الجرائم المالية الإلكترونية وتأثيرها على القطاع المصرفي

بقلم/ د. محمد غازي المهنا
دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال m7md_almuhanna@hotmail.com
ما هي الجريمة المالية؟
تحدث الجريمة المالية عندما يقوم الأفراد أو الجماعات بتنفيذ أنشطة غير قانونية باستخدام المال أو الأصول المالية لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة. تتضمن هذه الأنشطة ارتكاب الاحتيال، وغسل الأموال، أو الجرائم الإلكترونية، مما يهدد الأمن الوطني والدولي. غالبًا ما يرتكب الأفراد هذه الجرائم بدافع الطمع، أو الرغبة في السلطة، أو لإخفاء أنشطة غير قانونية أخرى مثل الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات، مما يجعلها قضية كبيرة تؤثر على الأمن العام.
تشمل الجريمة المالية مجموعة متنوعة من الأنشطة غير القانونية التي تستهدف المال والأصول المالية لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة، وتتضمن هذه الجرائم غسل الأموال، والتداول الداخلي، والاحتيال، وغيرها من الأنشطة التي تلحق الضرر بالأفراد والشركات والاقتصادات بشكل عام.
ما هي الجريمة الإلكترونية في القطاع المالي؟
الجريمة الإلكترونية في مجال التمويل هي عملية الحصول على مكاسب مالية من خلال نشاط إجرامي يهدف إلى الربح، بما في ذلك الاحتيال على الهوية، وهجمات برامج الفدية، والاحتيال عبر البريد الإلكتروني والإنترنت، ومحاولات سرقة الحسابات المالية، أو بطاقات الائتمان، أو معلومات بطاقات الدفع الأخرى.
ما هي آثار الجرائم الإلكترونية؟
آثار الجرائم الإلكترونية:
* للأفراد:
خسائر مالية، وانتهاك الخصوصية، وتعرضهم للابتزاز بسبب نشر بيانات شخصية حساسة، أو التهديد بنشر معلومات قد تسبب ضررًا جسيمًا لسمعة الفرد.
* للمؤسسات:
خسائر مالية ضخمة، وتسريب بيانات حساسة، وفقد ثقة العملاء، وقد تؤدي هذه الهجمات إلى انهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة.
تُعد جرائم الاحتيال باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني من أبرز صور الجرائم الإلكترونية وأكثرها انتشارًا في الوقت الحالي، وهي تهدد أمن واقتصاد الدول بصفة عامة، والمؤسسات المالية والمصرفية، وكذلك الأفراد بصفة خاصة، لا سيما مع ازدهار التجارة الإلكترونية التي أصبحت تعتمد على البطاقات المالية في معاملاتها بشكل كبير. وتُعد البطاقات المالية نقودًا إلكترونية يتم الاستيلاء عليها عن طريق استخدام أساليب غير مشروعة، ما دفع بالمشرّعين إلى تجريم هذه الصور الحديثة من الجرائم والتصدي لها.
نحاول توضيح ذلك وفقًا لمنهجية تحليلية وصفية يتم التطرق فيها إلى مفهوم البطاقات المالية وخصائصها وأهم أنواعها، ثم نتعرض إلى ماهية جرائم الاحتيال المعلوماتي بواسطة بطاقات الائتمان، والوسائل والأساليب المتبعة لارتكابها وأهم صورها، ثم إلى موقف التشريع الوطني والتشريعات المقارنة من هذه الجريمة.
الجرائم المالية الإلكترونية هي أنشطة إجرامية تستخدم التكنولوجيا الرقمية لاختراق الأنظمة المالية وسرقة الأموال أو البيانات، مثل التصيد الاحتيالي، وتركيب البرامج الضارة (برامج الفدية)، واختراق الحسابات المصرفية، وتزوير الهوية، وسرقة البيانات الشخصية، وتتضمن غسل الأموال وغيرها، وتتطلب بلاغًا للجهات الأمنية مثل مكافحة الجرائم الإلكترونية أو الشرطة.
أمثلة على الجرائم المالية الإلكترونية:
- التصيد الاحتيالي (Phishing): خداع الضحايا للحصول على معلوماتهم المالية عبر رسائل بريد إلكتروني أو رسائل نصية احتيالية.
- البرامج الضارة (Malware): تثبيت برامج خبيثة لتشفير البيانات وطلب فدية، أو سرقة المعلومات المالية.
- اختراق الحسابات المصرفية: الوصول غير المصرح به إلى الحسابات المصرفية عبر الإنترنت لتحويل الأموال.
- سرقة الهوية (Identity Theft): استخدام معلومات شخصية لتنفيذ معاملات مالية باسم الضحية.
- غسل الأموال: إخفاء الأموال المكتسبة بطرق غير قانونية عبر الإنترنت لجعلها تبدو شرعية.
- الابتزاز: تهديد الضحايا بفضح معلومات خاصة (مثل التسجيلات) مقابل المال.
كيفية الإبلاغ:
إذا كنت ضحية لجريمة مالية إلكترونية، يمكنك الإبلاغ عبر:
- الشرطة أو مكافحة الجرائم الإلكترونية في بلدك.
- التطبيقات الحكومية، مثل تطبيق «كلنا أمن» في السعودية (والتي لديها تطبيقات مماثلة).
- المنصات الحكومية، مثل منصة «أبشر» في السعودية.
نصائح للحماية:
- كن حذرًا: لا تفتح روابط أو مرفقات من مصادر غير معروفة.
- كلمات سر قوية: استخدم كلمات سر معقدة وفريدة لجميع حساباتك.
- تحديث الأجهزة: حافظ على تحديث برامج الحماية ونظام التشغيل.
عواقب الجرائم المالية وغسل الأموال
تشمل أمثلة الجرائم المالية مخططات بونزي والمحاسبة الاحتيالية، وتؤدي إلى عواقب وخيمة على الأفراد والشركات والمجتمع. تتضمن العواقب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ما يلي:
العواقب الاقتصادية:
تقويض نزاهة واستقرار الأنظمة المالية، وتشويه الظروف الاقتصادية والسوقية، وتقليل الإيرادات الضريبية، وعرقلة النمو الاقتصادي.
العواقب الاجتماعية:
تقويض الثقة العامة في المؤسسات المالية والحكومية، وتسهيل الأنشطة الإجرامية الأخرى مثل الإرهاب، وزيادة الفجوة بين الدخل والفقر.
العواقب القانونية:
تشمل العقوبات الشديدة مثل الغرامات والسجن، ومصادرة الأصول، والضرر بالسمعة للأفراد والشركات.
أفضل الممارسات للوقاية من الجرائم المالية
أصبح من الضروري أن تتبنى الشركات استراتيجيات فعالة للوقاية من الجرائم المالية، كما يجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات تنفيذ تدابير حماية عملية وأدوات مبتكرة. وعلى الشركات فهم الفرق بين الجريمة المالية والاحتيال لضمان تنفيذ تدابير الأمان بشكل فعال، إذ قد تشمل الجريمة المالية أنشطة مثل غسل الأموال أو الاحتيال المالي، بينما الاحتيال غالبًا ما يكون جزءًا من هذه الأنشطة.
مكافحة الجرائم المالية هي مجموعة من السياسات والبرامج والإجراءات (مثل «اعرف عميلك» KYC، ومراقبة المعاملات، والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة) التي تهدف إلى منع وكشف وإيقاف الأنشطة غير القانونية مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاحتيال، وذلك لحماية النظم المالية والاقتصادية. وتتضمن هذه الجهود التعاون الدولي بين هيئات مثل مجموعة العمل المالي (FATF) والمنظمات المحلية (مثل وحدات التحريات المالية)، كما تستخدم تقنيات متقدمة لمتابعة الأموال غير المشروعة عبر الحدود والعالم الافتراضي، بما في ذلك العملات المشفرة.
آليات المكافحة وأدواتها
- التشريعات والسياسات: وضع قوانين صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
- برامج الامتثال: تطبيق سياسات «اعرف عميلك» (KYC) لتوثيق هوية العملاء وفحصهم.
- مراقبة المعاملات: رصد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها (مثل تقارير الأنشطة المشبوهة SARs).
- التعاون الدولي: تنسيق الجهود بين الدول والمنظمات مثل الإنتربول وصندوق النقد الدولي لمواجهة الجرائم العابرة للحدود.
- التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المعقدة واكتشاف الأنماط الاحتيالية بسرعة.
- التوعية والتدريب: تدريب العاملين في القطاع المالي والقطاعات غير المالية (مثل العقارات والأعمال القانونية) على تحديد المخاطر.
الجهات المسؤولة
* دوليًا:
فرقة العمل للإجراءات المالية (FATF)، الإنتربول (Interpol)، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي.
* محليًا:
وحدات التحريات المالية (FIUs) في كل دولة، البنوك، المؤسسات المالية، والجهات الرقابية (مثل وزارة الاقتصاد).
أمثلة على الجرائم المالية
تتعدد الأمثلة على الجرائم المالية لتشمل العديد من الأشكال والأنشطة غير القانونية، وفيما يلي بعض الأمثلة الشائعة التي تعكس تنوع هذه الجرائم:
1- التداول الداخلي:
يشمل شراء وبيع الأسهم بناءً على معلومات غير متاحة للجمهور، مما يمنح المتداولين ميزة غير عادلة على الآخرين.
2- الاحتيال:
يتخذ الاحتيال أشكالًا متعددة، منها احتيال الاستثمار الذي يتضمن مخططات بونزي أو الاحتيالات الهرمية، حيث يتم استخدام أموال المستثمرين الجدد لدفع مستحقات المستثمرين السابقين.
يشمل الاحتيال أيضًا:
* احتيال القروض:
يشمل الحصول على قروض بناءً على معلومات مضللة، مثل المبالغة في الدخل أو الأصول. مثال على ذلك احتيال الرهن العقاري، الذي يتضمن تقديم معلومات كاذبة في نماذج الرهن العقاري.
* احتيال الاستثمار:
تزداد جرائم الاحتيال المالي بشكل ملحوظ، مثل مخططات بونزي والاحتيالات الاستثمارية التي تعد بعوائد ضخمة، حيث يتم استخدام أموال المستثمرين الجدد لدفع أموال المستثمرين السابقين.
* احتيال التأمين:
يشمل اختلاق أو المبالغة في المطالبات للحصول على تعويضات مالية غير مستحقة من شركات التأمين، مثل تقديم مطالبات لحوادث وهمية أو ملفات طبية زائفة.
* التهرب الضريبي:
يتضمن إخفاء المال أو تقديم معلومات زائفة لتجنب دفع الضرائب، مثل تقليل الدخل المعلن أو اختلاق مصاريف وهمية.
* الرشوة والفساد:
تشمل دفع أو تلقي الرشاوى للحصول على مزايا غير مستحقة، مثل الحصول على عقود أو تراخيص.
* احتيال المحاسبة:
يتضمن العبث بالسجلات المالية لتقديم معلومات مضللة عن أداء الشركة، مما يخدع المستثمرين أو الأفراد الذين لهم أموال مستحقة.
* الاختلاس:
يشير إلى سرقة المال من أشخاص يثقون بك، مثل الموظفين أو المستشارين الماليين.
3- غسل الأموال
غسل الأموال هو عملية تحويل الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير قانونية إلى أموال تبدو وكأنها جاءت من مصادر قانونية. يتم ذلك عبر تمرير الأموال من خلال الأنظمة المالية الشرعية. وتشمل عملية غسل الأموال ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى:
يتم إدخال الأموال غير القانونية إلى النظام المالي، مثل إيداع النقود، أو شراء العقارات، أو دمج الأموال غير القانونية مع أموال الأعمال الشرعية.
المرحلة الثانية:
يُنقل المال بطرق معقدة، مثل استخدام حسابات متعددة وتحريك الأموال عبر دول مختلفة.
المرحلة الثالثة:
يتم دمج الأموال المغسولة في الاقتصاد وكأنها أموال قانونية، من خلال استثمارها في الأعمال التجارية أو الأنشطة القانونية الأخرى.
- الجرائم الإلكترونية
تشمل الأنشطة التي تعتمد على استخدام الحواسيب، والشبكات، أو الإنترنت، مثل القرصنة، والتصيد الاحتيالي، وسرقة الهوية. تتطور هذه الجرائم بشكل مستمر مع التقدم التكنولوجي، مما يجعلها أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف.
وتُعد الجرائم الإلكترونية من أخطر أنواع الجرائم المالية التي تعتمد على الحواسيب، والإنترنت، والشبكات. وتتضمن ما يلي:
* التصيد الاحتيالي:
يتم من خلال إرسال رسائل بريد إلكتروني وهمية أو إنشاء مواقع ويب مزيفة لجمع معلومات حساسة، مثل تفاصيل الحسابات المالية أو كلمات المرور.
* سرقة الهوية:
تتضمن استخدام المعلومات الشخصية الحقيقية أو المزيفة لفتح حسابات مصرفية أو التقدم للحصول على قروض باستخدام هويات مزيفة.
* القرصنة:
تشمل اختراق أنظمة الحواسيب للحصول على معلومات حساسة أو طلب فدية باستخدام برامج ضارة.
* الاحتيال عبر الإنترنت:
يشمل أنواعًا متعددة، مثل احتيال التجارة الإلكترونية و/أو الاحتيالات الاستثمارية.
الجرائم المصرفية في التشريع الجزائري
تتمثل الجرائم المصرفية في التشريع الجزائري في أفعال تخالف قوانين النقد والقروض وقانون العقوبات، وأهمها جرائم تبييض الأموال، والرشوة، والتفليس، وإفشاء السر المصرفي، مع وجود مسؤولية جزائية للبنك كشخص معنوي وموظفيه. وتخضع هذه الجرائم لقانون 03-11 المتعلق بالنقد والقرض، والقانون النقدي والمصرفي الجديد (23-09)، الذي يعزز الرقابة ويحدد عقوبات خاصة، إضافة إلى قانون العقوبات العام.
أهم الجرائم المصرفية في الجزائر:
- تبييض الأموال وتمويل الإرهاب: من أخطر الجرائم، وتُكافح بموجب القانون 05-01 والقانون 23-01، وتُستغل أحيانًا مبدأ السرية المصرفية لإخفاء الأموال غير المشروعة.
- الرشوة: استغلال الوظيفة المصرفية مقابل منافع، وهي جريمة اقتصادية عابرة للقطاع المصرفي.
- التفليس: مرتبط بالشركات والبنوك، ويتعلق بالاحتيال وإساءة إدارة الأموال.
- إفشاء السر المصرفي: جريمة جنائية يعاقب عليها القانون لحماية خصوصية الزبون، وتُعد خرقًا للمبدأ المهني المصرفي.
- الجرائم المتعلقة بالصرف: مخالفة قوانين الصرف الأجنبي.
الإطار القانوني:
- قانون العقوبات العام: يحتوي على أحكام عامة تُطبق على الجرائم المصرفية.
- القانون 03-11 المتعلق بالنقد والقرض: يضع أحكامًا جزائية خاصة، لا سيما ما يتعلق بالسرية المصرفية والمسؤولية الجنائية للبنوك.
- القانون 05-01 والقانون 23-01: مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
- القانون النقدي والمصرفي رقم 23-09 (2023): قانون حديث أعاد تنظيم القطاع المصرفي، وأنشأ هيئات رقابية مثل اللجنة المصرفية، وكرّس أحكامًا جزائية خاصة بالقطاع.
المسؤولية الجزائية:
تُقر مسؤولية البنوك (كشخص معنوي) عن الجرائم التي يرتكبها مسؤولوها أو ممثلوها في إطار نشاطها، وتُطبق عليها عقوبات.
كما تُطبق العقوبات على الموظفين الذين يرتكبون هذه الجرائم، مثل إفشاء السر المصرفي.
التحديات والمستجدات:
يسعى المشرّع الجزائري إلى موازنة مبدأ السرية المصرفية مع الحاجة إلى مكافحة الجريمة، ويشدد الرقابة. كما أن تنوع أساليب الجريمة المصرفية يتطلب تحديثًا مستمرًا للقوانين لمواكبة التطورات، خاصة في مجال الرقمنة والعملات الرقمية



