل حضارة، والحق في مقابل الواجب والواجب في مقابل الحق، فالحق أخذ والواجب عطاء ولا أخذ بلا عطاء، ولا عطاء بلا أخذ.
لذلك ارتبط الحق بالقانون وارتبط القانون بالحق أكثر من ارتباطه بالواجبات.
فالحقوق يحميها القانون، والواجبات التزام خلقي فردي، والحق ينتزعه الفرد من المجتمع والواجب يلتزم به الإنسان من تلقاء نفسه، لذلك أنشئت كليات الحقوق للدفاع عن حقوق الفرد والمواطن، في حين أن الواجبات جزء من التربية وعلم الأخلاق وجزء آخر قانوني ملزم.
كل الحضارات عرفت الحقوق والواجبات، ولكن القضية المهمة هي إيجاد التوازن بينهما، وهذا التوازن لا يحدث تلقائيا، بل يقع في سباق تاريخي وبجهد بشري في نوعية نظام التربية والتعليم، وأحيانا تكون الحقوق موجودة بقوة القانون والواجبات موجودة بالفعل والاجتهاد الفردي والرادع الأخلاقي، وأحيانا يكون بجدية تطبيق القانون. هذه مقدمة عن التفاعل والتوازن بين الحقوق والواجبات في أي مجتمع، لأن التوازن يحقق حضارة الأمم، فماذا عندنا نحن في الكويت؟
إن المراقب للمجتمع الكويتي يرى العجب في عدم التوازن بين الحقوق والواجبات، فيرى أن الحقوق قد طغت على الواجبات، وصار الفرد في المجتمع الكويتي يتمتع بحقوق ومزايا ليس لها حد، وذلك بفعل ما أعطاه الله لهذا البلد من نعم لم يحصل عليها كثير من شعوب العالم، ما أكسب المجتمع الشعور بالخمول تجاه الواجبات وعدم الاكتراث بتطبيقها.
لذلك فحقوق المواطن لا تحصى من حيث السكن الواجب على الدولة تحقيقه، وضمان الوظيفة والتعليم والصحة، والدعم غير الطبيعي للطاقة والغذاء، وعدم وجود ضرائب، وعدم وجود تجنيد إجباري كما هو موجود في دول العالم، وأمور كثيرة من ترقيات بالأقدمية وليس بالكفاءة، والكوادر والعلاوات الدورية السنوية وبالاختيار والمكافآت السنوية حسب الولاء وليس الكفاءة. كل ذلك واجب على الدولة أن توفره للمواطن، وهم يمثلون تقريبا 95٪ من موظفي الدولة، وهذه كلها حقوق حصل عليها المواطن، فماذا عن الجانب الأخر للمعادلة، ألا وهي الواجبات؟ إنها في أقل المستويات الموجودة في العالم، فكثير من المواطنين لا يطبقون القانون، وهناك كثير من الشواهد في الحياة العامة من تطبيق قانون المرور والبناء والرخص التجارية والاعتداء على الأموال العامة والمحاباة والتعيينات العشوائية المعتمدة على العلاقات العائلية والصداقات الحميمة. صار البلد ليس له بوصلة، واختل التوازن بين الحقوق والواجبات بقوة صارخة، فأصبحت الحقوق فوق كل شيء والواجبات من الأشياء المنسية، حتى التقييم الدولي للكويت عن معظم القيم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية في آخر المصاف بين دول العالم، وإنتاجية الموظف الحكومي حسب تقييم البنك الدولي لا تتعدى «22» دقيقة في اليوم، وهذا هدر لواجبات المجتمع تجاه الوطن، فماذا نحن فاعلون؟
إن المصيبة كبيرة وخلق التوازن بين الحقوق والواجبات يحتاج إلى قرارات استثنائية وصارمة لإعادة التوازن، فمن يرفع العلم لإصلاح وخلق التوازن؟! إنها مسؤولية الجميع وعلى رأسهم الحكومة فهي أساس الالتزام، ومتى التزمت بجدية فالناس ستتبعها وإلا فعلينا السلام. إنها حقيقة مرة ويجب إصلاحها وخلق ذلك التوازن المنشود لما فيه خير وصلاح هذا البلد الطيب… والله المستعان….
حامد السيف.