دور التدقيق الداخلي في وظيفة المشتريات … بوابة للكفاءة والشفافية
بقلم: محمد عثمان – مدير تدقيق داخلي
(CPA, CIA, CMA, CRMA, CISA, CRISC, CERM, CFE, PMP, PBA)
في سلسلتنا «التدقيق الداخلي كشريك استراتيجي»، استعرضنا سابقًا كيف يسهم التدقيق الداخلي في تعزيز القيمة بوظائف مثل الموارد البشرية، التسويق، والمبيعات. واليوم ننتقل إلى وظيفة غالبًا ما تُصنّف باعتبارها إجرائية، لكنها في الحقيقة من أهم منافذ التحكم المالي والتشغيلي في أي شركة: وظيفة المشتريات.
يظن البعض أن المشتريات تقتصر على تعبئة نموذج أو التواصل مع مورّد لتوريد بضاعة، لكن خلف كل عملية شراء تختبئ قرارات مالية، عقود قانونية، مفاوضات سعرية، وتقييمات دقيقة للموردين. وبدون ضوابط الحوكمة والشفافية، قد تتحول هذه الوظيفة من أداة لتخفيض التكاليف إلى مصدر للهدر والمخاطر النظامية.
دور التدقيق الداخلي هنا ليس قول “لا”، بل طرح الأسئلة الجوهرية:
هل نشتري ما نحتاجه حقًا؟
هل اخترنا المورد الأنسب؟
هل السعر عادل؟
وهل التوقيت مناسب؟
التدقيق الداخلي يضمن أن كل دينار يُنفق في المشتريات يحقق قيمة مضافة حقيقية للشركة.
المخاطر الخفية في المشتريات
رغم طبيعتها اليومية، تواجه وظيفة المشتريات مجموعة من المخاطر التي قد لا تبرز دون رقابة فعالة، مثل:
* التعامل مع موردين غير معتمدين أو دون عروض منافسة.
* استلام كميات تختلف عن المطلوب أو مواد غير مطابقة للمواصفات.
* تأخيرات أو استعجال في التسليم تؤثر على الإنتاج أو التخزين.
* غياب المستندات الداعمة، مما يصعّب تتبع الالتزامات المالية.
* تضارب المصالح أو إساءة استخدام الصلاحيات في منح العقود.
هذه الممارسات ليست نظريات، بل حالات واقعية تحدث يوميًا في شركات كويتية، وقد تكلف مبالغ كبيرة دون أن تُرصد فورًا.
كيف يضيف التدقيق الداخلي القيمة؟
لا يتدخل التدقيق الداخلي في قرارات الشراء التشغيلية، لكنه يضع إطارًا وقائيًا يعزز الكفاءة والحوكمة، من خلال:
* مراجعة سياسات اعتماد الموردين وضمان تقييمهم بناءً على السمعة والجودة والسعر والالتزام بالمواعيد.
* التأكد من أن طلبات الشراء مبرّرة ومعتمدة ومتوافقة مع احتياجات التشغيل الفعلية.
* تطبيق مبدأ المنافسة عبر عروض الأسعار عند تجاوز مبالغ معينة وفقًا لسياسة الشركة.
* متابعة عملية الاستلام والتحقق من مطابقة الكميات والمواصفات لأوامر الشراء ومعالجة أي انحرافات بسرعة.
* تحليل التكاليف الفعلية مقابل التقديرات للحد من التجاوزات التي قد تمسّ ربحية العمليات.
مثال من واقع الشركات
في إحدى الشركات ، تم الاكتفاء بمورّد واحد لتوريد مواد خام أساسية دون تقديم عروض منافسة. ومع ارتفاع الأسعار العالمية، تبيّن أن المورد يتقاضى أسعارًا أعلى من السوق المحلي بنسبة 25%.
عند مراجعة التدقيق الداخلي، تم كشف الفارق وتفعيل سياسة “العروض التنافسية”، ما أدى إلى توفير سنوي تجاوز الآلاف الدنانير دون تأثير في الجودة أو الالتزام الزمني.
المشتريات الذكية تبدأ بضوابط ذكية
الرقابة ليست عائقًا أمام سرعة الشراء، بل ضمان أن السرعة لا تُدار على حساب الشفافية، وأن المرونة لا تتحول إلى ثغرة للهدر أو سوء الاستخدام.
في بيئة تتنافس فيها الشركات على كفاءة استخدام الموارد، لم يعد المطلوب هو مجرد “إتمام الشراء”، بل “إتمام الشراء بذكاء”.
ذلك الذكاء تحدده إجابات أربعة أسئلة أساسية:
من يختار الموردين؟
من يوافق على الأسعار؟
من يتحقق من الاستلام؟
ومن يقيس الأداء؟
هذه الأسئلة تمثل جوهر الحوكمة: فصل الصلاحيات، توثيق القرارات، وقياس النتائج. وهي ليست قيودًا بل أدوات لبناء شركة أكثر موثوقية، كفاءة، وتنافسية.
خاتمة: من بوابة الإنفاق إلى بوابة القيمة
في ظل توجهات رؤية الكويت 2035 نحو الحوكمة وترشيد الإنفاق، يزداد دور التدقيق الداخلي أهمية في دعم شفافية المشتريات وتحويلها من بند تكلفة إلى استثمار استراتيجي مدروس.
فالمراجعة الدورية من قبل فريق التدقيق ليست تدخلًا، بل استثمارًا وقائيًا يحمي أصول الشركة، ويعزز ثقة المساهمين ومجلس الإدارة، ويرفع مستوى الكفاءة التشغيلية من الداخل.
هذا المقال جزء من سلسلة «التدقيق الداخلي كشريك استراتيجي» التي تسلط الضوء على الدور الحيوي للتدقيق في وظائف الشركة الأساسية بمختلف القطاعات.



