لماذا لم يعد أداء شركتك المالي كافيًا؟

بقلم: المحامي د. سعود ناصر الطامي
محكم وموفق لدى مركز الكويت للتحكيم التجاري
في عالم الأعمال التقليدي، كانت القوائم المالية هي النبض الوحيد الذي يُقاس به صحة الشركة. ولكن اليوم، هناك مجموعة جديدة من المقاييس أصبحت ضرورية لتشخيص مستقبل أي منظمة، إنها معايير ESG (البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات). لم يعد المستثمرون يطرحون السؤال التقليدي “كم تربح؟” فقط، بل أيضًا “كيف تربح؟”. هذا التحول الجذري من الربح كهدف وحيد إلى القيمة المستدامة كغاية، يعيد تعريف قواعد اللعبة التنافسية.
ما هي ESG؟
ESG هو إطار عمل لتقييم كيفية تعامل الشركة مع العالم من حولها، داخليًا وخارجيًا. إنه يشكل رخصةoperating الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين:
– البعد البيئي (Environmental): مسؤوليتك تجاه الكوكب
هذا البعد يتعدى مجرد “إعادة التدوير”. إنه يشمل الإدارة الاستباقية للتأثير البيئي للشركة:
* الانبعاثات الكربونية: قياس البصمة الكربونية والعمل على تحييدها.
* إدارة الموارد: كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، والحد من النفايات وتحويلها من مكبات النفايات.
* التنوع البيولوجي: كيف تؤثر عمليات الشركة على النظم البيئية المحيطة بها.
* الاقتصاد الدائري: تصميم المنتجات لدورة حياة كاملة، من المواد الأولية إلى إعادة الاستخدام.
– البعد الاجتماعي (Social): مسؤوليتك تجاه الناس
الناس هم محرك أي شركة ناجحة. هذا البعد يركز على رأس المال البشري والمجتمع:
* رعاية الموظفين: تكافؤ الفرص، التنوع والشمول، الصحة والسلامة النفسية والجسدية، الأجور العادلة، وتطوير المهارات.
* علاقة العملاء: خصوصية البيانات، الأمان، والشفافية في التسويق.
* المجتمع المحلي: الاستثمار في المجتمعات التي تعمل فيها، ودعم المبادرات المحلية.
* سلسلة التوريد: ضمان خلوها من انتهاكات حقوق الإنسان مثل عمالة الأطفال.
– حوكمة الشركات (Governance): هيكل النظام الداخلي
هذه هي الركيزة الأساسية التي تدعم الركيزتين الأخريين. بدون حوكمة قوية، تتهاوى الوعود البيئية والاجتماعية.
* هيكل مجلس الإدارة: الاستقلالية، التنوع في الخبرات والجنسيات، الفصل بين مهام الرقابة والتسيير.
* أخلاقيات العمل: وجود مدونة قوية للأخلاقيات وسياسات فعالة لمكافحة الفساد والرشوة.
* شفافية الأجور: الإفصاح عن الفجوة بين رواتب التنفيذيين ومتوسط رواتب الموظفين.
* حقوق المساهمين: ضمان معاملة عادلة وحقهم في التصويت على القضايا المصيرية.
الاستثمار في ESG: لماذا هو استثمار ذو عائد مضمون؟
التحول إلى ESG استثمار ذكي في مرونة واستمرارية العمل وليس تكلفة إضافية
1- جذب رأس المال “الذكي:” يتدفق تريليونات الدولارات من رأس المال الاستثماري المستدام عالميًا. صناديق الاستثمار الكبرى (مثل BlackRock وVanguard) تطلب الآن تقارير ESG كشرط أساسي للاستثمار. الشركة ذات التصنيف العالي في ESG تُنظر إليها على أنها أقل خطورة على المدى الطويل، وبالتالي تحصل على تمويل بأسعار أفضل.
2- المواهب تذهب حيث القيمة: أكثر من 80% من جيل الألفية والجيل Z يفضلون العمل في شركات تشاركهم قيمهم. استراتيجية ESG قوية هي أقوى أداة لجذب والاحتفاظ بأفضل الكفاءات، مما يقلل من تكاليف الدوران التدريبي ويزيد من الإنتاجية والابتكار.
3- حصانة ضد الأزمات وبناء سمعة منيعة: الشركة التي تتبنى ممارسات سليمة هي أقل عرضة للفضائح البيئية أو الاجتماعية التي تدمر القيمة السوقية في لحظة ولا ننسى فضيحة انبعاثات Volkswagen التي كلفتها عشرات المليارات
4- الاستعداد للوائح المستقبلية governments : حول العالم تفرض قوانين بيئية واجتماعية أكثر صرامة (مثل ضرائب الكربون). الشركة التي تبدأ مبكرًا في قياس أدائها لن تفاجأ بهذه اللوائح وستتجنب الغرامات الباهظة، بل وقد تحول الامتثال إلى ميزة تنافسية.
من الربح الربعي إلى الإرث طويل الأمد
دمج ESG هو أكثر من مجرد إصدار تقرير سنوي. إنه تحول ثقافي في طريقة رؤية الشركة لدورها في العالم. إنها رحلة من كونها كيانًا يهدف لتعظيم الأرباح فقط، إلى كيان يخلق قيمة مشتركة للمساهمين، والعملاء، والموظفين والمجتمع.
الشركات التي تفهم أن النجاح المالي والقدرة على الصمود على المدى الطويل مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالاستدامة والأخلاقيات، هي التي لن تنجو فقط من تحولات السوق المستقبلية، بل ستقودها