اقتصاد أمريكا في 2026: تحديات مثيرة
بقلم/ د. محمد جميل الشبشيري
Elshebshiry@outlook.com
كان عام 2025 حافلًا بالمنعطفات الاقتصادية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال من المبكر تكوين صورة واضحة وشاملة عمّا حدث، إذ ما زالت أجزاء كثيرة من المشهد غير مكتملة، بعدما عطّل إغلاق الحكومة الفيدرالية نشر عدد من المؤشرات الاقتصادية.
ومازالت الأيام المقبلة ستحمل كمًا وافرًا من البيانات المفيدة. سنحصل أخيرًا على بيانات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الثالث قبيل عيد الميلاد—متأخرة بنحو شهرين تقريبًا. وما زلنا نتوقع نموًا قويًا للناتج المحلي الحقيقي في الربع الثالث، يعقبه تباطؤٌ ملحوظ في الربع الرابع. وإذا أردنا وصف حالة الاقتصاد الأمريكي في 2025 باختصار، لقلنا إن الرسوم الجمركية هزّت ثقة قطاع الأعمال، وإن القلق من ارتفاع تكاليف المعيشة أضعف معنويات المستهلكين، لكن الاقتصاد الحقيقي صمد بصورة جيدة. فهل كان ذلك، كما يقول دونالد ترامب، «عصرًا ذهبيًا» جديدًا لأمريكا؟ لا. وهل كان عام 2025 كارثيًا؟ أيضًا لا.
فهل سيدفع عام 2026 الولايات المتحدة أكثر نحو أحد هذين الطرفين؟ ليس هذا هو سيناريو توقعاتنا، لكن الطريق المقبل يبدو وعرًا، وستكون هناك تطورات عدة جديرة بالمتابعة الدقيقة.
الرسوم الجمركية تظل القصة الأبرز
تواصل إدارة ترامب بناء سياستها الاقتصادية على فرض رسوم جمركية مرتفعة. وحتى الدول التي وقّعت اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة في 2025 باتت تواجه رسومًا أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام. وتنظر المحكمة العليا الأمريكية حاليًا في قانونية الرسوم التي فُرضت بموجب قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية—وتحديدًا الرسوم المرتبطة بالفنتانيل على كندا والمكسيك، والرسوم «التبادلية» على معظم الدول الأخرى. وقد لا نضطر إلى الانتظار حتى 2026 لصدور الحكم، إذ قد يأتي الإعلان قريبًا.
وفي الأثناء، قال دونالد ترامب إن التراجع عن هذه السياسة سيكون «كارثيًا»، معتبرًا أن «أكبر تهديد في تاريخ الأمن القومي للولايات المتحدة هو صدور قرار سلبي بشأن الرسوم الجمركية من المحكمة العليا». وبعد نحو 84 عامًا على هجوم بيرل هاربر وأكثر من 24 عامًا على أحداث 11 سبتمبر، تثير هذه العبارة الدهشة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد مدى مركزية الرسوم الجمركية في أجندة الرئيس.
ويجدر التنبيه إلى أن الإشكال لا يتعلق بحق الولايات المتحدة في فرض الرسوم، بل بكيفية فرضها. فلو تبنّى الكونغرس سياسة ترامب التجارية—كما فعل مع رسوم الرئيس ماكينلي في تسعينيات القرن التاسع عشر، ومع رسوم سموت–هاولي في ثلاثينيات القرن الماضي- لما وُجد طعنٌ قانوني. غير أن تمرير سياسة كهذه عبر مجلسي الكونغرس ليس أمرًا مضمونًا، حتى مع وجود أغلبيات جمهورية.
أما الرسوم القطاعية فلا يجري الطعن فيها، وقد نشهد بالفعل فرض رسوم جديدة تستهدف صناعات بعينها خلال العام المقبل. وقد بدأت الجهات المختصة التحقيقات اللازمة لفرض رسوم على الطائرات، والإلكترونيات (بما في ذلك أشباه الموصلات والدوائر الإلكترونية)، والهواتف الذكية، والمنتجات الطبية والدوائية، والآلات الصناعية، والروبوتات، وتوربينات الرياح وأجزائها. ومع ذلك، لم يتخذ الرئيس قرارات نهائية بعد.
ماذا عن «عائدات الرسوم»؟
عاملٌ واحد قد يُحدث تغييرًا طفيفًا في التوقعات، وهو مضيّ إدارة ترامب قدمًا في إصدار شيكات «عائدات الرسوم الجمركية». فقد طرح الرئيس هذه الفكرة مرارًا. وعلى غرار شيكات التحفيز التي وُزعت خلال الجائحة، ستكون هذه العائدات دفعةً مقطوعة تُرسل مباشرةً إلى جميع الأمريكيين باستثناء الأكثر ثراءً. والمبلغ الأكثر تداولًا هو 2000 دولار أمريكي. لكن المشكلة أن التكلفة الإجمالية ستلتهم الإيرادات المتوقعة من الرسوم. ففي الأشهر الأخيرة، بلغ متوسط حصيلة الرسوم شهريًا 32.4 مليار دولار، أي أقل بقليل من 400 مليار دولار سنويًا. وستتراوح تكلفة العائدات بين 300 و600 مليار دولار، بحسب عدد المؤهلين. ومع حجم العجوزات الأمريكية وغياب ركود اقتصادي كبير، لا يبدو هذا الإجراء ملائمًا تمامًا.
يدٌ طليقة أم «بطة عرجاء»؟
إذا نُفّذت هذه العائدات، فقد تُفسَّر على أنها هدية انتخابية في عام الاستحقاق لكسب أصوات الناخبين. وتُظهر استطلاعات الرأي أن تقييم الناخبين الأمريكيين لأداء دونالد ترامب الاقتصادي سلبيٌ صافيًا. ولا يزال هاجسهم الأكبر—كما كان في انتخابات 2024—هو كلفة المعيشة. ويزداد تشكك الأمريكيين في قدرة الإدارة على كبحها.
ويتزايد الضغط مع تبقّي أقل من عام على انتخابات التجديد النصفي في 3 نوفمبر 2026. فالرسوم الجمركية، وفقدان إعانات التأمين الصحي، وارتفاع تكاليف الكهرباء—كلها ترفع كلفة المعيشة، وجميعها ناتجة جزئيًا أو كليًا عن سياسات ترامب. ورغم أن بعض بنود قانون «مشروع واحد كبير وجميل» لعام 2025 توفر إعفاءات ضريبية للأسر وتخفف الأعباء عنها، فإن الأثر الإيجابي الصافي يُرجّح أن يكون محدودًا.
هل ينقذ الذكاء الاصطناعي ورئيسٌ جديد للفيدرالي الموقف؟
في 2025، كان أحد أبرز محرّكات الاقتصاد الأمريكي هو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. ولولا الاستثمارات الضخمة للقطاع الخاص في معدات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات وبناء مراكز البيانات، لكان نمو الناتج المحلي الحقيقي في النصف الأول من العام أضعف بكثير. وهناك أيضًا الأثر غير المباشر لارتفاع الثروة الناتج عن صعود أسواق الأسهم المدفوع بالذكاء الاصطناعي. وتسعى إدارة ترامب بوضوح إلى استمرار هذا الازدهار، عبر حزمة سياسات داعمة للصناعة. وقد وقّع الرئيس هذا الأسبوع أمرًا تنفيذيًا يمنع الولايات من تطبيق لوائحها الخاصة على صناعة الذكاء الاصطناعي. والسؤال الآن: هل سيواصل الذكاء الاصطناعي دفع النمو أم سيفقد زخمه؟ ففي نهاية المطاف، لا بد أن ترتفع الأرباح بما يكفي لتبرير كل هذا الاستثمار. وإن لم يحدث ذلك، فقد يكون ازدهار الذكاء الاصطناعي مجرد حالة جديدة من «الاندفاع غير العقلاني» على غرار الفقاعات المالية السابقة، بما يحمله ذلك من تبعات خطيرة على الأسواق والاقتصاد الأوسع.
وتظهر بالفعل شكوك عامة حيال التبني الواسع للذكاء الاصطناعي. فوفقًا لمركز بيو للأبحاث، يرى 57% من الأمريكيين أن الذكاء الاصطناعي ينطوي على مخاطر مرتفعة على المجتمع. ولا يرى فوائد كبيرة سوى 25%، بينما يعتقد 15% أن المخاطر والفوائد معًا كبيرة. كما قد تؤثر القضايا المحلية الناجمة عن احتياجات الطاقة لمراكز البيانات في انتخابات التجديد النصفي.
ويتعين على دونالد ترامب أيضًا اختيار رئيس جديد للاحتياطي الفيدرالي. فتنتهي ولاية جيروم باول في مايو، ويتوجب أن يُصادِق مجلس الشيوخ على المرشح قبل ذلك. إنها مهمة صعبة، وقد كان نقد ترامب لباول لاذعًا. والسؤال الحاسم هو: هل يستطيع الرئيس الجديد للفيدرالي الحفاظ على استقلاليته عن البيت الأبيض؟ ويبدو أن المرشح الأوفر حظًا حاليًا هو كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني وأحد أبرز مستشاري ترامب الاقتصاديين. وإذا أُقرّ تعيينه، فسيحاول إظهار الاستقلال، لكن آراءه على الأرجح قريبة من توجهات ترامب. وإذا لم يتسارع الاقتصاد الأمريكي بالقدر الذي يريده ترامب، فقد يدفع هاسيت نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا، غير أن إقناع زملائه في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة قد يكون تحديًا.
خلاصة القول: لا نقص في القضايا مع دخول العام الجديد، وستكون لنتائجها تداعيات اقتصادية ومالية كبرى—وذلك دون احتساب «المنحنيات المفاجئة» الأخرى التي قد تظهر، لا سيما على الصعيد الجيوسياسي. كان عام 2025 مليئًا بالمفاجآت، ويبدو أن عام 2026 يعد بالكثير منها أيضًا.




