مقالات

هل يولد محور اقتصادي جديد ” بكين – نيودلهي – موسكو”؟

النظام العالمي على مفترق طرق…

بقلم – ليما راشد الملا

 

يواجه العالم اليوم لحظة تاريخية معقدة، تتسم بتسارع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، وتراجع ثقة العديد من القوى الدولية بالنظام المالي والسياسي الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة. وفي هذا السياق، فإن اللقاء الأخير الذي جمع الصين والهند وروسيا كإشارة مهمة لاحتمال ولادة تحالف جديد، قد يعيد رسم خرائط القوة العالمية، ويضع اللبنات الأولى لنظام متعدد الأقطاب أكثر استقلالية عن الغرب.

هذا اللقاء لم يكن اجتماع بروتوكولي فحسب، بل حمل في طياته دعوات صريحة لتعزيز الشراكة الاقتصادية ورفع مستوى التنسيق الأمني، إلى جانب بحث إمكانية إعادة هيكلة العلاقات المالية بعيداً عن الهيمنة التقليدية للدولار. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن لهذه الخطوات أن تتحول إلى نواة حقيقية لتحالف استراتيجي قادر على تغيير موازين القوى؟

الاقتصاد في قلب التحولات

من الواضح أن الدافع الاقتصادي يقف في مقدمة هذا التقارب. فالصين، باعتبارها القوة الصناعية الأكبر، تسعى لتأمين أسواق ضخمة لطموحاتها التكنولوجية والاقتصادية. أما الهند، فهي توازن بين كونها قوة سكانية هائلة تحتاج إلى استثمارات وبنية تحتية، وبين سعيها لتعزيز حضورها كمركز صناعي عالمي بديل أو مكمل للصين. روسيا بدورها، التي تواجه ضغوطاً وعقوبات غربية غير مسبوقة، ترى في هذا التقارب فرصة لتصريف مواردها الطبيعية وإيجاد شراكات مالية وتجارية تقلل من الاعتماد على النظام الغربي.

واحدة من أهم القضايا المطروحة كانت إيجاد بدائل عملية للدولار في التسويات التجارية. فقد تزايدت في السنوات الأخيرة الدعوات لإنشاء أنظمة دفع جديدة، وربط العملات الوطنية في المعاملات الداخلية، وهو ما يمكن أن يخفف من أثر العقوبات الاقتصادية الغربية، ويفتح الباب أمام نظام مالي أكثر مرونة وتعددية.

التعاون الأمني: أكثر من ضرورة

على الجانب الأمني، تتشارك الدول الثلاث في إدراك أن النظام العالمي الحالي لم يعد يوفر لها الضمانات الكافية. الصين تواجه ضغوطاً في بحر الصين الجنوبي وتنافساً استراتيجياً مع الولايات المتحدة. روسيا منشغلة بملفاتها الجيوسياسية المعقدة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. والهند تبحث عن توازن دقيق في مواجهة صعود الصين، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تجاهل حجم الفرص التي يقدمها التعاون معها.

من هنا جاء الحديث عن تعزيز التحالف الأمني ليكون بمثابة شبكة أمان لهذه القوى، تتيح لها مواجهة التحديات المشتركة، من تأمين خطوط التجارة والطاقة، إلى مواجهة أي محاولات لعزلها أو فرض إملاءات سياسية عليها.

هل نحن أمام بديل للنظام الغربي؟

السؤال الأهم الذي يشغل المراقبين هو ما إذا كان هذا التقارب الثلاثي سيمثل بالفعل بديلاً للنظام الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها. المؤشرات الاقتصادية والأمنية توحي بأن هناك إرادة حقيقية لبناء منظومة جديدة، لكن التحديات الداخلية ليست سهلة.

فالعلاقة بين الصين والهند لا تخلو من التجاذبات الحدودية والتنافس الاستراتيجي، كما أن روسيا، رغم حاجتها إلى شركاء جدد، لا تزال مرتبطة بأنماط من التعاون التاريخي مع أوروبا يصعب تجاوزها سريعاً. ومع ذلك، فإن المصالح المشتركة، خاصة في مواجهة العقوبات الغربية ورغبة الجميع في تنويع الشركاء، قد تجعل هذا التحالف واقعاً لا يمكن تجاهله.

خاتمة مفتوحة

الوضع الدولي الراهن يقف عند منعطف حاسم. إذا تمكنت الصين والهند وروسيا من تجاوز خلافاتها، فقد نشهد ولادة تحالف اقتصادي–أمني يعيد تشكيل النظام العالمي، ويحد من هيمنة الغرب على مفاتيح الاقتصاد والسياسة الدولية. أما إذا طغت الخلافات على المصالح المشتركة، فسيبقى هذا المشروع مجرد محاولة إضافية ضمن سلسلة محاولات لم تكتمل.

لكن المؤكد أن العالم لم يعد كما كان. والتحركات الأخيرة تؤكد حقيقة لا يمكن إنكارها: النظام الدولي يتغير، ومن يقرأ هذه التحولات جيداً سيصنع مستقبله بطريقة مدروسة وذكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى