مقالات

الإغلاق الحكومي…هل تتوقف أمريكا عن العمل؟

بقلم – ليما راشد الملا

في الأول من أكتوبر 2025 دخلت الولايات المتحدة رسمياً في إغلاق حكومي جديد، بعدما فشل الكونغرس الأمريكي في تمرير قانون الموازنة أو حتى قرار تمويل مؤقت يضمن استمرار عمل المؤسسات الفدرالية. النتيجة كانت شلل جزئي في قطاعات الدولة، وتوقف آلاف المشاريع والخدمات، فيما وُضع مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين في إجازة مؤقتة أو أُجبروا على العمل من دون أجر.

ما معنى الإغلاق الحكومي؟

الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة ليس حدثاً جديداً، بل هو أداة سياسية تتكرر عندما تفشل السلطة التنفيذية (البيت الأبيض) والسلطة التشريعية (الكونغرس) في الاتفاق على الموازنة. في هذه الحالة، تتوقف معظم المؤسسات الفدرالية غير الأساسية عن العمل، بينما يستمر تشغيل بعض القطاعات الحساسة مثل الجيش، الأمن، والمطارات. لكن حتى هؤلاء الموظفين غالباً ما يعملون بلا رواتب حتى يُرفع الإغلاق.

لمحة تاريخية

شهدت الولايات المتحدة عدة إغلاقات سابقة. ففي عام 1995، دخل الرئيس بيل كلينتون في صراع مع الكونغرس أدى إلى إغلاق حكومي. أما في عام 2013، فقد أُغلقت مؤسسات الدولة لمدة 16 يوماً نتيجة الخلاف حول برنامج “أوباما كير”. وفي نهاية 2018 وبداية 2019، شهد عهد الرئيس دونالد ترامب أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد استمر 35 يوماً. واليوم، في ولايته الثانية (ترامب 2.0)، يتكرر المشهد مجدداً.

ما المختلف هذه المرة؟

الجديد أن البيت الأبيض برئاسة ترامب طلب من الوكالات الفدرالية إعداد خطط لتسريحات دائمة في حال طال أمد الإغلاق. هذه خطوة تصعيدية غير مسبوقة سياسياً، أثارت قلقاً واسعاً داخل الولايات المتحدة. الجمهوريون يرون في الإغلاق وسيلة ضغط مشروعة على الديمقراطيين، بينما يتهم الديمقراطيون ترامب بالمغامرة باستقرار الدولة وبمستقبل الاقتصاد الأمريكي.

التداعيات الاقتصادية

تقديرات الخبراء تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يخسر ما يقارب 15 مليار دولار أسبوعياً من الناتج المحلي الإجمالي إذا استمر الإغلاق. كما تهتز ثقة المستثمرين بشكل واضح، فيما تتأجل أو تلغى بعض البيانات الاقتصادية الأساسية التي يعتمد عليها السوق العالمي.

الواقع اليوم يُظهر أن أكثر من 750 ألف موظف فدرالي إما في إجازة من دون راتب أو يعملون بلا أجر. المحاكم الفدرالية ما زالت تعمل مؤقتاً ويرجع ذلك للرسوم المالية المتراكمة، لكن هذه الأموال لن تكفي إلا حتى منتصف أكتوبر.

إجراءات البيت الأبيض

إدارة ترامب اتخذت خطوات مثيرة للجدل، إذ جمدت 26 مليار دولار من التمويل المخصص لولايات ذات غالبية ديمقراطية، منها 18 مليار دولار لمشاريع النقل في نيويورك و8 مليارات للطاقة الخضراء في المطارات. هذه الخطوة فسرت على أنها عقاب سياسي مباشر للولايات المعارضة، وأثارت موجة انتقادات حادة.

تأثير مباشر على الحياة اليومية

رغم أن مراقبي الحركة الجوية وموظفي الأمن في المطارات ما زالوا على رأس عملهم، فإنهم يعملون من دون أجر. مع إطالة أمد الإغلاق، قد يواجه المسافرون طوابير أطول وتأخيرات متزايدة في السفر كذلك، المتنزهات الوطنية ما زالت مفتوحة جزئياً، لكن المرافق مغلقة والخدمات محدودة.

أما البرامج الاجتماعية مثل برنامج التغذية للنساء والأطفال (WIC) فهي مهددة بالتوقف في حال طال أمد الإغلاق، ما يزيد من قلق الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الأمريكي.

الخلاصة

الإغلاق الحكومي ليس فقط خلاف داخل أروقة الكونغرس أو بين البيت الأبيض والمعارضة، بل أصبح سلاحاً سياسياً يطال حياة ملايين الأمريكيين. ما يجري اليوم في الولايات المتحدة يثبت أن الصراع السياسي أحياناً يتجاوز حدوده الطبيعية، ليصل إلى درجة شلّ الدولة نفسها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى