مقالات

توقعات قمة كازان 2024: استراتيجيات توسيع البريكس وتأثيرها على النظام الدولي

في أكتوبر 2024، تستضيف روسيا القمة السادسة عشرة لمجموعة بريكس في مدينة كازان، والتي ستُعقد بين 22 و24 أكتوبر. تأتي هذه القمة في وقت تسعى فيه المجموعة إلى توسيع عضويتها، مع انضمام دول جديدة مثل السعودية، الإمارات، ومصر. يثار السؤال: هل ستواصل بريكس التوسع؟ وما دلالات ذلك على الساحة الدولية؟

من المعروف أن مجموعة البريكس تأسست في 2009 وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتمثل حوالي 40% من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أنشأت المجموعة بنك التنمية الجديد في 2015 برأس مال 100 مليار دولار. وفي 2023، وقد انضمت دول جديدة مثل السعودية والإمارات ومصر، مما يعزز من دور البريكس في النظام الدولي. ومع ذلك، تواجه المجموعة تحديات بسبب تباين المصالح بين أعضائها.

توسع بريكس وديناميكية جديدة

من المتوقع أن تكون رؤية مستقبل بريكس محورًا أساسيًا في قمة كازان، خاصةً مع إبداء عشرات الدول اهتمامها بالانضمام، بما في ذلك تركيا التي قدمت طلبًا رسميًا. ويعكس هذا التوسع ديناميكية جديدة في المجموعة، مع انضمام دول من مناطق جغرافية مختلفة واقتصادات صاعدة، مما يعزز تنوع التكتل.

وفقًا لتقرير نشرته “بلومبرغ”، تقود الصين هذا التحرك لتعزيز نفوذها العالمي في مواجهة التحالفات الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وتُدعم روسيا وجنوب أفريقيا هذا التوسع، في حين أبدت الهند ترددًا في البداية، بينما كانت البرازيل أكثر تحفظًا. مع ذلك، وافقت الدولتان في النهاية على التوسع.

دلالات التوسع العالمي لبريكس

يشكل انضمام كبار منتجي النفط،  مثل السعودية والإمارات، تحولًا محوريًا قد يعزز من جهود بريكس لتحدي سيطرة الدولار على تجارة النفط والغاز، عبر التحول لاستخدام عملات أخرى ،حيث تسعى الصين إلى بناء نظام اقتصادي عالمي بديل بالتعاون مع الدول النامية، مما يمثل تحديًا واضحًا للمكانة الأمريكية.

بريكس حققت أيضًا إنجازات مالية ملحوظة، حيث جمعت احتياطيات نقدية تقدر بـ 100 مليار دولار لاستخدامها كآلية احتياطية للإقراض في حالات الطوارئ. كما أسست المجموعة بنك التنمية الجديد، الذي وافق منذ تأسيسه في 2015 على قروض بقيمة 33 مليار دولار لتمويل المشاريع التنموية، ليكون بديلاً للبنك الدولي.

الأهمية الاقتصادية للبريكس

تتكون بريكس الآن من تسع دول، من بينها البلدان المؤسسة: البرازيل، روسيا، الهند، والصين، إضافة إلى إيران، الإمارات، إثيوبيا، ومصر. لا يزال العالم يترقب انضمام السعودية الرسمي. وفقًا لصندوق النقد الدولي، يتوقع أن يبلغ إجمالي الناتج المحلي لدول بريكس 28.8 تريليون دولار في 2024، أي نحو 26.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

بين الولايات المتحدة والصين: النظام الدولي الجديد

تبحث العديد من الدول الناشئة عن بدائل للنظام العالمي الذي تسيطر عليه المؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تمثل مجموعة بريكس فرصة لهذه الدول لتعزيز نفوذها في الساحة الدولية والمشاركة في صياغة القرارات العالمية. ومع توسع بريكس لتشمل دولًا ذات موارد طبيعية واقتصادات صاعدة، تزداد فرص الدول الناشئة لتعزيز استقلاليتها عن النفوذ الغربي.

