مقالات

الذهب يرتفع ووول ستريت تتراجَع: تحليل لتقلبات الأسواق العالمية

 

تشهد الأسواق المالية العالمية حاليًا فترة من التقلبات الملحوظة، حيث تراجعت مؤشرات وول ستريت بعد فترة من النمو القوي الذي غذته التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي. في المقابل، استعاد الذهب مكانته كملاذ آمن، مسجلاً مستويات قياسية جديدة. يعكس هذا التباين صراعًا بين ثقة المستثمرين في مرونة الاقتصاد الأمريكي والمخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى الرسائل المتضاربة من الاحتياطي الفيدرالي حول مستقبل أسعار الفائدة.

تراجع أسهم التكنولوجيا بعد “طفرة الذكاء الاصطناعي”

بعد ثلاثة أيام متتالية من الإغلاقات القياسية، شهدت المؤشرات الرئيسية في بورصة نيويورك تراجعًا يوم الثلاثاء. فقد انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 0.20%، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.54%، بينما كان مؤشر ناسداك الأكثر تأثرًا بخسارة بلغت 0.91%.

جاء هذا التراجع بشكل أساسي نتيجة لهبوط أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى. كانت شركة إنفيديا في طليعة هذه الانخفاضات، حيث فقدت 3.1% من قيمتها بعد أن وصلت إلى ذروة تاريخية إثر إعلانها عن خطط للاستثمار في شركة أوبن إيه آي. كما شهدت أسهم عمالقة التكنولوجيا الأخرى مثل أمازون، مايكروسوفت، وآبل انخفاضات مماثلة.

جيروم باول في مواجهة التضخم والبطالة

اتسمت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بالحذر الشديد. فقد امتنع عن تحديد موعد واضح لتخفيض أسعار الفائدة، مؤكدًا على التحدي المتمثل في الموازنة بين كبح جماح التضخم ودعم سوق العمل الذي بدأت تظهر عليه علامات الضعف.

ارتفعت توقعات المستثمرين لخفض الفائدة في شهر أكتوبر إلى 94%، مقارنة بـ 89.8% في اليوم السابق، وذلك وفقًا لأداة “CME Fedwatch”. ومع ذلك، لا يزال احتمال تثبيت الفائدة عند مستوى 5.9% قائمًا.

الذهب يتألق كملاذ آمن

في ظل حالة الترقب وعدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، استفاد الذهب بشكل كبير، مسجلاً مستوى قياسيًا جديدًا بلغ 3,778.49 دولار للأونصة، بزيادة قدرها 0.86%. يعكس هذا الارتفاع المتواصل اتجاه المستثمرين نحو الأصول الآمنة للتحوط ضد المخاطر الاقتصادية والمالية.

تراجع عوائد السندات وارتفاع أسعار النفط

شهدت عوائد سندات الخزانة الأمريكية تراجعًا، حيث انخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.114%. في سياق متصل، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من دولار للبرميل بعد تعثر اتفاق استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق، مما خفف من المخاوف بشأن وفرة المعروض في السوق.

قراءة في المشهد الاقتصادي الحالي

يمكن وصف المشهد الاقتصادي الراهن بـ “الازدواجية الاقتصادية”. فمن ناحية، يظهر الاقتصاد الأمريكي مرونة ملحوظة، وهو ما كان الداعم الرئيسي لأسواق الأسهم خلال الأشهر الماضية. ومن ناحية أخرى، تثير البيانات الاقتصادية المتقلبة والرسائل المتضاربة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي مخاوف من تباطؤ اقتصادي وشيك، مما يدفع المستثمرين للبحث عن أدوات تحوط مثل الذهب.

تبدو الأسواق الآن في انتظار “محفز جديد” يحدد اتجاهها المستقبلي. فبعد ثلاث سنوات متتالية من العوائد الكبيرة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500، لم يعد مجرد التفاؤل بالذكاء الاصطناعي أو توقعات خفض الفائدة كافيًا للحفاظ على الزخم الصعودي. يتطلب الوضع الحالي رؤية أوضح للمسار الاقتصادي العالمي وسياسات البنوك المركزية لتحديد الوجهة القادمة للأسواق.

Elshebshiry@outlook.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى