مقالات

تحذير عاجل …. العالم أمام أزمة طاقة إذا استمر تراجع الاستثمارات

أصدرت وكالة الطاقة الدولية تقريراً حديثاً دق ناقوس الخطر حول مستقبل إمدادات الطاقة العالمية، محذّرة من أن التراجع الحاد في الاستثمارات المخصصة لقطاعي النفط والغاز قد يقود العالم إلى أزمة غير مسبوقة في توازن العرض والطلب.

أرقام مقلقة تكشف حجم الخسارة

وفقاً للتقرير، فإن توقف الاستثمارات الجديدة أو تباطؤها قد يتسبب في فقدان السوق العالمية نحو 5.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام سنوياً، وهو ما يعادل مجمل إنتاج البرازيل والنرويج معاً. أما على صعيد الغاز الطبيعي، فإن الخسارة المتوقعة تصل إلى 270 مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل كامل إنتاج قارة إفريقيا تقريباً. هذه الأرقام لا تعني مجرد تراجع في الإمدادات، بل تنذر باضطرابات عميقة في أسواق الطاقة العالمية إذا لم يتم التحرك العاجل.

تراجع متفاوت بين المناطق

التقرير أشار أيضاً إلى أن معدل انخفاض الإنتاج في حقول النفط التقليدية يبلغ 5.6% سنوياً على مستوى العالم. غير أن التباين بين المناطق واضح؛ فالشرق الأوسط يتمتع بأدنى معدل تراجع لا يتجاوز 1.8% بفضل امتلاكه أضخم الحقول التقليدية وأكثرها إنتاجية، ما يمنحه موقعاً استراتيجياً في الحفاظ على استقرار السوق. في المقابل، تواجه أوروبا التحدي الأكبر حيث تصل معدلات التراجع إلى 10% سنوياً، ما يضعها أمام معضلة حقيقية في تأمين احتياجاتها للطاقة مستقبلاً.

تكلفة الاستقرار حتى عام 2050

إذا أراد العالم الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية فقط، فإنه سيحتاج إلى استثمارات تتجاوز 540 مليار دولار حتى عام 2050. هذه التكلفة الباهظة، التي تزيد عن نصف تريليون دولار، تكشف حجم الفجوة بين الواقع ومتطلبات المستقبل، خصوصاً وأن الطلب العالمي على الطاقة لا يزال في تصاعد بفعل النمو السكاني والتوسع الصناعي.

انقلاب في السياسات العالمية للطاقة

اللافت أن هذا التحذير يمثل تحولاً جذرياً في موقف وكالة الطاقة الدولية نفسها. فمنذ أربع سنوات فقط، شددت الوكالة على ضرورة وقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز باعتبارها شرطاً لتحقيق أهداف المناخ وخفض الانبعاثات. أما اليوم، فتقر بأن “أسطورة ذروة الطلب على النفط” بدأت تتهاوى أمام الحقائق الجديدة. الواقع يقول إن العالم لا يستطيع في الوقت الراهن التخلي عن الوقود الأحفوري دون المخاطرة بأزمة طاقة واسعة النطاق.

معضلة الحكومات: بين أمن الطاقة وأهداف المناخ

هذا التناقض يضع الحكومات أمام معضلة صعبة:

-إذا استمرت في الحد من الاستثمارات، فإن نقص الإمدادات سيؤدي إلى قفزات سعرية، اضطرابات اقتصادية، وربما أزمات جيوسياسية.

-وإذا عادت إلى الاستثمار المكثف في النفط والغاز، فإن التزاماتها المناخية ستتأخر، مما قد يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

حلول ممكنة لتجاوز الأزمة

1- استراتيجية متوازنة: الاستثمار في الحقول الحالية لتفادي النقص، بالتوازي مع ضخ استثمارات أكبر في الطاقة المتجددة لضمان انتقال تدريجي.

2-الاعتماد على التكنولوجيا: توسيع استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) لتقليل الانبعاثات من الوقود الأحفوري.

3-تنويع مصادر الإمداد: الاعتماد على الغاز الطبيعي كخيار أنظف مقارنة بالفحم والنفط، مع تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والرياح.

4- تعزيز الشراكات الدولية: التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة عبر آليات تنسيق تضمن استقرار الأسواق وتحقيق التوازن بين المناخ والطاقة.

5-إصلاح السياسات: صياغة أطر تشريعية مرنة تدعم الاستثمار المسؤول في النفط والغاز دون إهمال التزامات المناخ.

ختام التحليل

يؤكد تقرير وكالة الطاقة الدولية أن مستقبل الطاقة لن يكون كما تصوره العالم قبل أعوام قليلة. فالعالم اليوم بحاجة إلى مقاربة براغماتية تعترف بالحاجة المستمرة للوقود الأحفوري، مع العمل في الوقت نفسه على تسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة. الحفاظ على أمن الطاقة والوفاء بأهداف المناخ لم يعد خياراً متناقضاً، بل معركة مزدوجة تتطلب توازن دقيق واستثمارات ضخمة وتعاوناً دولياً غير مسبوق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى