100 يوم في ظل ترامب: ماذا يفعل المستثمرون؟

شهدت الأيام المئة الأولى من الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب تغيرات جوهرية في المشهدين السياسي والاقتصادي، تجلّت في تقلبات حادة للأسواق وتبدلات متكررة في السياسات التجارية، خاصةً ما يتعلق بالتعريفات الجمركية. هذه التطورات تعكس حساسية متزايدة لدى الإدارة تجاه اهتزازات الأسواق، ما يشير إلى وجود نسخة جديدة مما يمكن تسميته بـ “وعد ترامب” (Trump Put) – استعداد ضمني لاتخاذ إجراءات لتهدئة الأسواق عند الضرورة.
لكن ما يميز المرحلة الحالية أن تفوق الأداء الأمريكي لم يعد حتميًا أو شاملاً، بل أصبح نسبيًا ويعتمد على منظور المستثمر وموقعه الجغرافي.
الأسهم: زخم غير مؤكد في عصر عدم اليقين
رغم الضغط السياسي والتجاري، ما زال البعض يراهن على قدرة السوق الأمريكية على التعافي، كما فعل “سكوت بيسنت” في مؤتمر ميلكن، مؤكداً أن “تاريخ الاقتصاد الأمريكي يمكن اختصاره في خمس كلمات: صعود مستمر نحو الأعلى.” ومع ذلك، فإن نظرة “وارن بافيت”، الذي قلص انكشافه على الأصول الأمريكية ورفع حصة السيولة، تطرح شكوكًا حول استدامة هذا الصعود.
في هذا السياق، يبقى مؤشر S&P 500 محط اهتمام. وعلى الرغم من تعرضه لتراجع بنسبة قاربت 20% في أبريل، فقد تعافى بنسبة ملحوظة. تتوقع مؤسسات مثل UBS أن يرتفع إلى 5800 نقطة بنهاية 2025، مدفوعًا بتحسن التوقعات حول التعريفات الجمركية، وإمكانية خفض أسعار الفائدة، وتعافي أرباح الشركات في 2026.
ومع ذلك، فإن ثقة المستثمرين في أسهم التكنولوجيا – وخاصة “السبعة العظماء” – اهتزت، وهو ما قد يعني بداية تحول في ديناميكيات القيادة السوقية، من الشركات الضخمة إلى فرص أكثر تنوعًا في القطاعات والبلدان.
السندات والعملات: الدولار يفقد بريقه
من بين محركات التفوق الأمريكي الثلاثة خلال العقد الماضي – التوسع المالي، الريادة التكنولوجية، وقوة الدولار – يبدو أن الأخير بدأ يفقد زخمه. فقد تراجعت قيمة الدولار بنسبة 8% منذ بداية 2025، وسط بلوغ صافي الالتزامات الدولية للولايات المتحدة نحو 90% من الناتج المحلي، وتبني البيت الأبيض لسياسة داعمة لعملة أضعف.
انعكس ذلك في كسر العلاقة التقليدية بين الدولار وعوائد السندات طويلة الأجل، ما دفع مستثمرين أجانب إلى إعادة النظر في جدوى الاحتفاظ بأصول أمريكية غير محمية من تقلبات العملة. ويشير هذا إلى أن الاستفادة من الأسواق الأمريكية قد تستمر للمستثمرين المحليين، ولكنها قد تُبتر للمستثمرين الدوليين بفعل تآكل العوائد من تقلبات سعر الصرف.
الذهب والدخل الثابت: العودة إلى الملاذات
في ظل تراجع الدولار وارتفاع عدم اليقين السياسي، عاد الذهب ليؤدي دور “التحوط الكلاسيكي”، وبلغ مستويات مرتفعة منذ بداية العام، مع توقعات أن يصل إلى 3500 دولار للأوقية بنهاية 2025، بل وربما 3800 دولار إذا تصاعدت التوترات السياسية.
وفي موازاة ذلك، تبقى السندات عالية الجودة خيارًا جذابًا للمستثمرين الباحثين عن توازن بين العائد والاستقرار، خصوصًا مع الانحدار الحاد في منحنى العائد الذي يشير إلى تباطؤ اقتصادي محتمل، لكنه يخلق فرصًا لاستغلال الفارق في العوائد.
خارطة استثمار جديدة: بين التنويع والابتكار
استنادًا إلى التجارب السابقة، يتضح أن استثنائية الأداء الأمريكي لم تكن دائمًا شاملة. ففي الفترة بين 2003 و2008، حقق مؤشر S&P 500 عوائد قوية بالدولار، لكن ضعف العملة حينها اقتطع نصف تلك المكاسب للمستثمر الأوروبي. وهو درس يتكرر اليوم: “الاستثمار الذكي لا يعتمد فقط على ما تشتريه، بل بأي عملة تشتري.”
لذا، تبرز التوصيات التالية كإستراتيجيات ذكية لمواجهة المرحلة:
* إدارة التوقيت والتقلب: عبر الدخول المرحلي للأسهم واستخدام أدوات التحوط لتقليل المخاطر.
* تنويع العملات والأصول: من خلال زيادة التعرض لأصول غير أمريكية خاصةً في أوروبا وآسيا (الهند وتايوان).
* التحوط السياسي: بالاعتماد على الذهب والفضة عند تصاعد المخاطر.
* التركيز على الابتكار التحولي: في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية والطب المتقدم، وهي ميادين لا تزال أمريكا متفوقة فيها وفقاً لتحليل “نورييل روبيني”.
* المرونة الجغرافية: سواء كنت مستثمرًا أمريكيًا أو أجنبيًا، فإن موقعك الجغرافي يجب أن يلعب دورًا في توجيه قراراتك الاستثمارية.
خاتمة: منظور استثنائية الأداء لم يعد مطلقًا
إذا كانت الأيام المئة الأولى لترامب 2.0 تعكس شيئًا، فهي أن التفوق الأمريكي لم يعد حقيقة مطلقة، بل احتمال نسبي. ففي ظل بيئة اقتصادية شبيهة بحالات الكمّية المزدوجة (Quantum Superposition)، قد تكون الأسواق الأمريكية رابحة وخاسرة في آن واحد – اعتمادًا على زاوية النظر.
هنا، لا بد للمستثمرين من تجاوز الأطر التقليدية، والنظر إلى العوامل الجيوسياسية، وسعر الصرف، والابتكار التكنولوجي، كجزء من معادلة معقدة، تتطلب استجابة مرنة وتخطيطًا استباقيًا