فعالية مجلس الإدارة… المعيار الحقيقي لقوة المؤسسة
بقلم: المحامي د. سعود ناصر الطامي
محكم وموفق لدى مركز الكويت للتحكيم التجاري
عندما يتم طرح موضوع تقييم أداء مجلس الإدارة، وهو أحد المتطلبات الرقابية الإلزامية للشركات المدرجة والمرخصة، نلاحظ أن النظرة الأولى لفعالية المجلس تتركز غالبًا على المؤشرات الشكلية مثل: عدد الاجتماعات المنعقدة، ونسب الحضور، وعدد القرارات الصادرة، ومدى الالتزام بالمواعيد والمهام الإدارية.
لكن في خضم التركيز على هذه الجوانب الإجرائية، يغيب عن الأذهان البعد الحقيقي لفعالية المجلس، والمتمثل في جودة القرارات الاستراتيجية التي تُغيّر وجهة الشركة نحو التميز، ومدى إسهام الأعضاء في طرح الأفكار والرؤى المستقبلية، وقدرتهم على استشراف المخاطر والفرص وتحويل النقاشات إلى قيمة مضافة للمساهمين وأصحاب المصلحة.
ونحن نؤمن يأن تقييم فعالية مجلس الإدارة لا يُختزل في الحضور والتوثيق، بل في أثر قراراته، ونوعية النقاشات التي يُديرها، وقدرته على قيادة المؤسسة نحو النمو والاستدامة. ومن هنا تنطلق أهمية إعادة تعريف مفهوم “قياس الفعالية” في ضوء العلاقة الجوهرية بين الحوكمة والأداء.
تُعدّ فعالية مجلس الإدارة حجر الزاوية في نجاح أي مؤسسة، إذ يمثل المجلس الجهة العليا التي ترسم الاتجاه الاستراتيجي، وتراقب الأداء، وتضمن تحقيق التوازن بين مصالح المساهمين وأصحاب المصلحة الآخرين. وفي ظل التحديات الاقتصادية والتنظيمية المتزايدة، أصبح قياس فعالية مجالس الإدارة أداة حوكمة لا غنى عنها لتقييم مدى التزام المجلس بمبادئ الشفافية، والمساءلة، والاستقلالية.
مفهوم فعالية مجلس الإدارة
فعالية المجلس لا تُقاس فقط بعدد الاجتماعات أو القرارات، بل بقدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة، ومتابعة تنفيذها بموضوعية وكفاءة، وتحقيق قيمة مضافة للمؤسسة على المدى الطويل.
وتتجلى فعالية المجلس في ثلاثة أبعاد رئيسية:
- التركيبة والتنوع: من حيث الكفاءات، والخبرة، والاستقلالية، وتمثيل أصحاب المصلحة.
- الأداء الجماعي والفردي: عبر مؤشرات الأداء الموضوعية (KPIs) لكل عضو وللمجلس ككل.
- حوكمة العمليات: أي جودة المعلومات المقدمة للمجلس، وفاعلية اللجان، ومدى وضوح الأدوار بين المجلس والإدارة التنفيذية.
العلاقة بين الحوكمة والأداء
الحوكمة المؤسسية ليست مجرد متطلبات تنظيمية، بل إطار شامل لضمان أن يُدار المجلس بأسلوب يحقق الكفاءة والشفافية في اتخاذ القرار. فالمؤسسات التي تتبنى ممارسات حوكمة راسخة — مثل تقييم أداء المجلس سنويًا، ووضع سياسات إفصاح ومساءلة واضحة — تُظهر عادةً أداءً ماليًا وتشغيليًا أفضل على المدى الطويل.
تؤكد الدراسات أن المجالس التي تعمل ضمن بيئة حوكمة ناضجة تتميز بقدرتها على إدارة المخاطر، وضمان استدامة الأرباح، وتجنب الأزمات قبل وقوعها. فكلما ارتفع مستوى الالتزام بالحوكمة، زادت احتمالية تحسن الأداء المؤسسي.
أدوات قياس فعالية مجالس الإدارة
يمكن قياس فعالية المجلس من خلال مجموعة من الأدوات الكمية والنوعية، من أبرزها:
- التقييم الذاتي للمجلس (Board Self-Assessment)
يقوم الأعضاء بتقييم أدائهم الجماعي والفردي بناءً على معايير محددة تشمل القيادة، الاستقلالية، واتخاذ القرار. - تقييم خارجي مستقل (External Evaluation)
يتم بواسطة جهة استشارية مستقلة لتقديم نظرة موضوعية على أداء المجلس ولجانه. - مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)
مثل مدى التزام المجلس بخطط العمل، ونسبة حضور الاجتماعات، وعدد القرارات الاستراتيجية التي تم تنفيذها. - متابعة أداء اللجان المنبثقة
كالمراجعة والمخاطر والترشيحات والمكافآت، إذ تمثل هذه اللجان محرك الحوكمة الفعّالة داخل المجلس. - مقارنة الأداء Benchmarking
من خلال مقارنة أداء المجلس مع مجالس مماثلة في نفس القطاع أو السوق.
الحوكمة كضمانة لاستدامة الأداء
لا يمكن الحديث عن فعالية مجلس الإدارة دون التأكيد على أن الحوكمة هي الإطار الذي يضمن استدامة هذه الفعالية. فوجود سياسات مكتوبة للتفويض، وإدارة التعارضات، والإفصاح، وتقييم الأداء، يمنح المجلس القدرة على العمل بثقة وموضوعية.
كما أن تبني ثقافة الحوكمة داخل المجلس — وليس فقط الالتزام الشكلي بها — هو ما يصنع الفرق بين مجلس شكلي وآخر قيادي مؤثر.
نحو مجالس أكثر نضجًا واستباقية
التحول من “مجلس رقابي” إلى “مجلس استراتيجي” يمثل الخطوة التالية في رحلة التطوير. فالمجالس الفعالة اليوم لا تكتفي بمراجعة التقارير، بل تستشرف المستقبل، وتوجّه الإدارة التنفيذية نحو الابتكار والحوكمة المستدامة.
ويتطلب ذلك من الأعضاء تعزيز مهاراتهم في قراءة البيانات والتحليل الاستراتيجي، ومواكبة التطورات في معايير الحوكمة والرقابة المؤسسية.
إن قياس فعالية مجالس الإدارة ضرورة استراتيجية تفرضها بيئة الأعمال الحديثة ومتطلبات الجهات الرقابية، ، بل فالنتائج تؤكد أن المجلس الفعّال هو مرآة لحوكمة قوية، والحَوْكمة الرشيدة هي أساس لأداء مستدام.
وعندما تتكامل أدوات القياس مع ثقافة مؤسسية قائمة على الشفافية والمساءلة، تتحول الحوكمة من التزام إلى ميزة تنافسية حقيقية.




