العقارمقالات

نقد دراسة توزيع الأراضي السكنية والاستثمارية في الكويت لشركة أعيان العقارية (الجزء الأول)

بقلم/ د. محمد جميل الشبشيري

 

تُعد الدراسات العقارية أداةً حيوية لفهم ديناميكيات السوق وتوجيه القرارات الاستثمارية والتخطيطية. وفي هذا السياق، قامت شركة أعيان العقارية بإجراء دراسة شاملة حول توزيع أراضي السكن الخاص والاستثماري في دولة الكويت، بهدف تحديد المناطق التي تتميز بمستوى معيشة مرتفع ونمط حياة راقٍ. تستند هذه الدراسة إلى ثلاثة معايير رئيسية: المساحات المفتوحة، ومساحات الطرق، ومتوسط نصيب الفرد من الأراضي الاستثمارية والسكنية.

يهدف هذا المقال إلى تقديم نقد منهجي لهذه الدراسة، مع تسليط الضوء على منهجيتها، وتحليل نتائجها، وتقييم نقاط القوة والضعف فيها، وتقديم توصيات لتحسين الدراسات المستقبلية. كما سنقوم بدمج رؤى من قراءات نقدية أخرى لمؤشر نصيب الفرد من العقار في الكويت، لتقديم تحليل أكثر شمولية وعمقاً للواقع السكني.

 

منهجية الدراسة والمعايير المستخدمة

اعتمدت الدراسة على ثلاثة معايير أساسية لتقييم المناطق وتحديد مدى جاذبيتها للسكن الخاص والاستثماري:

1- المساحة المفتوحة: تُعرّف الدراسة المساحة المفتوحة بأنها الأراضي التي لا تندرج تحت أي تصنيف بلدي في المنطقة. وتؤكد على أهمية هذه المساحات في تحسين جودة الهواء، وتعزيز الصحة البدنية والنفسية، ودعم التفاعل المجتمعي، وتوفير بيئة مناسبة لأنماط الحياة النشطة، فضلاً عن تعزيز قيمة العقارات وجمالية المنطقة. وقد أوضحت الدراسة أنها استبعدت المناطق الصحراوية والصناعية من التحليل.

2- مساحة الطرق: تُعرّف بأنها المساحة الإجمالية المخصصة للطرق والشوارع بمختلف أنواعها التي تربط بين المناطق. وترى الدراسة أن كبر مساحة الطرق يساهم في سهولة الاتصال وإمكانية الوصول، مما يدعم النشاط الاقتصادي، ويقلل الازدحام، ويسهل الاستجابة لحالات الطوارئ، ويعزز إمكانات التطوير العقاري. وقد تم حسابها باستخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، مع استبعاد المناطق الصحراوية والصناعية.

3- متوسط نصيب الفرد من الأراضي الاستثمارية والسكنية: وهو معيار يعكس مستوى الكثافة السكانية ومدى توفر المساحة للفرد الواحد في الأراضي المخصصة للسكن والاستثمار.

تجدر الإشارة إلى أن الدراسة تؤكد أن نتائج التحليل غير مرتبطة بأسعار العقارات، وأن تحديد قيمة الأراضي يعتمد على عوامل أخرى مثل العرض والطلب والقرب من المناطق التجارية، وهي معايير لم يتناولها التقرير. هذا التوضيح ضروري لفهم نطاق الدراسة وحدودها.

 

تحليل المنهجية والمعايير

 

رغم وضوح المعايير الكمية المعتمدة، إلا أن هناك عدة نقاط تستدعي النقد:

1- تعريف المساحة المفتوحة:

التعريف الذي اعتمدته الدراسة واسع وقد لا يعكس حقيقة جودة المساحات المفتوحة. فالأراضي غير المصنفة ليست بالضرورة مساحات خضراء أو ترفيهية؛ فقد تكون أراضي فضاء غير مطورة لا تحقق الفوائد البيئية والاجتماعية التي أشارت إليها الدراسة. كان من الأفضل تحديد الأنواع المشمولة بدقة أكبر.

2- مساحة الطرق:

رغم أن الدراسة أبرزت دور الطرق في تسهيل الحركة، إلا أن التركيز على كبر مساحتها كمعيار إيجابي قد يكون مضللاً، إذ قد يؤدي إلى:

* زيادة التلوث الهوائي والضوضائي.

* تقطيع النسيج العمراني وتقليل قابلية المشي.

* تعزيز الاعتماد على السيارات على حساب النقل المستدام.

 

كان من الأجدر تقييم كفاءة الطرق وتكاملها مع وسائل النقل الأخرى، لا مجرد مساحتها.

3- متوسط نصيب الفرد:

يُعد مؤشراً مهماً، لكن لا يكفي وحده للحكم على جودة الحياة. فقد تكون الكثافة السكانية منخفضة، ولكن مع نقص الخدمات والبنية التحتية، مما يقلل جاذبية المنطقة. كما لم توضّح الدراسة بدقة كيفية حساب عدد السكان، وهو عامل أساسي لدقة النتائج.

4- إغفال معايير أساسية:

لم تتطرق الدراسة إلى:

* توفر الخدمات الأساسية (مدارس، مستشفيات، مرافق تجارية وترفيهية).

* جودة البنية التحتية.

* الأمن والسلامة.

* سهولة الوصول إلى أماكن العمل والمراكز الحضرية.

* الجوانب الاجتماعية والثقافية.

* الأسعار والقيمة العقارية.

تحليل النتائج

قدمت الدراسة بيانات مهمة حول توزيع الأراضي، مثل:

* تصدر المطلاع في أراضي السكن الخاص.

* تصدر السالمية في السكن الاستثماري.

* تصدر دسمان في نصيب الفرد الاستثماري، نتيجة طبيعة توزيع الأراضي.

*تصدر صباح الأحمد البحرية في المساحات المفتوحة، بينما سجلت أدنى نسبة في مساحة الطرق.

 

نقد النتائج وتفسيراتها

1- المطلاع ونصيب الفرد: الأرقام الحالية مضللة لأنها ستتغير مع اكتمال البناء، وكان من الأفضل تقديم سيناريوهات مستقبلية.

2- دسمان ونصيب الفرد الاستثماري: ارتفاع المؤشر لا يعكس جودة الحياة، بل طبيعة الأراضي قليلة السكان، مما يقلل من صلاحية المعيار للمقارنة.

3- التناقض في صباح الأحمد البحرية: الجمع بين أعلى نسبة مساحات مفتوحة وأقل مساحة طرق يعكس طبيعة المنطقة السياحية، لكنه يبرز الحاجة لفهم خصوصية كل منطقة قبل التعميم.

4- غياب التحليل المقارن الشامل: الدراسة لم تقدم تصنيفاً عاماً يدمج جميع المعايير، وهو ما كان سيساعد على تحديد المناطق الأكثر تميزاً بمستوى معيشة راقٍ بشكل متكامل.

خاتمة

يتضح من هذا التحليل أن الدراسة التي أعدتها شركة أعيان العقارية قدمت بيانات كمية مهمة، لكنها اعتمدت على معايير محدودة لا تكفي لتكوين صورة شاملة عن جودة الحياة ومستوى المعيشة في المناطق السكنية والاستثمارية بالكويت. ورغم أهميتها كبداية منهجية، إلا أن غياب بعض المؤشرات الأساسية يحدّ من دقة النتائج وصلاحيتها للاستخدام في التخطيط العمراني أو اتخاذ القرار الاستثماري.

وفي الجزء الثاني من هذا المقال، سينصب التركيز على منهجية حساب متوسط نصيب الفرد من العقار، مع مقارنته بالمعايير الدولية ومنهجيات احتساب المتوسط، وذلك لتوضيح مدى دقة هذا المؤشر وصلاحيته كمقياس علمي يمكن الاعتماد عليه في الدراسات العقارية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى