
نقاط القوة:
* المنهجية الكمية استخدام معايير قابلة للقياس (المساحة المفتوحة، مساحة الطرق، نصيب الفرد) يوفر أساساً كمياً للدراسة .
* التركيز على جوانب مهمة المساحات المفتوحة والطرق والكثافة السكانية هي بالفعل عوامل مهمة في التخطيط العمراني وجودة الحياة .
* الشفافية في حدود الدراسة إشارة الدراسة إلى أنها لا ترتبط بأسعار العقارات وأنها لم تتطرق إلى معايير أخرى مثل العرض والطلب والمسافات من المراكز التجارية، تُظهر شفافية في تحديد نطاق الدراسة .
* استخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS): ذكر استخدام تقنيات GIS في حساب مساحة الطرق يعزز من دقة البيانات الجغرافية .
نقاط الضعف:
* تعريفات غير دقيقة تعريف المساحة المفتوحة واسع جداً وقد يشمل مساحات لا تساهم في جودة الحياة بالمعنى المقصود، على الرغم من استبعاد المناطق الصحراوية والصناعية .
* إغفال معايير حاسمة: تجاهل الدراسة لمعايير أساسية مثل توفر الخدمات، جودة البنية التحتية، الأمن، والوصولية، يحد من شموليتها وقدرتها على تقديم صورة كاملة عن جودة الحياة .
* التركيز على الكم دون الكيف التركيز على مساحة الطرق دون النظر إلى جودتها أو كفاءتها أو تأثيرها البيئي والاجتماعي، يقلل من قيمة هذا المعيار .
* نقص في تحليل البيانات السكانية عدم توضيح كيفية حساب عدد السكان لكل منطقة يؤثر على مصداقية معيار نصيب الفرد .
* غياب التحليل المتكامل عدم وجود تحليل يربط بين المعايير المختلفة لتقديم تصنيف شامل للمناطق .
* نقص في التوصيات العملية لم تقدم الدراسة توصيات واضحة ومحددة للمخططين أو المستثمرين بناءً على النتائج .
مؤشر نصيب الفرد من العقار: منهجية، تباين، ومقارنة عالمية
تُعد دراسة شركة أعيان العقارية نقطة انطلاق مهمة في تحليل سوق العقار الكويتي، إلا أن المعيار الرئيسي الذي اعتمدت عليه، وهو “متوسط نصيب الفرد الواحد من مساحة الأراضي الاستثمارية والسكنية”، يستدعي نقداً أعمق عند مقارنته بالواقع الاجتماعي والمعايير الدولية. فبينما يقدم هذا المؤشر لمحة كمية عن توفر الأراضي، فإنه قد يخفي فجوات وتفاوتات جوهرية في جودة السكن والعدالة الاجتماعية.
1- منهجية حساب متوسط نصيب الفرد من العقار
يعتمد مؤشر نصيب الفرد من العقار بشكل عام على قسمة إجمالي المساحة المخصصة للسكن (سواء كانت أراضي أو وحدات سكنية) على إجمالي عدد السكان في المنطقة المعنية. في سياق دراسة أعيان العقارية، يبدو أن المنهجية المتبعة لحساب “متوسط نصيب الفرد الواحد من مساحة الأراضي الاستثمارية والسكنية” تعتمد على إجمالي مساحة الأراضي المخصصة للسكن الخاص والاستثماري مقسومة على عدد السكان في تلك المناطق. على سبيل المثال، تشير الدراسة إلى أن مدينة المطلاع تتصدر المناطق بأعلى متوسط مساحة مخصصة للفرد الواحد من أراضي السكن الخاص، حيث تقارب 77,469 متراً مربعاً، وهذا الرقم يُفسر بقلة عدد السكان حالياً في المنطقة مقارنة بالمساحة المتاحة .
ومع ذلك، فإن الدراسة الأصلية لا تفصل بشكل واضح ودقيق كيفية جمع بيانات السكان لكل منطقة، أو ما إذا كانت تستخدم بيانات السكان الحاليين أو المتوقعين، أو ما إذا كانت تميز بين أنواع السكان (مواطنين ومقيمين) عند حساب هذا المتوسط. هذا الغموض في المنهجية يثير تساؤلات حول دقة المؤشر وقدرته على عكس الواقع بشكل شامل. فغياب التفاصيل حول مصدر البيانات السكانية (مثل الهيئة العامة للمعلومات المدنية) وكيفية معالجتها يحد من إمكانية التحقق من صحة النتائج.
2- تباين نسبة نصيب الفرد من العقار
تُظهر الدراسة تبايناً كبيراً في نسبة نصيب الفرد من العقار بين المناطق المختلفة في الكويت، وهو ما يعكس بدوره تباينات في أنماط التخطيط العمراني، الكثافة السكانية، وطبيعة استخدام الأراضي. هذا التباين يبرز عدة إشكاليات:
* إشكالية التباين بين الأرقام والواقع هذه الأرقام، وإن كانت تعكس ديناميكيات السوق العقاري من حيث العرض وتوافر الأراضي، إلا أنها لا تتعمق في جوانب الجودة أو القدرة على تحمل التكاليف بالنسبة لمختلف شرائح المجتمع. فالواقع المعيشي في الكويت يكشف عن فجوات كبيرة وتفاوتات عميقة لا يعكسها مؤشر نصيب الفرد من العقار بشكل كافٍ. تكمن الإشكالية الرئيسية في أن هذا المؤشر يخلط بين فئات سكانية ذات أنماط سكنية واحتياجات مختلفة، مما يعطي انطباعاً مضللاً بالعدالة في التوزيع .
* الخلل في توازن التوزيع الجغرافي وجودة السكن يُظهر التقرير تفاوتًا في نصيب الفرد من الأراضي بين المحافظات والمناطق المختلفة. فبينما تتمتع مناطق مثل المطلاع وصباح الأحمد البحرية بنصيب فردي مرتفع جداً من الأراضي المخصصة للسكن الخاص، فإن مناطق أخرى قد لا تتمتع بنفس الوفرة. هذا التفاوت في التوزيع الجغرافي لا يرتبط فقط بكمية الأراضي، بل ينعكس أيضاً على جودة البنية التحتية والخدمات المتوفرة، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة للسكان .
بالإضافة إلى ذلك، يغفل المؤشر جوانب أساسية من جودة السكن. فالمساحة المخصصة للفرد على الورق قد لا تعكس المساحة الفعلية التي يعيش فيها، أو مدى ملاءمة هذه المساحة من حيث التهوية، الإضاءة الطبيعية، والوصول إلى المرافق الأساسية. تشير الملاحظات النوعية إلى أن نسبة كبيرة من المساكن، خاصة في المناطق المكتظة، قد لا تلتزم بالمعايير الدنيا للمساحة للفرد (مثل 10 أمتار مربعة للفرد حسب منظمة الصحة العالمية)، وأن العديد منها يفتقر إلى التهوية والإضاءة الطبيعية . هذا التباين بين المؤشر الكمي والواقع النوعي يقلل من قدرة المؤشر على تقديم صورة حقيقية لظروف السكن.
* الازدواجية السكنية بين المواطنين والمقيمين: تُعد الازدواجية السكنية في الكويت من أبرز التحديات التي لا يتناولها مؤشر نصيب الفرد من العقار بشكل مباشر. فالمواطنون الكويتيون يميلون إلى السكن في فلل سكنية بمساحات كبيرة (تتراوح بين 400 و600 متر مربع)، مما يوفر لهم نصيباً فردياً من الأرض يصل إلى حوالي 200-300 متر مربع . في المقابل، يعيش غالبية المقيمين (حوالي 70%) في شقق استثمارية بمساحات أصغر بكثير (60-100 متر مربع للأسرة)، أو في مساكن عمالية، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد الفعلي من المساحة 20-30 متراً مربعاً .
هذا التباين الصارخ في أنماط السكن بين الفئتين يعكس فجوة اجتماعية واقتصادية عميقة. فالمؤشر العام لنصيب الفرد من العقار، بجمعه لهذه الفئات، يخفي هذه الازدواجية ويعطي انطباعاً خاطئاً بأن هناك توزيعاً عادلاً للمساحات السكنية. في الواقع، فإن الوفرة الظاهرة في المؤشر العام لا تعني بالضرورة توفر السكن الملائم لجميع الفئات، بل قد تعكس فقط وفرة الأراضي المخصصة لفئة معينة، بينما تعاني فئات أخرى من ظروف سكنية صعبة .
3- مقارنة بالمعايير الدولية ومنهجية حساب المتوسط
تعتمد المنظمات الدولية المعنية بالسكن، مثل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، على مؤشرات أكثر شمولية ودقة لتقييم جودة السكن والقدرة على تحمل تكاليفه، والتي تتجاوز مجرد قياس نصيب الفرد من الأرض. هذه المؤشرات تركز على مفهوم “الحق في السكن الملائم”، والذي يشمل أبعاداً متعددة تتجاوز المساحة الكمية .
* مؤشر المضاعف الوسيط (Median Multiple):** يُعد هذا المؤشر، الذي تستخدمه دراسة Demographia International Housing Affordability [3]، من أبرز المعايير الدولية لقياس القدرة على تحمل تكاليف السكن. يعتمد هذا المؤشر على قسمة متوسط سعر المنزل على متوسط دخل الأسرة. بينما يقدم تقرير أعيان بيانات عن أسعار الأراضي والمنازل في الكويت، فإنه لا يتضمن بيانات عن متوسط دخل الأسرة، مما يجعل من الصعب حساب مؤشر المضاعف الوسيط وتصنيف سوق السكن الكويتي وفقاً للمعايير الدولية للقدرة على تحمل التكاليف .
* مؤشرات جودة السكن ومعايير الملاءمة:** تتجاوز مؤشرات جودة السكن الدولية مجرد المساحة، لتشمل عوامل مثل المساحة المبنية للفرد (Floor Area per Capita) ، وكثافة الإشغالOccupancy Density) ) ، وجودة البنية التحتية، والوصول إلى الخدمات الأساسية، ومتانة المسكن، وموقعه. على سبيل المثال، توصي منظمة الصحة العالمية بحد أدنى للمساحة المبنية للفرد يبلغ 10 أمتار مربعة. يُظهر تقرير أعيان بيانات عن إجمالي المساحات المخصصة للسكن، ولكنها لا تقدم تفاصيل عن المساحة المبنية الفعلية للفرد داخل الوحدات السكنية، أو عن كثافة الإشغال. كما أن التركيز على توفر الأراضي لا يضمن بالضرورة جودة البنية التحتية أو الخدمات المحيطة بالمساكن .
* التخطيط العمراني والقيود على استخدام الأراضي يُشير تقرير Demographia إلى أن القيود على استخدام الأراضي والتخطيط العمراني تساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار الأراضي والسكن وجعلها غير ميسورة التكلفة . بينما يذكر تقرير أعيان وفرة في الأراضي المخصصة للسكن في الكويت، فإنه لا يتطرق إلى تأثير السياسات التخطيطية على أسعار الأراضي أو على القدرة على تحمل تكاليف السكن. إن وجود مساحات كبيرة من الأراضي المخصصة لا يعني بالضرورة سهولة الوصول إليها أو تطويرها بأسعار معقولة، خاصة إذا كانت هناك قيود تنظيمية أو تخطيطية ترفع من تكلفة التطوير .
الخلاصة والتوصيات
تُعد دراسة شركة أعيان العقارية حول توزيع أراضي السكن الخاص والاستثماري في الكويت خطوة إيجابية نحو فهم ديناميكيات السوق العقاري. لقد قدمت الدراسة بعض البيانات الكمية المفيدة حول توزيع الأراضي والمساحات المفتوحة والطرق. ومع ذلك، فإنها تعاني من بعض أوجه القصور المنهجية التي تحد من شموليتها وعمق تحليلها، خاصة فيما يتعلق بمؤشر نصيب الفرد من العقار الذي لا يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي المعقد في الكويت .
1- توسيع نطاق المعايير ودمج الجودة والقدرة على تحمل التكاليف يجب أن تشمل الدراسات المستقبلية مجموعة أوسع من المعايير التي تؤثر على جودة الحياة، مثل توفر الخدمات الأساسية (التعليمية، الصحية، الترفيهية)، جودة البنية التحتية، الأمن والسلامة، وسهولة الوصول إلى المرافق الحيوية. كما يجب دمج مؤشرات نوعية مثل المساحة المبنية للفرد، وكثافة الإشغال، ومؤشر القدرة على تحمل التكاليف (مثل مؤشر المضاعف الوسيط) لتقديم صورة أكثر شمولية عن جودة السكن وملاءمته .
2- تحسين تعريفات المعايير يجب أن تكون تعريفات المعايير أكثر دقة وشمولية، خاصة فيما يتعلق بالمساحات المفتوحة، لضمان أنها تعكس بالفعل المساحات التي تساهم إيجاباً في جودة الحياة.
3- التركيز على الجودة والكفاءة بدلاً من التركيز فقط على الكم (مثل مساحة الطرق)، يجب أن تتناول الدراسات أيضاً الجودة والكفاءة (مثل جودة الطرق، كفاءة شبكات النقل، جودة المساحات الخضراء).
4- التحليل المتكامل للبيانات والتفريق بين الفئات السكانية يجب إجراء تحليل متكامل يربط بين جميع المعايير المستخدمة لتقديم تصنيف شامل للمناطق، بدلاً من تقديم نتائج كل معيار على حدة. كما يجب التفريق بين الفئات السكانية المختلفة (المواطنين والمقيمين) عند تحليل مؤشرات السكن، لتعكس الدراسات الواقع الاجتماعي بشكل أكثر دقة وتجنب الازدواجية السكنية .
5- تضمين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وربطها بخطط التنمية على الرغم من أن الدراسة ذكرت أنها لا ترتبط بالأسعار، إلا أن تضمين تحليل للقدرة الشرائية، متوسط الدخل، وتأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على جاذبية المناطق، سيعزز من قيمة الدراسة. كما يجب ربط المؤشرات بتحليل تأثير السياسات التخطيطية على أسعار الأراضي والسكن والقدرة على تحمل التكاليف .
6- تقديم توصيات عملية يجب أن تختتم الدراسات بتوصيات واضحة ومحددة للمخططين، المستثمرين، وصناع القرار، لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مستنيرة.
في الختام، يمكن أن تكون هذه الدراسة نقطة انطلاق جيدة لمزيد من البحث والتحليل المتعمق لسوق العقارات في الكويت، مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات والتوصيات المذكورة لتقديم دراسات أكثر شمولية ودقة وفائدة، تضمن الحق في السكن الملائم للجميع .