من يقود المجموعة؟

من الناحية النظرية، يجب أن يكون للصين أكبر تأثير لأنها تتمتع بإجمالي ناتج محلي يتجاوز ضعف حجم الناتج المحلي للدول الأربع الأخرى مجتمعة. ومع ذلك، على أرض الواقع، تعمل الهند، التي تجاوز عدد سكانها مؤخرًا الصين، كقوة موازنة. فلم توافق مجموعة البريكس رسميًا على المبادرة الصينية الكبيرة لتطوير البنية التحتية في الخارج، والمعروفة باسم مبادرة الحزام والطريق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الهند تعارض مثل هذه المشاريع في الأراضي المتنازع عليها التي تسيطر عليها باكستان، جارتها وخصمها. ليس للصين سيطرة مهيمنة في “بنك التنمية الجديد”: فقد وافقت بكين على الحصص المتساوية التي دعت إليها نيودلهي لكل عضو. علي الرغم من أن المقر الرئيسي للبنك في شنغهاي، ولكن قاده حتى الآن شخصيات من الهند والبرازيل، آخرهم الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف.

فرص القوى المتوسطة في بريكس الموسعة

تمثل الدول التي انضمت حديثًا، مثل السعودية، والإمارات، ومصر، قوى متوسطة تسعى إلى تعزيز موقعها الدولي من خلال الانضمام إلى بريكس. تعد السعودية والإمارات من أكبر مصدري النفط في العالم، حيث تصدّر السعودية حوالي 10 ملايين برميل يوميًا، والإمارات نحو 3 ملايين برميل. تحتل الدولتان أيضًا مكانة بارزة في منظمة أوبك، بينما تحتل مصر موقعًا استراتيجيًا بفضل قناة السويس، التي تمر عبرها نحو 12% من التجارة العالمية.

يتيح انضمام هذه الدول فرصًا للمشاركة في سياسات عالمية تعزز استقلاليتها عن النفوذ الغربي، مما يمكّنها من تحقيق توازن في علاقاتها الاقتصادية بين الغرب والاقتصادات الناشئة، ويمنحها مرونة أكبر في رسم سياساتها التنموية.

هل لا يزال المستثمرون مهتمين بالبريكس؟

لا يزال هناك اهتمام بالأسواق الناشئة، ولكن البريكس لم تعد موضوعًا ذا صلة كبيرة بالاستثمار اليوم نظرًا للتغيرات الجيوسياسية وتباين المسارات الاقتصادية للدول الأعضاء. فالعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة جعلت روسيا بعيدة عن متناول معظم المستثمرين الأجانب، وتعرضت بعض القطاعات في الصين، خاصة شركات التكنولوجيا، لعقوبات أو تواجه حظر استثمارات عقارية رديئة. كما أن الصين، التي أصبحت اقتصادًا ناضجًا، تنفصل بشكل متزايد عن الأسواق الناشئة الأخرى وتواجه تباطؤًا هيكليًا. وقد تباطأ اقتصاد البرازيل بشكل ملحوظ بعد انتهاء طفرة السلع العالمية قبل نحو عقد. ويعاني اقتصاد جنوب إفريقيا من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي واضطرابات في عمليات النقل والتخزين، وذلك رغم إحراز بعض التقدم في معالجة هذه المشكلات مؤخرًا. أما الهند، فلا تزال تعتبر قصة نمو يقارنها البعض بالصين قبل 10 أو 15 عامًا، لكن من غير الواضح ما إذا كانت قادرة على اتباع نموذج التصنيع الذي اتبعته الصين أم لا.

النظام المالي البديل لبريكس

أحد أهم أهداف مجموعة بريكس هو تطوير نظام مالي بديل يقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي. من خلال “بنك التنمية الجديد” (NDB)، تسعى المجموعة لدعم المشاريع التنموية في دولها والدول النامية الأخرى، برأسمال قدره 100 مليار دولار. ومع انضمام أعضاء جدد، من المتوقع أن يزداد تأثير هذا البنك. كما تبحث بريكس عن وسائل لتعزيز التجارة البينية بالعملات المحلية بدلاً من الدولار. كما ترغب روسيا في مشاركة المزيد من الدول في مشروع نظام الدفع الذي سيكون بديلاً لشبكة التحويلات المصرفية العالمية SWIFT، مما يسمح لموسكو بالتجارة مع شركائها دون القلق من العقوبات.

برنامج القمة الأول

من المقرر أن يتضمن برنامج القمة الأول جلسات تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري، بالإضافة إلى مناقشات حول القضايا السياسية العالمية. وسيشهد الاجتماع أيضًا ورش عمل وندوات تتناول سبل تعزيز التعاون بين الأعضاء في مختلف المجالات، بما في ذلك الطاقة والتكنولوجيا والبيئة. من المتوقع أن توقع روسيا أيضًا معاهدة “شراكة استراتيجية شاملة” مع إيران، مما يعزز العلاقات المتزايدة بين موسكو وطهران. وكذلك مناقشة معالجة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت خلال العقد الأخير، حيث ستولي اهتمامًا خاصًا لقضايا الفقر، البطالة، وتوفير التعليم والرعاية الصحية للجميع. هذه القضايا تشكل محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية على مستوى العالم.

علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتم خلال القمة مناقشة سبل تعزيز التعاون في مجالات الابتكار والتكنولوجيا الرقمية، باعتبارهما أدوات حيوية لتعزيز النمو الاقتصادي ورفع كفاءة الخدمات العامة. كما أن التكنولوجيا يمكن أن تسهم في تحسين الوصول إلى الأسواق العالمية وتعزيز التجارة الإلكترونية، مما يعزز فرص العمل والتنمية في الدول النامية.

ختام القمة قد يشهد إعلان مبادرات وتوصيات ملموسة لدفع عجلة التعاون الدولي إلى الأمام، مع التركيز على بناء تحالفات جديدة بين الدول والمنظمات الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة.

أجندة طموحة

وبخصوص قمة البريكس الأولي من نوعها، تتصاعد التوقعات بأن المجموعة في طريقها لإعادة تشكيل النظام العالمي. ومع ذلك، تظل البريكس منظمة يجمع أعضاؤها بين ملامح متباينة، مع أجندة إيجابية. حيث يشترك أعضاؤها في عدم الرضا عن النظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن تتباين مصالحهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بشكل جذري، مما يجعل تنفيذ أجندتها الطموحة أمرًا غير مرجح. التوسعات الأخيرة في عضوية البريكس زادت من التناقضات الداخلية، حيث تشمل الأعضاء اقتصادات غنية وأخرى فقيرة، مما يعكس التنافسات الجيوسياسية بينها.

رغم الدعوات للتخلص من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية، يبقى هذا الهدف مجرد حديث نظري. يتطلب استبدال الدولار توفير عملة بديلة موثوقة تلبي احتياجات الدول المشاركة، وهو أمر يبدو بعيد المنال. كما أن إنشاء بديل للبريكس لصندوق النقد الدولي غير واقعي، حيث يتطلب ذلك استعداد الدول الأغنى لتوفير التمويل مع المخاطر المرتبطة به.

من المرجح أن تولد قمة البريكس الموسعة عناوين براقة في وسائل الاعلام، لكن يبدو أن المجموعة مستعدة لتكرار نمط مألوف من التصريحات الكبرى دون تحقيق نتائج ملموسة. حيث إن إحداث تغيير ذي مغزى يتطلب رؤية إيجابية مشتركة واستعدادًا لتقديم تنازلات حقيقية، وهو ما لم تظهر دول البريكس حتى الآن أنها قادرة على تحقيقه.

الخاتمة

مع توسع بريكس وضم دول جديدة مثل السعودية، الإمارات، ومصر، تزداد أهمية هذا التكتل في النظام الدولي المتعدد الأقطاب. تمثل هذه الدول قوى متوسطة تسعى إلى تعزيز مكانتها العالمية بفضل مواردها الطبيعية، وموقعها الاستراتيجي، واقتصاداتها الصاعدة. ومن المتوقع أن يسهم هذا التوسع في تحقيق تعاون اقتصادي وتجاري متزايد بين الأعضاء، مما يعزز من نفوذ بريكس في تشكيل السياسات العالمية بعيدًا عن السيطرة الغربية التقليدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى