ماذا لو قامت الصين بشراء الذهب بكثافة؟

في ظل تصاعد حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، ومخاوف الركود التضخمي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، يتجدد الاهتمام بسيناريو بالغ الأهمية: ماذا لو قامت الصين – صاحبة أكبر احتياطي دولاري في العالم – بتحويل جزء معتبر من هذا الاحتياطي نحو شراء الذهب؟
هذا السيناريو ليس خياليًا، بل يستند إلى مؤشرات واقعية منها تسارع البنوك المركزية في شراء الذهب، وتحولات في مراكز القوة النقدية العالمية، والتقلبات الناجمة عن السياسات الأمريكية، خصوصًا في ظل ما يُعرف بظاهرة “صفقات ترامب”.
الطلب العالمي على الذهب: تحولات لافتة
منذ انتخاب الرئيس الأمريكي في أواخر العام الماضي، كان الذهب من أفضل الأصول أداءً، حيث ارتفع بنسبة 26%، متجاوزًا حاجز 3500 دولار للأوقية في ذروته، قبل أن يستقر حول 3300 دولار.
وفي الصين، قفزت علاوة السعر المحلي إلى 100 دولار للأوقية فوق السعر العالمي، وهو ما يعكس طلبًا محليًا كثيفًا، دفع بورصة شنغهاي للذهب إلى إصدار تحذيرات للمستثمرين من المبالغة في المضاربة.
وفي الربع الأول من 2025، ارتفع إجمالي الطلب العالمي على الذهب إلى 1206 أطنان، مع انخفاض حاد في الطلب على المجوهرات 21% بسبب الأسعار المرتفعة، مقابل ارتفاع استثنائي في الطلب الاستثماري بنسبة 170% ليبلغ 552 طنًا، وهو أقوى رقم ربع سنوي منذ 2022، نتيجة تقلبات السياسة الأمريكية، ومخاوف الركود، وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
كما أضافت البنوك المركزية 244 طنًا إلى احتياطياتها، استمرارًا لاتجاه صاعد مضى عليه 16 عامًا، مدفوعًا بالرغبة في تنويع الأصول، والتحوط ضد المخاطر، وتأمين المحافظ السيادية.
الصين بين الدولار والذهب: دوافع التحوّل
تمتلك الصين أكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطيات الأجنبية، جلّها بالدولار الأمريكي. وهذا يجعلها مكشوفة أمام مخاطر التضخم الأمريكي، وتقلبات الفائدة، والعقوبات الغربية. وفي المقابل، تبقى حيازاتها من الذهب متواضعة مقارنةً بقوتها الاقتصادية والجيوسياسية.
وبالتالي، فإن قرارًا استراتيجيًا صينيًا بشراء الذهب بكثافة يحقق:
- تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار
- تأمين القوة الشرائية المستقبلية
- دعم الجاهزية لمواجهة أي صدمات مالية أو عقوبات
- تعزيز مركز اليوان كعملة احتياط بديلة
تأثير مثل هذا القرار على السوق العالمي
إذا ما لجأت الصين إلى الشراء المكثف للذهب، فمن المنتظر
- قفزات سعرية كبرى تتجاوز 4000 دولار للأوقية؛ سلوك مضاربي شديد نتيجة توجه
- المستثمرين الأفراد والمؤسسات للحاق بالموجة؛
- موجات جني أرباح وتقلبات قصيرة الأجل لكنها ضمن اتجاه صاعد طويل الأمد؛
- إعادة تموضع في المحافظ العالمية نحو الذهب والصناديق المدعومة به.
سؤال ذكي من أحد الحاضرين… وإجابة تحليلية
أثناء محاضرتي الأخيرة حول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتداعياتها على العالم العربي ومصر، التي عُقدت بدعوة كريمة من نادي كاف الثقافي بالكويت، سألني أحد الحضور سؤالًا عميقًا:
“ما توقعاتك بشأن لجوء الصين لشراء الذهب؟ وما أثر ذلك على الأسعار، وعلى المستثمرين والأفراد؟ وكيف يمكن التحوط؟ وهل سيتحول المستثمرون كذلك إلى الذهب؟”
وقد أجبت بالآتي، ويمكن مشاهدة المحاضرة كاملة عبر الرابط التالي:
- أسباب محتملة وراء تحرّك الصين نحو الذهب
هيمنة الدولار على الاحتياطيات الصينية لم تعد مستدامة، ومع تزايد عدم الثقة في الدولار كأداة مستقرة للقيمة، يصبح الذهب ملاذًا أكثر جاذبية.
- أثر الشراء الصيني على أسعار الذهب
قد نشهد موجة صعود جديدة، مع توقعات بتجاوز السعر 4000 دولار، خاصة إذا تزامن ذلك مع زيادة في استثمارات الأفراد وصناديق الاستثمار المتداولة.
- أثر ذلك على الأفراد والمستثمرين
– ارتفاع أسعار الذهب والمجوهرات؛
– ضغوط على العملات المحلية؛
– تحوّل استثماري نحو الذهب على حساب الأصول الأخرى؛
– مخاطر الدخول في موجات سعرية مرتفعة يصعب الخروج منها دون خسائر.
- التحوط الواجب اتخاذه
– تنويع المحافظ الاستثمارية بين الذهب وأصول أخرى؛
– تخصيص 10-15% من السيولة للذهب أو أدواته؛
– المراقبة الدقيقة للأسواق واستشارة خبراء قبل اتخاذ قرارات كبرى.
- هل يقلّد المستثمرون خطوة الصين؟
نعم، الخطوات الصينية الكبرى غالبًا ما تُحدِث “تأثير القطيع”، فيهرع المستثمرون لشراء الذهب مدفوعين بالخوف والطمع، مما يُسرّع الدورة الصعودية.
خلاصة:
التحول الصيني إلى الذهب ليس مجرد خيار مالي، بل قرار استراتيجي يعكس إعادة تشكيل للنظام المالي العالمي. وعلى الدول العربية، والمستثمرين، والأفراد، الاستعداد لهذا السيناريو بالتحليل العميق، والتحوّط الذكي، وتجنّب المبالغة في ردود الفعل.
الذهب سيبقى، كما كان عبر العصور، مؤشرًا حساسًا على اضطراب المنظومة النقدية العالمية، وملاذًا حين تشتد العواصف.