قارئ الكف وضاربو الودع في السوق العقاري

بقلم: مهندس مشعل الملحم
من المعيب أن يخرج أحدهم على الملأ ليجزم بانخفاض أسعار العقار أو ارتفاعها، وكأن مفاتيح الغيب قد أودعت في جيبه! حتى لو تزيّن بالرسوم البيانية، أو تذرّع بـ “المعطيات العلمية”، وتحدّث بثقة العارفين… تبقى ظنونه مجرد توقّعات تحتمل الصواب والخطأ، لا أكثر.
فمن يتحدث بيقين قاطع عن مسار السوق، فهو يمارس دور العرّاف العقاري، لا يختلف كثيرًا عن قارئ الكف أو ضارب الودع، سوى أنه يرتدي غترةً وعقالًا، ويتحدث من ديوانية مكتظّة بالمهلّلين لأقواله.
لقد عملتُ على مدى خمسة عشر عامًا مع شركتي نايت فرانك وسافيلز، وهما من أضخم المؤسسات العالمية المختصة بأبحاث السوق العقاري، وشهدتُ بنفسي كيف أن أغلب التوقّعات كانت تُصيب أحيانًا وتَخيب كثيرًا — لا بسبب جهل أو نقص، بل لأن السوق العقاري، ككل الأسواق، تتحكم به متغيّرات غير مرئية تتغير في لحظة.
في عام 2015، كانت آراء الخبراء تُفيد بنمو إيجابي لأسعار العقارات خلال السنوات الخمس التالية، إلا أن قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عصف بالتوقعات. تلاه وباء كورونا، ثم حرب أوكرانيا، ثم جاءت القرارات المتلاحقة برفع أسعار الفائدة… وكل حدث منها كان كفيلًا بقلب الطاولة وتغيير مسار التنبؤات.
اتجاهات أسعار العقار ليست معادلة جامدة، بل خليط معقّد من المال، والسياسة، والنفس البشرية، والثقة الجماعية. ومن يزعم أنه قادر على التنبؤ بمستقبله بدقة، فهو إما مخدوع… أو مخادع.
من الحرفية المهنية أن يُصدر الإنسان توقّعاته حول اتجاهات السوق، شريطة أن يُنوه في كلامه بأن تحليلاته مجرد توقّعات، قد تُصيب وقد تُخطئ، كي لا يعبث بالسوق.
كفّوا عن لعب دور “العرّاف العقاري”، والعبث بمشاعر الناس، ودفعهم لتغيير خططهم. فالسوق لا ينصاع لقارئ الكف ولا لضاربي الودع.